الإمامُ أبو حنيفة النُّعمان (١) [ الأئمةُ الأربعة ]
حامد حبيب
____( الإمامُ أبو حنيفة النُّعمان )___
_٨٠ : ١٥٠ ه
_
--------------
وُلِد (الإمامُ أبو حنيفة) فى "الكوفة" ، وقيل في
"الانبار" من أرضِ العراق سنة ثمانين للهجرة.
واسمُه : ا
لنُّعمانُ بنُ ثابت بنُ زوطى بن ماه .
وهو من أصل
فارسى، لانه قيل فى نسبِه أنّه :
( النُّعمانُ
بنُ ثابت بن النُّعمانُ بنُ المرزُبان ) ،
_ والمرزبان
: كلمة فارسية ، معناها :
الرئيسُ من
أبناءِ فارسِ
الاحرار .
_و زوطى :
اسمٌ أعجمى.
وفى أكثر من
مصدر : أنَّ أصلَه من "كابُل"
أو"تِرمِذ".
وقيلَ أنّه
أحدُ المقصودين بالحديث ِ النبوىِّ الشريف
الذى رواهُ
البُخارى ومُسلم :"لو كان
آلعلمُ مُعلَّقاً عند
الثُّرَيّا
لَتناولَه رجالٌ من أبناءِ فارس".
وكان أبوهُ
( ثابت ) قد وُلِدَ
علي الإسلام ، وكان تاجراً مُوسِراً حسَنَ الإسلام.
وكان( أبو
حنيفةَ ) فى بِدءِ حياتِه مُنصرفاً للاشتغالِ
بالتجارةِ
وحدها، ثم اشتغل معها بالعلم، وظلَّ يتاجرُ
طويلةَ
حياتِه ،وكان يتاجرُ فى الخزّ ، وهو
نوعٌ من
الثياب
المنسوج من الصوفِ أو الحرير الخالِص .
ولعلّه قد
أخذ الاتِّجارَ فيه عن أبيه. وكان أبو حنيفة
تاجراً ماهراً
وله دكانٌ معروفٌ فى الكوفة.
قضى( أبو
حنيفة َ) معظمَ حياتِه
في عهدِ الدولةِ
الأُمويّة ،
وجانباً من عهد الدولة ِ العباسية ، إذ
وُلِدَ
فى زمنِ
الخليفة الأموى (عبد الملك بن مروان) ,
وتُوفِّى فى
ولاية الخليفة العباسى الأوّل أبى جعفر
المنصور.
فالعصر الأُمويّ امتاز
بكثرةِ الاتّجاهاتِ الدُّنيوية والدينية ، والحركاتِ الفكرية
والسياسية، إلى جانبِ حدوثِ فِتَنٍ واضطرابات
، واضطهادٍ لآل
بيت
الرسول (صلّى
الله عليه وسلم).
وابتدأ العصرُ
العباسيّ باشتداد الصراع
بين العباسيين والعلويين، وظهرتِ النزعةُ
الاعجميةُ
كردِّ فِعل
على النزعةِ العربية ِ القومية التى سادت
في العهد
الأُموى،وكثُرت النِّحَل والمذاهب،واتّسعت
الحياة ُ
المادية والاجتماعية بعد
أن فتح اللهُ على العرب من
أقطار الدنيا وخيراتِ الحياة ، واتّسع إلي
جانب ذلك الاتّصالَ بالفلسفة اليونانيّة والفِكر
الفارسى
والهندى من خلال الترجمة. وفى ظلِّ هذا المناخ
ظهر فى الحياة ِ العلميّة والدينية
منهجان :
_أوّلهما :
منهجُ النَّقل ( مذهبُ أهلِ الحديث ) وهو
المنهجُ
الاتِّباعى ، المُتقيّد بنصوص القران والسُّنّة.
_وثانيهما
: منهجُ
العقل (مذهبُ أهلِ الرأى) الذى
يُضيف إلى
تقبُّل النَّصّ احترامَ
الفِكر ، واستنباط الحُكم،
والاجتهاد َ فى تفسير النَّصّ.
وقد عاش (أبو حنيفة) في قلب هذا العالم ، حين جاء
إلى بغداد عاصمة العباسيين ، والتى كانت
تموج بالعلمِ والعلماء والباحثين
والمُجادلين ، وكافّة التيارات المتعدّدة والمتضارِبة.
وفى العراق
كثُر أيضاً الموالىِ
والجوارى ، وشاع الغناءُ والسّماع،
فلم يكُن عجيباً أمام هذا كلِّه ، ومع
تلك
التغيُّرات الجديدة فى المجتمع
الاسلامى أن يغلبَ على أهلِ العراق
مذهبُ "أهل الرأي" ، وإن
نجدَ للرأي
لدى أبى حنيفة َ أثراً بالغاً.
واعتمد (أبو
حنيفة) في تكوينِ مذهبِه على :
_ القران
الكريم
_السُّنّة
النبويّة
_الإجماع
_القياس
_الاستحسان
فأفسح لنفسِه
المجالَ لكى يجتهد
ويستنبط ، لما استجدّ من أوضاع الحياة، دون خروج
على أصولِ
الدين
وقواعدَ الشريعة.
ومما جعل
لمذهبِ (أبى حنيفة َ)مكانةً عالياً ، أنّه كان
موصولَ
الاسبابِ بالحياةِ والمجتمع.
وكان ( أبو
حنيفةَ ) يرى أنَّ
الخلافة َ لاتُوَرَّث،
ولاتكون
وِصاية ، ولاتُفرَضُ على الناس ،
وانّما تتمُّ بالمُبايعة الحُرّة ،
ولذلك كان يقول
: " الخلافةُ تكونُ باجتماعِ
المؤمنين ومشورتِهم".
وكان يرى
أنَّ القاضى الذى يقبلُ رشوةً ، أو
يأكلُ
شيئاً من
الدنيا عن طريقِ
قضائه لايصلُح أبداً للقضاء ، ويجب أن يُبعَدَ
عنه ، ولذلك قال : " إذا ارتشى القاضي فهو معزول ، وإن لم يعزله الإمام".
كان من تقواه
، أنه ترك لحم الغنم ، لما فُقِدَت شاة
من الكوفة
إلى أن علم بموتها، لانه سأل عن
أكثر
ماتعيش ،فقيل
له: سبع سنين،فترك أكلها سبع سنين تورُّعاً منه ، لاحتمالِ أن تبقى هذه الشاة ،
فيُصادف أكل شئٍ منها ، وإن كان
الاثمُ منتفياً هنا ، للجهلِ بعَين الشي الحرام.
ولم يكن( أبو
حنيفة) لِيتعصَّبَ لفكرتِه، ولايُغالى فى
عِرفانِه
قدرَ نفسِه،فكان يقول:"قولُنا هذا راي ، وهو
أحسنُ
ماقدرنا عليه ، فمن جاءنا باحسن من قولِنا
فهو أولى بالصوابِ مِنّا".
وقال أحدهم :
ياابا حنيفة ، هذا الذى تفتي به هو الحقُّ الذى لاشكّ فيه" فأجاب:"والله
ِ لاأدرى.. لعلّه
الباطلُ الذى
لاشكّ فيه"
ومِن شواهد
ذكائه وحُسن استنباطه:
أنَّ امرأةً
معتوهةً تعرّضت لايذاءِ رجُلٍ فقالت له :
ياابنَ الزَّانيَين ،
وذهبوا بها إلى
قاضى الكوفة ( محمد بن عبد الرحمن
بن أبى ليلى ) ، فاعترفت
بالقذف ،
فأقام عليها حدَّين فى المسجد ، وبلغ ذلك
أبا حنيفة
فقال :
أخطأ فى
سبعةِ مواضع : بنى
الحُكمَ على إقرارِ المعتوهة ،وإقرارها هدَر ، وألزمَها الحدّ ، والمعتوهة
ليست من أهل العقوبة.
وأقام عليها
حدَّين ، ومَن قذف جماعةً لايُقامُ عليه
إلاّ حدّ
واحد.
وأقام حدَّين
معاّ ، ومَن اجتمع عليه حدّان لايوالِى بينهما، ولكن يضرب أحدهما ، ثم يُترَك
حتى يبرأ،
ثم يُقام
الآخَر.
وأقام الحدَّ
فى المسجد،وليس للإمام أن يقيمَ الحدَّ
فى المسجد.
وضربها
قائمةً ، وانما تُضرَبُ المرأةُ قاعدة.
وضربها
لابحضرةِ وليِّها ،وإنما يُقامُ الحدّ على المرأةِ بحضرَةِ وليِّها ، حتى إذا
انكشف شئٌ من
بدنِها
في اضطرابها ستر الوالى ذلك عليها .
ومن أقوالِه
:
_"إياك
والغضب فى مجلس العلم.
_"وابذل
طعامَك فإنّه ماساد بخيلٌ قطّ .."
_"أعلم
انكَ متى أسأت عشرةَ الناس صاروا لك
أعداء ، ولو كانوا
لك أمّهات وآباء ، وانّك متى
أحسنتَ
عشرةَ قومٍ ليسوا لك
بأقرباء صاروا
لك أمهات
وآباء".
تُوفِّى أبو
حنيفة سنة خمسين ومئة.
رضي الله عنه
وأرضاه
__________
حامد
حبيب_مصر