أيام "أونتجون" Antigone المسرحية
العقيد بن دحو
كان الأولى و الأجدر أن تحتفل الجزائر بأونتجون عن أي دولة أخرى !
و على الرغم ما كانت من حساسيات و حروب دفينة طاحنة بين الدولتين : اليونان
حاضرة الأغريق و ايران حاضرة الفرس .
الأغريق حاضرة الملحمتين الشهيرتين
" الإليادة" و " الأوديسا" للشاعر الملحمي
"هوميروس" ، و كذا حاضرة ملحمة الفرس " الشاهنامة للشاعر الملحمي
" الفردوسي" .
و على الرغم من الحرب الضروس ، كر وفر بين الفرس و الاغريق ، حتى أن
الأغربق سمت الفرس بالبرابرة أي "البيسيستراس Picisstrasse.
إلا أن هذا لم يمنع من الحوار الحضاري و التثاقف بين العدويين التقليديين ،
فما فرقته السياسة و الحرب و الصراع على النفوذ الجغرافي و التاريخي أستطاع الأدب
و الفن و الفكر و الثقافة أن يجمعه.
و لعل الحادثة الأدبية سقوط "مليوس" المدينة الاغريقية على أيدي
الفرس شاهد على ذلك ، و كذا ضفر الاغارقة على الفرس في مواقع كثيرة كهجمات مرتدة.
كل هذا لم يمنع الإيرانيين في مجرى التاريخ رغم التشدد اللغوي و الديني
العرقي من أن يحتفلوا سنويا بأونتجون و لو أنها فتاة من محض خيال الكاتب الأغريقي
صوفوكل و الخيال الجمعي الأثيني أسطورة أكثر منها حقيقة ، ذاك ان النفس الأبية ،
الإنسانية الثواقة للعدل و الحرية و المساواة في مجرى الزمن واحدة ، و الحكمة ضالة
المؤمن أنى ما وجدها أهل بها.
الجزائر ترتبط تاريخيا عضويا غرامشيا بأونتجونا أو أونتجون الاولى و أكثر
من غيرها من دول جوض البحر الأبيض المتوسط احتفاءا بها.
تعود قصة أونتجون في الجزائر الى زمن الإستعمار الإستدمار الفرنسي سنة 1953
يوم مثلت المسرحية " اونتجون" أول مرة على خشبة المسرح الوطني الجزائري
المسمى حاليا " محي الدين باشطرزي" ، و لما شاهدت الجماهير العرض بقي
وفيا للاحداث الدرامية . و ما كادت تندلع الثورة الجزائرية الكبرى سنة 1954 ، و
أعيد تمثيل و تجسيد و تشخيص المسرحية ، تذكرت الجماهير الاحداث ، و ما كادت تسدل
الستارة حتى خرجت الجماهير غاضبة و مساندة و متعاضدة على تلقته الجزائر من ظلم
غاشم و منذ ان وطأت اقدام الفرنسيين شاطئ سيدي فريج بالجزائر العاصمة 1830.
خرجت الجماهير من المسرح 1954 و لم تلتحق ببيوتها تكفيرا و تطهيرا من ادران
انفعالات النفس ، انما بصفوف الثوار بالأودية و السهول و الجبال و الفيافي و
الصحاري و القفار تفكيرا وتغييرا ، الى أن نالت استقلالها 1962.
كان الاجدر بالثقافة الجزائرية أن تحتفل بهذه الثائرة اليونانية ، التي
جعلت ااجماهير تلتف حول قضيتها القومية الوطنية وتؤازرها
كان الاجدر ان يخصص لها أيام مسرحية و الجزائر تعيش غمار الإحتفاء بسبعينية
الثورة.
من حق الاجيال أن تتعرف على ابداع الثورة و من ألهمها فكريا و عسكريا.
الجزائر ليست مقطوعة من شجرة أو منفصلة على بقية شعوب دول العالم. لا بد
لها أن تسامت العالمية.
لابد أن تعود اونتجون الى المسارح من جديد ، أن تعود الى الكتاب المدرسي ،
ان تعطي معنى جديدا للثورة في البناء و التشييد و الذهاب قدما نحو الرقي و الخضارة
و الإزدهار.
كم نشعر بأننا في حاجة مجددا الى أونتجون لتشحذ فينا الهمم و روح الإنتماء.
الجزائر أولى الإحتفاء بأونتجون Antigone ، هذه
النورية النورانية الإغريقية التي تشبهنا في مواقف كثيرة رغم الإختلاف في العرق و
التاريخ و الييئة.
نستحق كأجيال ما بعد الثورة أن نعيش و نعايش هذه الافكار التي جعلتنا
احرارا. نعيشها محاكاة و افكارا و ابداعا و محاكمة. ننصب خيم ضمير و نحاكم كل جبار
مستبد غاز على العباد و البلاد. محاكم ضمير تزيح الشواش عن الإستعمار الحديث الذي
يريد أن يدخل من النوافذ و المواقع بعد ان سدت عليه أبواب الماضي و المضارع ،
المستقبل للشعوب ان عرفت كيف تقرأ التاريخ البديع الرائع.