جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءالعقيد بن دحومسرح

"هُد" Hod و ثلاث نقرات على الدُف

"هُد" Hod و ثلاث نقرات على الدُف

العقيد بن دحو

العقيد بن دحو

كان طبيعيا على المسرح أن يواكب العصر و التغيير ، من خلال تلك الفكرة (البريختية) ؛ تلك الفكرة الني تُغير وجه المحيط بل العالم.

هذا التغيير  لم يمس الجانب المعنوي الفكري فحسب ، بل الهيكلي المادي.

فمن المسرح الكلاسيكي التقليدي المعهود ، الذي نقلت كراسي جمهورة على سفح جبل المنحدر ، الى آخر ما توصلت اليه عبقرية الفنون المكانية الهندسبة العلبة الإيطالية.

 و لأن المسرح كان أشد ارتباطا بالشعر ، و الشعر كان أشد ارتباطا بالزمن ، لذا جاءت وحدة العرض الزمكاني - انك لا تخطو بالنهر مرتين - في دورة شمس واحدة ، أي يوم و ليله , أي 36 ساعة.

و من ذا اليوم من الممثلين او التقنيين او الجمهور بإمكانه أن يظل طيلة هذه المدة يُمثل و يُبدع و الجمهور يتابع و يتمتع  دون أن يناله شيئ من الثعب و الأرق و الملل و الكلل..... و خاصة نحن نعيش عصر السرعة و عصر انفجار المعلومة ، عصر الصورة و نهاية التاريخ ، بل نهاية القيم ، بل نهاية الفنون (فوكوياما).

أو مًن ذا اليوم مِن الجيل المعاصر يعرف أو قد سمع كلمة "هُد" / Hod العالمية التي كانت تعني الإذن برفع الستارة أو هو صوت الستارة. اذ كل ماهو بالمسرح لم يخلق و لم يوجد عبثا . الا وله قيمته الفنية ، ينبعث عن دلالات ومعاني سامية راقية ، كل شيئ يوضع بالمسرح الا وله معاني روحية و طقس ديني سماوي مقدس . كون المسرح كلية قام على انقاض (أبولو) إله الشعر عند اليونان.

بل من ذا الذي  يسمع بتلك النقرات الثلاث التي كانت تنقر على الدُف عند بداية كل مسرحية.

أعلم أن الغالبية العظمى من الشباب المسرحي يقبل على فن المسرح دون خلفية أو مرجعية ثقافية حضارية ، تُعزز مكونه الشخصي على الخشبة.

ما أشقى ممثل مسرحيا ثقافته دون مستوى ثقافة الجمهور.

مثّله كمثل التلميذ الذي أفبل عن الدراسة  مستواه العلمي يفوق مستوى أستاذه !

تلك واحدة من الأزمات التي مست المسرح بكل أسف.

بل علة العلل أذا كان المخرج المعلم الأول لا يدري ما يفعل ، لا يخطط و لا يهندس لكل كلمة تُقال ، و لكل اشارة تُشار ، و لكل "شيئية" يُراد تواجدها على خشبة المسرح. كل هذا و تلك ستعجل بنهاية المسرح. إن كانت هذه النهاية تنبأ لها الكاتب الدرامي الشاعر الأغريقي (ارستوفانز) في ملهاة " الضفادع" مما قبل الميلاد. حين أخبرنا في فقرة من فقرات ملهاته هذه قائلا : " حين ذهب الإله (ديونيسيوس) الى العالم الآخر (هيديز) عالم الأموات ، ليسترد واحدا من الشعراء الثلاث ( يوريوبيدز - صوفوكليس - اسخيلوس) لم يكن قد بقي منهم أحدا ، ذاك أن المأساة اليونانية انتهت بموت السعراء الثلاث".

هكذا كان يتأسف النقاد و الفلاسفة الالمان و المفكرين و على رأسهم " ُجوته" ، "هيجل" ، " شليجل" ، "شوبنهور" و العديد العديد مما كانوا معجبين بمعجزة الدراما اليونانية الكلاسيكية التقليدية الأخلاقية التمفيرية التطهيرية (الكتارسيز) Catharsis ، التي لم تكن تنال حب الفلاسفة اليونانيين كأفلاطون و سقراط... ، غير أنها كانت تنال اعجابهم و تبعث على سرورهم ، وعلى رضاهم   من حين الى آخر ، كتلك المحاكاة التي جسدت سقوط مدية (مليوس) اليونانية أمام الفُرس التي كانت تسميهم الأغارقة (البسيستراس) Picisstrasse . السقوط المفجع الذي أبكى البشر و الحجر و الشجر. حتى قيل كان يسمع بكاء ونواح ونحيب الساكنة الى مسافات بعيدة. كما اضطرت الحكومة الإغريقية يومذاك لوقف العرض المسرحي و فرضت على الشعب الأثيني غرامة مالية قدرها 1000 دراخما، كما نوفي شاعرها فرينكوس الجميل الى ايطاليا.

ساعتها كان أفلاطون يكره المسرح ، غير أنه قال قولته الشهيرة الخالدة : " أنا مستعد أسافر ايطاليا كيما أتفرج و أُشاهد ميلوس حبيبتي" .

مما تقدم ما اريد قوله جودة و ابداع و ثقافة الجماعة المسرحية(المؤلف - الممثل - المخرج - الجمهور ) على خشبة المسرح  بمثابة الدفاع عن المسرح انقاد ما يمكن انقاذه من الموت ، و من هذه النهاية الماسوية التراجيدية الملهاتية الكوميدية في عز هذه النهايات التي تشهدها القيم و أوصلنا اليها هذا العالم الحديث و ما بعد الحديث.

خشيتنا مع هذا الكسل و الترهل الذي أصاب الجميع ؛ كأن نجد أضواء المسرح قد انطفأت ، و الستائر قد أُسدِلت ، و صالات الجمهور قد أفرغت عن آخر شهيد يحمل عبارة أنا السيد و السيادة لي. عن آخر كلمة قد يقولها ممثل نسي و أهمل دوره.

تماما كما انتهت كلمة " هُد" ، كما انتهت تلك النقرات الثلاث على الدف ، كما انتهى دور المُلقن من تلك الحفرة التي كانت تتواجد بالخشية.

اختفاء اشياء جميلة من المسرح هو تماما ذاك النذر الشؤم التي تنبأت به الإغريق نفسها مهد المعجزة الأغريقية الشاملة الأعم ،  التي شهدت و لادة بواكير المسرح و الميثولوجية اليونانية مما قبل الميلاد.

حاجة الدولة للمسرح كحاجة المسرح للدولة ، واجب الرعاية و الدعم ، و أن لا تدع لمن ليس لهم علم و لا فن و لا موهبة او من ليس لهم مرجعيات و خلفيات ثقافية أن تستنسر بأبي الفنون.

في الأخير : " ألا ترى أن المتحف لا يغدو ان يحول الصليب الى نحث " أو كما يقول (مالرو).



***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *