الإمامُ مالِك بنُ أنَس (٢) [ الأئمةُ الأربعة ]
حامد حبيب
الإمامُ مالِك بنُ أنَس (٢) [ الأئمةُ الأربعة ]
الإمامُ مالِك بنُ أنَس (٢) [ الأئمةُ الأربعة ]
____( الإمامُ مالِك بنُ أنَس
)_____
_ ٩٣ : ١٧٩ه_
هو : مالكُ بنُ أنس بن مالك بن أبى عامر بنُ عمروبنُ غيمان بنُ خثيل ابنُ
عمرو بنُ الحارث
..من حُلفاء بنى تيِّم بن مُرّة.
وكان جدُّه الثانى(أبو عامر بن عمرو)من صحابة
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وشهد معه الغزوات كلها عدا بدر .
وكان جدُّه الاول(مالكُ بن أبى عامر) من كبارِ التابعين، وكُنيتُه أبو أنس،
وقد روى عن عُمَر وطلحة وعايشة وأبى هريرة، وكان أحدُ الأربعة
الذين حملوا عثمان(رضي الله عنه) إلى قبره وغسّلوه وكفّنوه،ورُوِىَ أن
عثمان أفواه إفريقية ففتحها،وكان مما يكتب المصاحف حين جمع عثمان المصاحف.
وُلِد (الإمامُ مالك) فى المدينة سنةَ ثلاثٍ وتسعين من الهجرة، فى عهد
الوليد بن عبد الملك الأموى ، وتوفّى فى عهد هارون الرشيد العباسى..فكان عصره شبيه
بعصر أبى حنيفة، حيث شهد جانباً من الدولة الأموية واخر من الدولة العباسية،
وماكان بينهما من صراع، وما طرأ على
المجتمع المسلم من ثقافات عربية وفارسية وهندية،
وشاهد حركة الخوارج ومافيها من عنف،والجدال
بين الشيعة وأهل السُّنَّة.
وكان فى أوّل أمره فقيراً ، واضطّره طلبُ العلم أن
يبيعَ سقف بيته،واستمر به الفقرُ زمناً،حتى كانت ابنتُه تبكى من الجوع،ثم
أقبلت عليه الدنيا فأيسر،
وكانت تأتيه الهدايا كثيرة وفيرة، واهداه (هارون
الرشيد ثلاثة آلاف درهم فاتّجر بها بوساطة شخص
يقتسم معه الربح ،لكنه لم يباشر التجارة بنفسه ،
وكان يلبس خاتماً مكتوباً عليه"حسبي الله ونعم الوكيل".
وقد اختار لمجلسه فى التدريس والإفتاء المكان
الذى كان يجلس فيه عمر بن الخطاب،وهو نفس المكان الذي كان يجلسُ فيه رسول
الله (صلى الله عليه وسلم).
وظلَّ يعقدُ درسَه في المسجد النبوي حتى مرض بسلس البول،فنقل الدرس
لمنزله،وكان يسكن فى دار (عبد الله بن مسعود) بالأُجرة،وكتم عن الناس عِلَّته إلاّ
في آخِر حياته ،حيث قال" لولا أنى فى آخر يوم ماأخبرتكم بسلس بولى،كرهتُ أن آتى
مسجد رسول الله بغير وضوء،وكرهتُ أن أذكرَدعِلَّتى فاشكو ربى ".
ومن تواضعه أنه كان يحذِّرُ من الاستسلام المطلق لرأيه ، ويقول:"إن
نظنُّ إلاّ ظناً ومانحن بمستيقنين"
ويقول:" إن لَأُفكّر في مسألةٍ منذ بضع عشرة سنة
مااتّفق لى فيها رأىٌ إلى الآن".
وقد جاءه رجلٌ من سفرٍ بعيد،وقال له جئتُك من مسيرة ستّة أشهر،حمَّلنى أهلُ
بلدى مسألة أسألك عنها،قال مالك: فسَل ،فسأله،فقال مالك : لاأُحسِن،فدُهش
الرجل،وقال لمالك: وأيُّ شئٍ أقوله
لاهل بلدى إذا رجعتُ إليهم؟ فأجابه: قل لهم : قال
لى مالك بنُ -نس : لاأُحسِن.
وكان يشترطُ في مُفسّر القرآن أن يكون عليماً بلُغة آلعرب ،
ويقول:"لاأُوتى برَجُلٍ يفسّر كتاب الله غير عالم بلا ة العرب إلّا جعلتُه
نكالاً".
ولم يكن الامام مالك لِيُلزِم أهلَ الأقطار الأخرى
بعملِ أهل المدينة ، وجعل الأمر للاختيار.
وكان يُنهى عن إسماع الخلفاء مدائحَ فيهم أثناء
عليهم ، ويحذّر الممدوحين أنفسهم من عاقبة ذلك،
ولقد كان عند الحاكم مرّة،ووجد أحد الحاضرين
يُثنى عليه فقال للحاكم :" إياك أن يغرّك هؤلاء بثنائهم عليك،فإنَّ
مَن أثنى عليك وقال فيك من الخير ماليس فيك،أوشك أن يقول فيك من الشرّ
ماليس فيك…."
وقد كان مالك صادعاً بكلمة الحق،جريئاً فى تبليغ
مايؤمن به..وقد تعرّض فى عهد (أبى جعفر المنصور) للضرب والتعذيب والإهانة،
ويقال في سبب ذلك أنَّ مالكاً كان يُحدِّث بالحديث النبوى الذى يقول:" ليس
على مُستكرِهٍ طلاق" وكان
المنصور لايريد التحديث بهذا الحديث،كيلا يتّخذه
أعداؤه مستنداً لتخلُّص الناس من بيعةِ المنصور ماداموا مُكرَهين عليها،
فنهي مالكاً عن التحديث بهذا الحديث فأبى، وكان إباؤه سبباً لإيذائه.
وثار الناس فى المدينة وهاجموا ، وبلغ بهم الغضب مبلغَه لانتهاك حرمة
الإمام مالك،وبلغ
الخبرُ مسمع المنصور فقلق منه، واعظمه إعظاماً
شديداً،وأصدر قراراً بعزل ابن عمّه (جعفر) من
ولاية المدينةِ،لأنه هو الذى سعى بالوشاية عن مالك، وأرسل للإمام مالك
يستقدمه واعتذر له.
ووضع مالك كتابه "الموطّا" ،وقد عرض (هارون
الرشيد) على مالك أن يعلّقَ كتابه"الموطأ" على الكعبة تنويهاً به
وجمعاً للناس عليه،فأبى مالك وقال: "ياامير المؤمنين،أما تعليق الموطأ في
الكعبة فإنّ أصحابَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اختلفوا فى الفروع ، وافترقوا
في البلدان،وكلٌّ عند
نفسه مُصيب" ليؤكد أن اختلافَ الفقهاءِ رحمة،حيث قال لهارون:"
ياامير المؤمنين،إنّ اختلاف العلماءِ رحمةٌ من الله على هذه الأمة،كلٌّ يتبعُ
ماصحَّ عنده،وكلٌّ على هدى،وكلٌّ بريد الله".
ومن كلماته :
_ لاينبغى العالمِ أن يتكلّمَ بالعلم عند من لايُطيقع،فإنّه ذُلٌّ وإهانة
للعلم.
_ينبغى للقاضي ألّا يترك مجالسةِ العلماء،وكلما
نزلت به نازلةٌ ردّها إليهم وشعورهم.
_لاخيرَ فيمَن يرى نفسَه فى حالٍ لايراه الناس لها أهلاً.
_مَن علِمَ أنّ قولَه من عمله قلّ كلامُه.
_ لايصلُح المرءُ حتى يترك مالايعنيه،ويشتغل
بما يعنيه ..
وقد تزوّج الامام مالك بأمَةٍ من الإماء،ولم يتزوج حُرّة،وكان يحب زوجته
ويعتزّ بها،وأنجب منها ثلاثة أبناء هم: محمد ،وحماد،ويحيى، وبنت تُسمّى فاطمة،كانت
تحفظ الموطأ،وكان أبوها إذا عقد مجلسه فى منزله،تجلس خلف الباب تسمع قراءةَ مَن
يقرأ على أبيها الموطَّأ،فإذا أخطأ القارئ دقّت فاطمة الباب،فيأمر مالك مَن يقرأ
بأن يعاود القراءة ويصحّح الخطأ.
والجدير بالذكر أن الإمامالك والإمام
الليث بن سعد كانا متعاصرَين.
*كانت وفاته(رضى الله عنه وأرضاه) في المدينة
سنة تسعٍ وسبعين ومئة، في الحادى عشر من رجب، ودُفن بالبقيع.
قال عنه الامام الشافعي:" مالك مُعلّمى وأستاذى،
ومنه تعلّمنا العلم ،وماأحدٌ آمَن علىَّ من مالك،
وجعلتُ مالكاً حُجّةً فيما بينى وبين الله تعالى"
رحم الله الامام مالك رحمة واسعة
______________
حامد حبيب_مصر