قراءة في قصة
"اغتراب"
للكاتب /
محمود احمد علي_مصر 🇪🇬
بقلم : حامد حبيب _مصر 🇪🇬
—--------------
-----------
هي قصةٌ تكشف القناع عن جهل العائلة والمجتمع
وتجاهل المؤسسات الثقافية والعلمية لأحد
الأدباء والمفكّرين الذين
أثروا الحياة
الثقافية في البلاد ، وماآل إليه حاله
من جهلٍ وتجاهل وازدراء ونفي
معنوي.
يحدّث الراوي
(الصحفي) عنه قائلاً : "مفكّر
وأديب مثله ، تجاوزت أعمالُه
التسعين كتاباً في شتى فروع المعرفة، ولم
تكرّمه
الدولة ، رغم أنّ انصاف وأرباع
الأدباء أخذوا أكثر
مما
يستحقون.. رجلٌ مثله رفض الزواج.. تزوّج الفكرَ والأدب، لِمَ لَم يُكرّم؟!
راح الصحفي
يسأل عن بيت هذا الأديب (محمد محمود)
الشهير براهب
الفكر في بلدته الصغيرة.
_لوسمحت فين
بيت الأستاذ من محمد محمود الشهير براهب الفِكر ؟
أجابه الشاب في تعجّب: أنا معرفش حدّ بالاسم ده.
_وهوّا
حضرتك مش متعلّم برضه؟
طبعاً ، أنا في كلية الآداب.
…..
وبالطبع،
فإنً مثل هذه الإجابة من طالب في كلية الآداب، داعي من دواعي السخريّة، تنمُّ عن الجهل المتفشّي في أوساط
المتعلمين أو حاملي الشهادات، وبالتالي فإنه علّةٌ
يِستنَد
إليها إذا ماعلمنا انه برغم من زيادة نسبتهم، ليس لهم
اثر في أيّ
حركة نهضوية في البلاد.
ويواصل _في
مشهد آخر من مشاهد الجهل واختزال المعرفة
في هوامش
لاقيمة لها، حين يسأل آخرين، فيكون ردّ احدهم:
_أنا اعرف
الست نجفة الرقاصة.. او المعلّم الجحش تاجر
الخردة، أو
الاسطى محمد الحلاق، إنما تقولّلي مش عارف ايه وشهرته راهب الفكر.
ومع إنها
بلدةٌ صغيرة جدًّا، فإنّ مثل هذه الإجابة تنمّ عن مجتمع ريفي تغيّرت قيمُه
وعاداتُه وتقاليده، فصار مثل هذا
الرجل
المفكّر كأنه غير موجود ولاقيمة له.
كما أنّ
الإجابة على السؤال كانت إجابة استخفافية، وفيها أيضاً عدم التقدير لرجلٍ غريب
يسأل.. فلم نجد صاحب الإجابة ينطق بعبارة ترحيب بالغريب، أو مايدلّ علىى إكرامه
له. كل هذه
المظاهر المعبّرة عن قيم وعادات الريف لم يقابلها
الصجفي
السائل اثناء محاولاته في العثور على هذا الرجل
المفكّر"راهب
الفكر".
ومن خلال
ضمير الغائب يقول: "رأى أطفالاً يحملون بين ايديهم بعض المجلّدات،ويتقافزون
بها فيما بينهم في الشارع"
يقول:
"كُتُب كثرة.. كثيرة جداً، متناثرة أمام عتبات البيت،
وبعض
الأطفال يرمون بعضهم بها، والبعض الآخَر
من الرجال يقفون فوقها"
……
فهذه الكتب
التي يجب ان تعي العقول قيمتها، تدوسها الأقدام،
حيث صار
العلم لاقيمة له لدى الجهلاء.
يسأل بيت مين
ده؟
ردّ عليه الرجل
دون ان يلتفت إليه :
_بيت محمد
محمود اخو المعلّم الجحش
وهذا يدل على
مدى شهرة "الجحش"عن شهرة أخيه المفكّر..
وهو التضاد
الذي اورده المؤلف ليشير إلى نقيضَين: العلم
والجهل،
متمثّلين في المفكر محمد محمود والمعلّم الجحش،
وهو اسمٌ
اولقب دلّ عليه لفظاً ومعنَى.
صرخ في وجه
الرجل: راهب الفكر؟
ردّ عليه
الرجل في تعجّب من أمره: راهب فكر ولاراهب كُفر.. انت عاوز إيه؟
" ثم
قال: هوّا محمد محمود مش قابلك وانت جاي؟
ياأستاذ..
محمد محمود تعيش انت، والمعلّم الجحش أجّر اربعة رجّالة وراحوا يدفنوه برّه البلد
"
تذكّر
العربة" الدايهاتسو": التي قابلته في اول البلدة، وهي تحمل فوقها نعشاً
محاكاً باربعة من الشباب يدخّنون السجائر
ويضحكون
بشدة.. "
واحدٌ من
بينهم رمى مجموعةً كبيرة من الكتب كانت فوق يدَيه وقال: دي آخِر شويّة كتب موجودة
جوّه"
ردّ
عليه آخَر: ياللا نقسم.
ردّ ثالث:
انا حاخُد التليفزيون "
وقالت امرأة:
وانا الثلاجة
وآخر: وانا
البوتاجاز
سحب قدمَيه
بصعوبةٍ بالغة، تاركاً المكان، وبين يديه يحتضن
كتاب"اغتراب".
وقد قصد
المؤلف بذلك التعبير عن مدى اغتراب المفكّرين
والأدباء في
مجتمعاتهم، وعدم الوعي بقيمة افكارهم
ونفيههم
معنوياً، وعدم
تقديرهم، فهم مغتربون داخل اوطانهم.
تلك قضية من
القضايا الهامة المتعلقة بجانب الفكر في الحياة،
ساقها المؤلف
في براعة، ولم يفُته أن هذا الجهل_بالطبع_يصطحب معه متغيرات تحيد عن المألوف،
كالتغيير الذي شوهد في إجابات الناس، وعاداتهم وتقاليدهم،
وكيف كانت مقابلة
الغريب؟ وكيف سيق الميّت إلى قبره بلا أهل، وقد استأجروا له من يدفنه؟ وكيف استباح
من حملوه
لانفسهم امام
رهبة الموت أن يدخّنوا السجائر اثناء حمله مع
ضحك وقهقهات؟
إذن، ليس من
المتوقَّع ان يصدر عن الجهل قيمة واحدة يعتدّ
بها المجتمع
في خطوةٍ ينوي بها التقدم نحو المستقبل.
إن الأدبَ
حينما يتناول إشكاليات الواقع، فإنما يسلّط الضوء
على آفاتِه
ومثالبه، للتنبيه والحذر، والإرشاد لتوجهات إيجابية
مغايرة،
وبالتالي يؤدي الأدب دوره، لأنه كاشفٌ لجزيئاتٌ
قد تكون محلّ
غفلة لدي المجتمع أوالمسئولين، وتجاهلها قد يعوق حركة التغيير والتقدم الحقيقي.
___________
*الكاتب في
سطور:
_محمود أحمد
على.. كاتب قصة قصيرة
من مدينة فاقوس/محافظة الشرقية/مصر 🇪🇬
_عضو اتحاد
كُتّاب مصر
_تميّزت
كتاباته بالواقعية.
صدر له كثير
من المجموعات القصصية:
•رؤوس
تحترق •ذلك الصوت • سمع هُس
•إليكم
القاتل والمقتول • مَن يحمل الراية؟
•الحقيقة
المُرّة • شكل تاني • عضة كلب • رائحة القدس
• هنا غزة….
ومجموعات أخرى
فاز بعدة
جوائز، منها:
_جائزة الادب
العربي"مرّتين"
_جائزة نادي
القصة ودار الأدباء.
_جائزة ساقية
الصاوي٢٠٠٤٤م.
_مسابقة
القدس الادبية بالمملكة السعودية٢٠٠٩م
وجوائز أخرى كثيرة
حتّى انه لُقِّب ب"صائد الجوائز"
♕تناول كثيرٌ
من النقاد اعماله، منهم: محمد جبريل/حزين عمر/يسؤ حسان/ د. محمد عبد الحليم
غنيم/فؤاد حجاح/د. فتحي عبد الفتاح/يسري السيد/فتحي سلامة/عبد العال الحمامصي/صلاح
غراب وآخرون.