المسرح الجامعي ما له و ما عليه
العقيد بن دحو
كان من الواجب تكفي كلمة "جامعة" ، حتى يميز المخيال الجمعي
للناس من بدو وحضر : تلك الصفوة ، النخبة المعلمة المتعلمة التي تميزت بميزات
ووصفت بصفات ناصية خاصة . مشاريع غد تقود
مخرجاتها الوطن و المواطن الى ما هو أحسن و أفضل يهز الخلق من ديباجته.
و لما كان المسرح هو مرآة تعكس واقع المجتمع ؛ كانت الجامعة بكل مكونات ،
بنياتها التحتية و الفوقية "غرامشية" حتى أعمق الأعماق ، عضوية ، يسقظ
عليها ما يسقط على المجتمع و بالتالي ما يسقط على المسرح.
غير أني لا أتصّور "شعبوية" الجامعة ؛ كأن يصبح الشارع هو من
يؤثر بالجامعة. من هنا كل تلك النظرات التي كنا نراها في الجامعة تسقط بدورها و
بداية تشكل نصبا آخر غير الك الأنثولة التي ضربت لنا مثلا سنينا طوال عزة و كرامة
و منزلة و ألقابا مستحقة.
لا أتخيّل مسرحا جامعيا دون لغة و أيّ لغة بالطبع لغة عربية أصيلة تثبت
العقل و تزيد في المروءة ، تعكس عظمة الشخصيات ، و عظمة الأثر (....) التي تجسده.
اللغة وعاء الفكر ، من حيث الأسلوب
هو المجتمع(بوفون) و هو الرجل ، و من حيث الطفل أبا للرجل و أبا للآنسان (سيڤموند
فريود).
و بالتالي أي خلل في اللغة هو خلل في التفكير مما ينعكس على الإبداع و كذا
على أي محاكمة محتملة..
يبدو النص المجسد او الممثل على خشبة المسرح الجامعي مهلهلا ضعيفا مهزوزا ،
كما يبدو الممثلون مملون فاقدي الحرية ، مُصّفدين بأغلال ما يحتويه الشارع من أمور
سفليّة و سقط المتاع....
كما يبدو الجمهور ظلالا ، رجع أصداء لا يعرف لماذا اقبل على هذا العرض !.
و كما جرت العادة بقول العامة :
"الشارع لا يربي... "!.
فالشارع لا يعلم و لا يمتع و لا يهز.
على مجرى تاريخ الإ ستدمار الفرنسي كان المستعمر يريد ان يظل الشارع
الجزائري فلكلورا يوفر الترف و الرفاه للرجل الآخر (....) !
لا أتصور حتى الساعة مسرحا جامعيا دون مدرسة او مذهبا فنيا كلاسيكيا.
فكل الأمم العظيمة تبدأ من الأساس ؛ من الجذور المتينة التي لا تهزها رياح
و لا يعارضها عارض.
مذهب كلاسيكي ، حيث شرف الكلمة و نبل المعنى و دفء الحياة.
مذهب كلاسيكي من خلاله يعرف الطالب الممثل الجامعي جدوى كلمة (أعرف نفسك)
المنقوشة على أحد أعمدة معبد (دلف) باليونان القديمة.
مذهب كلاسيكي يتعرف من خلاله لماذا يمثل ، و لماذا كانوا الاوائل لليونان و
الرومان يمثلون !؟.
لعبة عميقة الجذور ، يعيد من خلالها التوازن بين الإنسان و محيطه ، بينه و
بين جامعته ، بينه و بين مدينته ، بينه و بين دولته و مؤسساتها.
مذهب كلاسيكي من خلاله الجماعة المسرحية الجامعية تشكل بالتراكم و الإضافات
، قربى فكرية و مصلى ادبي خلاق ، من خلاله يسامت الطالب الجامعي الممثل الآلهة و
انصاف الآلهة و الأبطال.
ما الذي يريده المسرح من ااجامعة و الجامعة من المسرح !؟
كل ما هو أمامنا محاكاة للشارع لغة و (فكر) ان كانت لشوارعنا من افكار !.
صحيح هذه الشوارع لم تسقط علينا من أكوان و عوالم فضاءات غازية ، و انما ما
جنته أيدينا حين ترمتا لبغاث أشباه و انصاف المثقفين و المتعلمين يستنسرون فينا .
لا تقول لي لغة ثالثة و لغة رابعة.... يجب أن نتخطى هذا التبرير غير المبرر
، عجز القادرين على التمام.
لم و لن تقوم لنا قائمة في مسرح جامعي او غيرها مما يسمى من مصطلحات مسرحية
قديمة و حداثية و ما بعد الحداثة إن لم نعد الى الفصل في مشكلة اللغة ، و اذا كانت
الجامعة بكل حجم ثقل ترساناتها و معداتها الثقيلة و الخفيفة اللغوية اللوجستية
المادية المعنوية البشرية أن تجد حلا لهذا
الذي يسمونه الحوار المسرحي وقتئذ كل ما يعرض على خشبة المسرح الجامعي هرطقة و عبث
!
ان لم تعد الأسرة المسرحية جامعة ، معاهد ، مدارس ، مسارح جهوية ووطنية ،
جمعيات و تعاونيات الى الكلاسيكيات و بالضبط الى المذهب الكلاسيكي الأغريقي و منه
تكون الانطلاقة الى المذاهب الأخرى....تنظيرا و تطبيقا.
جميل صرنا نسمع مؤخرا عن مسرح جامعي ، لكن الأجمل أن يمثل الجامعة حقا بكل
تلك القداسة العلمية و الفكرية و الثقافية رغم الشطط اللغوي الأ أنها لاتزال محور
مركز ثقل لأي نماء حضاري مرتقب.
آمل أن يشق المسرح الجامعي سبيله الى الرقي و الازدهار الحضاري. كما أتخيله
ممتازا شجاعا فارسا يجسد على ركحه "أونتجونا" ، "إلكترا" ،
" أوديب ملكا" ، " هاملت".......الخ
ها التكوين الصّح و لا يصح الا الصحيح ، النصوص التي تعتمد على قوة الكلمة
الهادفة المبكية ، و ليست تلك الإيماءات الصامتة التي لا تنطوي عن اي غاية او هدف
انساني نبيل ، لا تكفيريا و لا تطهيريا و لا تفكيريا و لا تغييريا.
صحيح هو مسرح جامعي لا نطلب منه ان يوقف الحرب على قطاع غزة ؛ انما عبر
العودة الى الكلاسيكيات يمكن فضح جرائم المجرم !
صحيح لا نطالبه بالإحابة عن تلك اسئلة السواد الأعظم من الجزائريين و
المؤجل منها ، السياسية الإجتماعية الثقافية الإقتصادية ، لكنه بإمكانه أن يطرحها
في شكل قالب درامي محبب للناس له وقعه على الأنفس الشريفة الثواقة لقواعد الحضارة
الديمقراطية : العدل و الخرية و المساواة.
فرصة يتيحها المسرح الجامعي للناس اجمعين ما عجزت عن طرحه جميع السلط
التشريعية التنفيذية القضائية ، حين حقا يصير المسرح ابأ الفنون او الفن الرابع أو
حين يصير المسرح في حد ذاته سلطة لا يحتاج الى سلطة.
كل هذا يتم عندما يعود الى الجذور ، الى ينابيع الفكر الكلاسيكي من حيث
الزمن لإله رحيم
و من حيث صوت الشعب من صوت الإله
و من حيث الجريمة لا تفيد
و من حيث القانون لا يجب ان يكون مناهضا للعدالة
و من حيث في يوم واحد و في مكان واحد يتم فعل واحد لشخص واحد.
آمل أن يجد المسرح الجامعي رسالته الى قلب الجماهير مؤثرا و متأثرا ، مذهلا
هائلا ،و مدهشا ، شامخا ماردا يهز كأسه !.