جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

كل الطرق تؤدي إلى لحظةٍ حية

ثلاث قراءات بقلم

الأديبة العراقية / د.جمانة الزبيدي

الأديبة المصرية /أ. أمل منشاوي

الأديب الجزائري / د. رفيق راشدي

إبحار في نص * لقاء حياة *

للأديب المصري /محمد البنا

.......................

النص

لقاء حياة

.............

مستندًا بكفه اليسرى على الحافة اليسرى للسلم الكهربائي، الصاعد من الطابق الأسفل لمحطة مترو الأنفاق،القريبة لداره، حين اصطدمت عيناه بعيني امرأة أربعينية، تستند بيدها اليسرى على الحافة اليسرى للسلم الهابط، لحظتها شعر كأنما مسًا سرى في جسده مقتحمًا حدقتيه، ومن ثم استقر في قلبه نبضة مرتعشة، ذلك القلب الذي أثقله صقيع شتاءٍ طويل!

لم يكن واهمًا حينما أحس أن الزمن توقف، وأن المكان تجمد تحت قدميه وقدميها، بينما الصاعدون والهابطون ماضون كلٌ في طريقه..نظرةٌ اغتالته في غفوة زمنية لم تلبث أن مضت هابطةً في تزامن طردي مع الدرجات الهابطة لأسفل، التفت خلفه، والتفتت خلفها، شمسان يشعان ألقا، تلاقيا في منتصف المسافة بينهما، والمسافة تتسع، مدى استيعاب الرؤية يضيق، والخيط الواصل بينهما يتمدد ويتمدد..قرب النهاية أفلت طرف الخيط من عينيه، واستدار مغادرًا المحطة، وأفلتت طرفه الآخر من عينيها، واستدارت يمينًا وجهتها رصيف المحطة، حيث كان في انتظارها من لوّح لها بيده مبتسما.

................

محمد البنا..التجمع الأول القاهرة ..الثالثة إلا ربع صباح ١١ يونيه ٢٠٢٢

........................

القراءة الأولى

لقاء مؤجل...أم تعارف فات أوانه؟

يعترينا بعض الأحايين حينما نمرّ بموقف ما،أو نلتقي -صدفة-بشخصٍ ما،بشعور غريب يعترينا،شعور بالألفة نحو هذا الشخص،وشعور كأننا قد مررنا بهذا الموقف سابقاً،وعند تفسير هذه الحالة يذهب العلماء لتفسيراتٍ شتى،فمنهم من يقول توارد الخواطر وأئتلاف لكيميائية تولد شعوراً قريباً من النفس بالألفة والأرتياح،ونحى آخرون للألتقاء بعالم الذر ،ذلك العالم الذي تتلاقى فيه الأرواح،فما أئتلف هناك أئتلف وما اختلف منها أختلف، وهذا تجسيد صوري بحِرَفية سردية أدخلنا فيها الأستاذ البنا في متاهة مشهدية لاتخلو من الرمز ولا تبتعد عن الإلماح،الحياة بشقيها مابين صاعد من أسفل لنازل من صعود ،ترميز لقوافل الحياة اللامتناهية في رحلتي قوس الصعود وقوس النزول، النظرات المتبادلة وتوقف الزمن لشخصين إلتقيا سابقاً وعرفا بعضهما ،وكان بينهما ربيع حولته الأيام لشتاء قارس ،تمركز بقلب أحدهما ونأى بقلب الأخرى، أربعينية العمر ،فترة زمنية مقصودة ،تتوائم والشتاء الذي أغتال خضرة الشعور وربيعه، لقاء ميتافيزيقي خارج حدود الطبيعة،تجمّد فيها كل شئ،بدءً من الوقت وانتهاءً بالمكان، حيث المحل خلو سوى من تقلبات الروح واعتلال القلب،نظرتان دافئتان،كسرا جدار الجليد المتكون من نَدَفٍ أربعيني، منتصف كل شئ،هو المنطقة الوسطى بين رحيل وإياب،بين مرحلتين زمنيتين،تناسبتا طردياً،وأختلفتا بالأتجاه،فمضى كلٌّ إلى ملعبهِ،هي لمستقر ينتظرها ملوحا بعد غياب،وهو إلى حيث طيف تقمص روحه.ليمهرها بعنوان يختزل فيه كل المعاني بعنوان (نكرة) خارج حدود التعريف(لقاء حياة) ليكون القصد أسم لتلك المرأة أو إيحاءً لذلك العالم الملكوتي.

قصة روحانية الفكرة،شعوريةالبناء،إستند  الأستاذ البنا على تأثيرها النفسي في تفعيل الحوار الصامت،وأبدع فيه،في نص محكم مستوفٍ لشروط القصة،ببنية متجرّدة من عناصرها، ليجعل من إجتماع النقيضين فكرة قصصية يبتدعها وتُنسب إليه.

جمانة الزبيدي...العراق في يونيه ٢٠٢٢

...................

القراءة الثانية

استوقفني العنوان كثيرا رغم ما يحمله النص من ضده، لقاء حياة بينما متن النص يحمل فراقا أبديا

المشهد صامت، هادئ، الحركة فيه بطيئة دليل على الخمول بعد حركة، رجل صاعد يستند بكفه اليسرى( قريبة من القلب) على الحافة اليسرى لسلم كهربائي، و امرأة هابطة تستند أيضا بكفها اليسرى( قريبة من القلب) على نفس الحافة، الاثنان التقيا في مكان فراق، محطة مترو لا يرتادها إلا مغادرون أو عائدون،  محطة المترو عادة تكون بالأسفل فالصاعد عائد بينما الهابط راحل و الرحلة غير معلومة.

لقاء عابر على سلم يتحرك بتأثير الكهرباء، لا دخل  لنا في سرعته ولا نستطيع إيقافه، نقف بينما تحركنا قوة خارجية، استسلام تام لقدر قد لا يرضينا ولكننا لا نملك تغييره.

(اصطدمت عيناه..) لقاء مفاجئ لم يكن مرتب له أحدث ارباكا في نفسه، فالاصطدام فعل قوي ينتج عنه انقلاب للمصطدمين اخبرنا الكاتب بعدها مباشرة بشكل هذا الانقلاب الذي حدث لدى الرجل  الذي تحول فيه صقيع شتاء قلبه الطويل إلى فصل آخر( لعله الربيع)  مفعم بالحيوية والنشاط نتيجة ذلك الارتعاش الذي مسه فدبت فيه الحركة بعد بيات شتوي طال، لكنه لم يخبرنا بالانقلاب الذي حدث للمرأة فظلت صورتها جامدة صامتة رغم ما قد أصابها من إرباك لكن ذلك لم يبد عليها ولم يذكره الكاتب، ولعل السبب في عدم وضوح حال المرأة يرجع للمجتمع الذي يغفر للرجل ما لا يغفره للمرأة، ولكن يتضح لنا انه قد أصابها ما أصابه من التفات كل منهما للأخر بعد عبور نقطة اللقاء.

ذكر الكاتب عمر المرأة ( أربعينية) ولم يذكر عمر الرجل لنفهم ضمنيا أنه  أكبر من ذلك، إذا فالاثنان في مرحلة عمرية متأخرة يقترب كل منهما من محطة الوصول النهائية فأين هي تلك الحياة التي تنتظرهما،  إذا فهي حياة شعورية محلها  القلب وهذه حياة أطول من حياة الأبدان، التقيا في منتصف المسافة بين نقطة الصعود والهبوط، إذا كانت لحظة وصول كل منهما إلى السلم متوافقة تماما، وضع قدمه على أول درجة  صاعدا في اللحظة ذاتها التي وضعت هي قدمها على أول درجة هابطة وهنا بدأت الحياة التي تكلم عنها أديبنا الكبير، حياة رغم قصرها لكنها هي الحياة الحقيقية، ( تلاقيا في منتصف المسافة بينهما، والمسافة تتسع، مدى استيعاب الرؤية يضيق، والخيط الواصل بينهما يتمدد ويتمدد...) يا ألله ما هذه الصورة التي تبكي القلب قبل العين، لقاء تتحد فيه الروح في لحظة تكون المسافة بينهما صفر ثم بغير إرادة منهما تتسع المسافة بينما يتمدد الخط الواصل بين القلوب في اللاوعي، يظل يتمدد حتى يصل إلى منطقة الوعي والوصول إلى واقع مغاير فيترك كل منهما طرف الخيط ليقع في المنطقة الوسطى بين الصعود والهبوط ويرقد للأبد.

نص شجي، مؤلم،  ينعي بين سطوره  حياة رغم قصرها لكنها باقية أكثر منه يخلد ذكراها في القلوب.

دام الألق أستاذنا ودام العطاء

تحياتي لقلمك الفذ وفكرك النضاح ومشاعرك المرهفة أستاذي Mohamed Elbanna

#أمل منشاوي ..مصر في يونيه ٢٠٢٢

.....................

القراءة الثالثة

الماندالا، أو ما يسمى بفن البهجة وتعني الدائرة أو القرص، هي مجموعة من الرموز استُعملت من قِبل الهندوسيين والبوذيين للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي،  أصبحت مصطلحا عاما لأي تخطيط، جدول أو نمط هندسي، الذي يقدم الكون عن طريق "الميتافيزيقيا" أو "الرموز".

إنها عبارة عن دائرة تتكرر فيها الدوائر والأشكال الهندسية المختلفة تؤدي في الاخير إلى سلام داخلي وتركيز نفسي والشعور بمعنى للحياة وكل ذلك يصل لاقتناص النفس للحظة بهجة وسرور.

ربما مادعاني للحديث عن الماندالا هو رؤيتي لمشهد القصة من أعلى وكأن الأديب وقد اختار في سلم الصاعدين والهابطين أن يضع عدسته المكبرة على شخصين متناظرين في كل شيء، رسمهما في حالتهما الساكنة، توقف الزمن لحظة ورسم رسمة الماندالا ثم جعلتها تتحرك فنفخ فيها روحا  في شخصين وكانهما كوكبين اصطدما ليضخ أحدهما الطاقة للآخر، الآخر الذي ظل طويلا بعيدا عن الشمس، اصطدام أدى لإضاءة العدسة المكبرة التي جعلنا ترى النص من خلالها، ثم ابتعد المتلاقيان فواصل الكاتب رسم دوائره المتباعدة لكنها كانت أقل طاقة، الرؤية من خلال العدسات المكبرة باهتة، الكوكبان يبتعدان، وخيط الطاقة الذي ربط بينهما يتضاءل وكأنه لقاء دلوين في منتصف البئر تقطع الحبل بينهما، ذهبت هي لمجرة أخرى، وعاد هو لمجرته قد لايسعفه العمر للقاء آخر لأن قانون الكواكب أين الزمن بالسنوات الضوئية لا يعترف بالصدف وكل حدث لايقع إلا مرة واحدة. نجح الكاتب المبدع في ممارسة طقوس ماندالا على طريقته، فأشاع البهجة في لحظة حياة.

د. رفيق راشدي..الجزائر في يونيه ٢٠٢٢


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *