الأُخت في الأدب التمثيلي اليوني
العقيد بن دحو
قيل "لهزيود" الشاعر الملحمي الأغريقي صاحب الأنساب أو
"الثيوغونيا" ما الأخت ؟
قال : ما يبقى من عزائي بعد موتي....هناك حيث (هادس) إله الموتي ؛ وحيث
(هيديز) مملكة الاموات ، لا أخت و لا من قريب و لا من بعيد يذكر بنا.
و كما ورد في الأثر قال الحجاج لإمرأة اختاري من بين الثلاثة أيهم يقطع
رأسه ، أختاري بين زوجك او ابنك او اخاك ؟
اختارت المرأة أخاها ناجيا
قال الحجاج لماذا أخوك ؟
فقالت المرأة أما زوجي فموجود ، و اما ابني مولود ، اما أخي انقسم ظهري !
تعتبر التراجيديا الاغريقية ، المأساة الأكبر اشادة بدور الأخت ، و مدى دفاعها المستميت عن
أخيها ، الى درجة الإستشهاد و التضحية و تقديم جسدها قربانا "لهادس" ،
لا يؤوب منه مسافر ، في سبيل استرداد كرامة اسرة بكاملها أو من اجل اكرام أخيها
الميت بالدفن و تقديم طقوس و قرابين الموتي ، و جعل له قبرا يليق بعظمة ميت.
و لو أن جل شعراء الدراما و التراجيديا كسوفوكليس و اسخيلوس اتخذا من الاخت
رمزا و لوغوس للتحرر و التوعية و الإنطلاق ، من أجل تغيير سياسة ما ، او محاربة
فساد او افلاس اخلاقي ، ينعكس سلبيا على امن و استقرار الدولة.
ولو تتخذ من (إليكترا) امثولة سواء عند الشاعر الدرامي صوفوكل أو في ثلاثية
أسخيلوس أو تسمي " الأوريستة"(حاملة القرابين - أجاممنون - اوريست)
انتظرت اخاها " اوريست" زمنا طويلا ؛ عشرة سنينا بأكملها منذ أن اسلمته
الى تلك اليد الأمينة الأصيلة ، و اودعته الأمن و الأمان ليعود اليها قوي الشكيمة
شهما و أشما لا يشق له غبار ، قادر على الإنتقام من قتلة والده الذي هو والدها في
نفس الوقت.
إلكترا تريد الإنتقام ولو بعد زمن - ان الزمن لإله رحيم - من أمها التي هي
أولدته و أولدتها ، و كذا الإنتقام من عشيق امها اللذان دبرا مكيدة تحت جنح الظلام
و قتلا والدهما الملك ليحخلو لهما وجه المملكة و يستبدا بالحكم ، على اعتبار الحكم
عند الأغريق "كنزا" Le pouvoir
c'est un trésor
/ Power is a
teasure
وفعلا لما بلغ اخاها أشده عاد ليثأر لأبيه فقتل امه و عشيقها ، بينما بدت
إلكترا سادية تتلذذ بمقتل امها و غشيقها وعلى يد اخيها.
هنا اوريست ماهو الا السلاح الذي استخدمته الكترا في سبيل التطهير من
ذويها.
اوريست هو سيف في يدها. هناك حين تعلم أن الجميع ، القاتل و المقتول اسلما
الروح الى هادس اله الموتي ، يفضى الجو للقضاء و القدر ، و يأمر شرطي الأعماق (الضمير)
القبض على إلكترا ، أي تلقي القبض على نفسها ، و تسجن نفسها داخل غرفة انفرادية
بلا أبواب و لا نوافذ في وسط الظلام القاتم بلا اكل و لا شرب حتى الموت..
يدور الدولاب و تظهر إلكترا تلتقط انفاسها الاخيرة مع كلمتها الأخيرة و هي
تتحامل على نفسها ، تخرج متحشرجة اذ تقول : حاكمت نفسي بنفسي لما لم أجد من
يحاكمني... !
و ما اصعب و أشقى ، و اتعس مذنبا يطلب القصاص في حق نفسه و لا يجده ، و لما
لم يجده !
أكيد سينتهي به المآل الى غرفة مظلمة
، أين تطوقه القتامة من كل الإتجهات
ليله كنهاره ، سأم ، ملل ، كلل ،
احباط ، هيستيربا ، و اخيرا طوق النجاة هو نفسه الطوق الذي يطوق به عنفه ، بعد أن
يكون شده الى علو معلوم ، و تكفي حركة بسيطة ليفسح الموت معرفة طريقه اليه !
قتلت إلكترا نفسها بهذه الطريقة الكاميكازية الدرامية ، تاخذ معالجات
سيكولوجية ، فالعالم النفساني سيڤموند فريود جعل منها عقدة نفسية سماها "عقدة
أوديب" عند المرأة، اذا ما كانت عقدة أوديب عند الرجل هي نفسها (أوديب ملكا)
أو يسمى (أوديبوس ملكا).
غير أن هناك عقدة أخرى ، عقدتها الدراما التراجيديا لتكون أكثر مأساة من
إلكترا للشاعر الدرامي صوفوكل أو يسمى صوفوكليس ، انها "أونتجون" أو تسمى
"أونتجونا" و ما أدراك ما اوتتجون أو/ أونتجونا !
تعود قصة أونتجون للشاعر المعتدل سياسيا و لاهوتيا صوفوكليس. جعل من
أونتجونا رمزا متمردا ضد قوانين (كريون) عمها الملك. كما جعل من اخويها
"اثيوكليس" و "بولينيس وسيلة و ليست غاية". بينما الأخ الأول
ثوري ، وفي ، مخلص لوطنه ولذويه جيشا و شعبا. اما الأخ الثاني خائنا ، ألتقيا على
حين غرة وجها لوجه و جادا بنفسيهما بضربة سيف واحدة كانت القاسمة القاضية. لقد قتل
كل منهما الآخر ففي حين أمر الملك كريون بتكريم دفن الاول ، و يُبكى عليه و تجرى
عليه كافة أنواع طقوس الموتى ؛ في حين يمنع الثاني من الطقوس و القرابين ، بل يترك
بالعراء دون قبر ياويه كما يأوي الموتي جميعا ، يترك نهبا لوحش سباع الطير.
اذا كان عند (كريون) يكمن للفرق بين الأخوين ، بين الخيانة و الوفاء ، بين
القانون و الواجب ، بين العقل و العاطفة ، بين مصلحة الدولة و مصلحة الأشخاص.
عند اونتجون يتساوى الإخوة الأعداء فكما أبكت البكاء المر ، النحيب ، و
قدمت ضفائر شعرها قربانا على قبر أخيها الأول ، هي تحاول على طرفي نقيض و حتى ان
كانت ضد قوانين التي اقرتها المملكة. تحاول و تجتهد ليلا نهارا أن تجد قبرا تواري
فيه سوأة اخيها حتى ان هلكت دونه أو أن يقضي القضاء و القدر امرا كان مقضيا.
ترى اونتجون ان هذه القوانين التي تمنع أحد الموتى من الدفن و من الطقوس
جائرة ظالمة منا هضة للعدالة. انها أوامر شخصية صادرة عن بشر الخطأ فيه أصيل يمكن
التقليل منه لكن لا يمكن القضاء عليه. ليست
سننا ، تشريعات ، و مساطر نابعة عن إله أو نصف إله !
تبكي أونتجون الحرة الأصيلة سليلة (أوديبوس) علنا كما أبكتهما خفية.
وتجود أونتجون نفسها قربانا في سبيل اسعاد أخويها وتكريمهما بالدفن ،
الثاني كالأول !
يضعنا الشاعر الدرامي في مشهد ثلاثة أخوة موتى ، حين نعلم فيما بعد أن
كريون حاكم أونتجون حكما بوضعها بحفرة عميقة حتى الموت.
في الحقيقة موت اونتجون سيتبعها سلسلة من الأموات الآخرين لم ينج منها
كريون ذاته.
هكذا تتوالى الأحداث الفجيعة تباعا بما يحقق أهم وحدة في مسرد مبادئ ارسطو
، وحدتي "التكفير و التطهير". التكفير و التطهير (الكاتيرسيز) Catharsis من أدران انفعالات النفس.
كانت هذه الأخت في أهم ملامح الفكر الكلاسيكي ، حين تصير رمزا ولوغوسا
للتحرر ضد قوانين الجائرة ضد انسنة الإنسان و بناء الاوطان.
اكتب تعليقاً