جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءماجدة بوكلوةنقد

نحو تفكير إنساني أكثر تمرداً : كيف نصنع نِدا لنظرية ما بعد الحداثة ؟

 

نحو تفكير إنساني أكثر تمرداً :  كيف نصنع نِدا لنظرية ما بعد الحداثة  ؟

ماجدة بوكلوة

لقد طرحت مرحلة الحداثة الكثير من القضايا و الاشكالات التي نددت بتقويض منظومة الميتافيزيقيا و نادت بضرورة خرق التفكير المؤسسي الذي عُد مركزياً في وقت ما ، فكان عصر التسعينات العصر الأكثر تمرداً و جرأة في أجندة التاريخ ذلك أنه أجهز على المفاهيم التراثية و نظر إليها بعين المكفر و الساخط واصفاً إياها بأنها منظومة رجعية  تنم عن سذاجة الفكر و عن همجيته خصوصاً و أن الحداثة قد اشترطت إحداث قطيعة مع فلسفة  " الماقبل" إيماناً منها بأن التفكير المؤسسي / التراثي أو التقليدي هو تفكير عقيم لا يورث سوى أصداء لطروحات الأولين و أن التملص من هذه الطروحات مرهون بالتمرد على السائد ، هدم الثابت و تدنيس المقدس ،  و دونما مقدمات  أحاطت نفسها - الحداثة - بهالة من الشبهات التي اوقعتها في شرك التفكير (المعاكس/المضاد) الذي غذته طروحاتها فإذا كانت الحداثة تعني في مجملها  ، صناعة عقل إنساني أكثر تمرداً و أشد تناقضاً مع ما هو كائن ، فإن فلسفة " الماقبل" تستحضر بالضرورة فلسفة اخرى تُناقضها لكن تخدم مطالبها و تُصيغ مفاهيم وفق مقولاتها و هنا ربما تصبح الحداثة مجرد مشهد ضبابي يربط فصل " الما قبل "   بفصل  "الما بعد" ، و هذا ما يدفعنا  إلى تقصي أبعاد و مألات مرحلة الحداثة بعدها تفكيراً راديكالياً كان من شأنه أن يغير الوعي بماهية  الصراع بين القدماء و المحدثين و أن يُلقي بالعقل الإنساني في هوة القضايا المسكوت عنها و اللامفكر فيها من الأساس تحت مسمى " التمرد"

إن الخوض في غمار الحداثة بعدها شكلا من أشكال التمرد يفرض على الباحث أن يتحرر من قيد الهوية من، سلطة الانتماء و أن يمتلك الجرأة على مساءلة التاريخ و قراءة الموروث في زمنٍ غير ذي الزمن الذي انوجد فيه حتي يتسنى له الرفض و المعارضة قبل الخضوع و  الإذعان فيصبح بذلك كفؤ لأن يرفض،  يُحاجج  يُبطل و من ثمة يأتي بالبديل و هذا تماماً ما قد توفر في رواد ما بعد الحداثة ، فبعد أن اقتنع الحداثيون بأن مفهوم الحداثة قدر حتمي أفرزته تجاذبات التاريخ و أنه قد أحدث طفرة نوعية في جينات العقل البشري ما يؤكد صموده و أبديته جاءت فلسفة " المابعد"  لتحسم الأمر بين واقع كائن و بين واقع لابد أن يكون .

لقد كرست الحداثة في زمن مضى مفاهيم و طروحات بررت خصوصيتها بدءاً من فصول الحرب العالمية الاولى و الثانية التي دعمت الأنظمة الشمولية ثم فتحت المجال أمام الصراعات الأيديولوجية هذه الأخيرة التي غيرت وجهة الصراع من فكري عقدي إلى إنسانوي أجج لهيب الهوية لتصطدم البشرية بجدار الانتماء ، الذي دفع بالشعوب إلى جعل اللغة بعدها العامل المشترك بينهم كأداة للمواجهة بدل التواصل ، فكانت المثاقفة و الانفتاح على الآخر و حتى فلسفة التجريب أوجهاً شكلية لسلسلة الحروب و المشاهد الدموية تلك  ، ذلك أن فلسفة " المابعد" قد عرت على مضمرات الحداثة ، فقولنا بكون النظرية الكولونيالية قد كرست لمركزية الاستعمار في مقابل تهميش المستعمَر و تحقيره يُبرر نزوح النظرية مابعد الكولونيالية إلى الإنتصار للمستعمرات في محاولة لرد الاعتبار لها و هذا ما يتجلى في كتابات الرد ، كما أن ظهور الكتابات النسوية و الدعوة إلى تحرير المرأة ماهو إلى محاولة جادة لتقويض مركزية الذكر و انصاف الأنثى  ...

قد أشرنا في بداية المقال إلى سؤال جوهري مفاده " كيف نصنع نِدا لنظرية ما بعد الحداثة ؟ و هل انتصارها للهامش على حساب المركز كفيل بأن يبرئها ؟

قد يبدو لنا كقراء  أن نظرية مابعد الحداثة ، نظرية أقل بؤساً من سابقتها  و  ان تضمنت تحيزات أيديولوجية معينة غير أن البحث في أصول الطروحات التي أفرزتها نظرية مابعد الحداثة يجعلنا نقف مدهوشين من هول الحقائق المزيفة و من عِظم المؤامرات التي تُحاك خلف جماليات الأدب و شعريته فلو أعدنا طرح تلك المفاهيم و المقولات التي طرحتها النقود الأدبية مابعد الحداثية و محاولة قراءتها في سياقها الفلسفي و العقدي المناسب سندرك الفرق بين " بؤس النظرية " ضمن فلسفة " الما قبل " و بين " خبث النظرية " ضمن فلسفة " الما بعد " و للتفسير أكثر سأبتدئ بمفهومين نقديين و فلسفيين هامين :

1/ الهدم و البناء ، هل هكذا يؤول التفكيك الدريدي ؟ 

لقد حاول النقاد العرب في مشرق العالم العربي و في مغربه إلى محاولة ترجمة كتب المفكر ، الناقد و الفيلسوف جاك دريدا رغبة منهم في صناعة نقد عربي يتماشى و خصوصية الخطابات الأدبية بغض النظر عن اشكاليتي " التجريب " و " التغريب " و فصل القول بأن الأجناس الأدبية المعاصرة كالشعر الحر و الرواية الحديثة و حتى المسرح ماهي إلا ظلال لتجارب نوعية حاول العرب مجاراتها و تعريبها  ، فكانت الترجمة رغم تطابقها و مقولات التفكيكية الدريدية أحياناً ، تبعد عن جادة التفكيك و تكتفي بشرح مصطلحي الهدم و البناء على أنهما مقولات لاستراتيجية التفكيك لا غير .

هناك إشارات في مجموعة من الكتب و المقالات مفادها أن التفكيك الدريدي ماهو إلا صدى للهوية العِبرية اليهودية التي تؤمن بمنطق " الفوضى بوصفها نظام " و هو ما يرتبط دينياً و عقائدياً بالشتات او الضلال اليهودي ، لكن ماذا لو حاولنا تفسير الهدم هو الآخر بأنه نظام صوتي يتضمن نسقاً مضمراً يوصلنا إلى منظومة ضاربة في العقيدة اليهودية بل و يميط اللثام عن المشروع الصهيوني الذي تُلخصه نواياهم في هدم " المسجد الاقصى " و من ثمة " بناء " الهيكل ! او يُعد هذا الطرح ضرباً من ضروب الوهم ؟!

2 / المثلية و هدم " الجندر" إلى أي مدى احتوى التفكيك الدريدي انشطار الكينونة ؟

في مقال مضى حاولت جاهدة في محاولة مني – متواضعة – لقراءة استراتيجية التفكيك عند جاك دريدا بالإستناد إلى كتب نقدية يبدو لي أنها وُفقت لحد بعيد في معالجة هذه الظاهرة الفلسفية و النقدية على حد سواء توصلت أخيراً للفصل بين إستراتيجية التفكيك بوصفها عملية نقدية و بين التفكيك بوصفه نسقاً أيديولوجياً و عقائدياً، و اختتمت المقال بسؤال جوهري يبدو لي فاعلاً لدرجة كبيرة في مساءلة الواقع و معالجة القضايا و الاشكالات التي تمخضت عن تحولات تلك الفلسفات و الطروحات النقدية  ، هل المثلية في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص ، ظاهرة وليدة اللحظة ام أنها تتصل في مجملها بمنظومة فكرية و أيديولوجية معينة ؟ أقول أنها امتداد لتفكيكية جاك دريدا ذلك أن الهدم وفق فلسفته لا يقتضي اعادة البناء و هذا مايبرر إذاً تصور مجتمع ممزق مهمته تقويض السلطة ، الأنظمة و المؤسسات بما فيها الأسرة و هو ما يدعو أيضاً إلى تفكيك ماهية النوع / الجندر  ، ايماناً منه بأن التقسيم التراثي للجامعة البشرية على أساس ثنائية ضدية  ( ذكر / أنثى )  لابد أن يندثر و أن يتمزق تماماً كالهوية حسب المعتقد العِبري .

ما أخلص له في آخر هذا البحث  هو بمثابة الإجابة عن الإشكالية التي عرجت لها بدايةً  و التي مؤداها : نحو تفكير إنساني أكثر تمرداً :  كيف نصنع نِدا لنظرية ما بعد الحداثة  ؟

إذا استطعنا نحن العرب استيعاب ماهية أن "  الأصل يُقوض التمرد " و أن " المتحول من الأمور و القناعات على جرأته لن يقدر على هزم الثابت "  ، سندرك أن  صناعة نِد لنظرية مابعد الحداثة مرهون بقراءة المعاصر من القضايا و المسائل قراءة تراثية أصيلة و ثابتة و هذا ما يدفعنا إلى اعادة النظر في الكثير من المشاريع النقدية التي وُسمت بأنها تحامل على الهوية و على التراث و الأصالة  ؟ وعلى  هذا الأساس هل قلب موازين القراءة من سلبية إلى ايجابية كفيل بأن يواجه نظرية مابعد الحداثة ؟ و هل علي أحمد سعيد ( أدونيس ) مجرم حداثي بحق ؟

 


 

ماجدة بوكلوة

يوم الخميس 29 فيفري 2024


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *