أحمد فاروق بيضون
قراءة انطباعية في القصة الفائزة للرائعة أمل الشناوي:
براعة في وصف الشرخ في أطر العلاقة بين الزوج والزوجة؛ أو بالأحرى بين
الرجل والمرأة، تناولت القاصة الصراع الأسري الأزلي من خلال نموذج محاكاة الزوجة
المتسلطة من منظورها في مقابل ضعف الزوج وقهره ويمكن أن نسميه
Reciprocity Of roles in
modeling Athoritative Feminie VS subjugated spouse
تلك المرأة والأم كانت تتلذذ بفرض رأيها الذي ترتأيه مناسباً على زوجها
الخَنوع، كان ينصاع لرؤاها بلا جدل أو تعنت وكان صموتاً يضمر غضبته المكبوتة بلا
أن يسرج لجامها حتى ينجو من سياط و خشية جَمّ قيظها وأوُج ثائرتها، كانت الأداة
التي استخدمتها ببراعة منذ الاستهلال بالعنونة هي (رابطة عنُق) في إشارة منها
بأنها مجرد رابطة لتزين بزته فقط حتى يصبح هندامه لائقا بابن خالتها —الذي كان قاب
قوسين أو أدنى من أعتاب الوزارة، كان لزاماً عليه أن يتجرع مرارة الموافقة على
طلبها مراراً وتكرارا؛ كان السبب في ذلك كما أشارت القاصة لتدعم حبكتها - بأن أسرة
الزوجة من أصول الملكيّة التركية - في دلالة على الصراع الطبقي أو ما يعرف Social decorum stereotyping ؛ وبإلقاء الضوء على تلك الخلفية العائلية، تخترق أذهانا عهود من
الاسترقاق والاستعباد أو حتى في مضاهاة المرأة للرجل في عدة أوجه من مسؤوليات
ومساواة بل تعملقت نجاحاتها في الحياة عامة وتعاظمت أدوارها في محيطها الأسري
بتزوجها من شخص تراه أقل منها؛ هذه النظره من الدونية تكشف عواراً لذاك النموذج
الذي يبني نموذجا مشوها من الأبناء على آثرة أبيهم، حيث يصبحن في نموذج) ابن أمه( Mom'sboy)
—هذا الأمر الذي رفضه ابنها الذي ظل أربعين عاماً كلما يغضبها أصبح في
نظرها نسخة من أبيه الذي تبكي حظها التعس كونه زوجها، خلق هذا الازدراء ابناً
محطما يعاني من الازدواجية Split psyche في نموذج الوعي بالأنا واللاوعي بمن يحاوره
في مرآة أفكاره وإرهاصاتها، كل نساء العالم هي أمه السليطة ذات الحسب والنسب قاهرة
الرجال وأباه بالأخصّ، حتى أنه بات يكره ضعفه وهوانه ولكنها أمه التي ستدخله جنات
الخلود ووجب عليه طاعتها؛ كأنما تريدنا القاصة أن نرى ذاك الصراع الداخلي في
الشخوص والصراع بين 'الأنا' و'الهُوَ' كما جاء في مدارس التحليل النفسي لسيجموند
فرويد، تأخذنا في نهاية الأحداث المؤسفة التي انتهت نهاية درامية (يقتل الولد
أنَّه انتقاماً)؛ أيا ترى هل كانت (رابطة العنق) هي نقطة ضعفه والفتيل الذي أشعل
جذوة الثأر لأبيه بعدما أصبح شاباِ عَتيا وحينذا كانت مهيضة الجناح ليست كسابق
عهدها؟ أم تُراه انتقامٌ ليتنفس الصّعداء مع أبيه في عالمٍ يخلو من تلك الأم؟ كل
الخيارات في نظره سواء... ولن ينتهِ الصراع بل أنه أدمن الجريمة..
أهنئك أديبتنا السامقة التي امتازت قصتها بحبكة ماتعة و(شخصنة الحوار) التي
أطلقه عليه (في ضوء فاعلية الحوار في إظهار جوانب دفينة وأبعاد سيكوسوسيولوجيه في الشخصيات)،
سلاسة الأسلوب ووضوح المتن والتيمة وراء الحكاية.. إضافةً لإتقان علامات الترقيم،
أحسنتم.. أطيب الأمنيات للمضي قدماً.
أخيَّتي.. معكم الاستاذ الكاتب / أحمد فاروق بيضون - مصر
*************************************
النص لصاحبته أمل المنشاوي Amola
Elmenshawy
رابطة عنق
سأحكي لك كل شيء...اليوم عيد زواجنا الخامس عشر، اختارت زوجتي رابطة العنق
هذه لأنها تليق على البدلة الرمادية، أما أنا فاخترت تلك الحمراء، بلون الدم.
تتهمني زوجتي دائما بقلة الخبرة والذوق في اختيار الألوان والملابس ، بل ..
في اختيار أي شيء، كانت تتهمني وحسب.
تقوم هي بالأمور التافهة وتؤديها على أكمل وجه، تركت لي المهام الصعبة
وتحملت هي عبء شراء الملابس والتموين ومتابعة الأولاد في البيت وفي المدارس وفي النادي، ودفع الايجار والكهرباء
والغاز، ودعوة السباك و النجار والنقّاش والحداد إذا لزم الأمر، كل تلك الأمور التافهة
كانت تؤديها هي دون تدخل مني، أما أنا فكنت اقوم بالمهام الصعبة... الصعبة جدا.
وقفت مستسلما وهي تعدل رابطة عنقي وولدي الصغير يراقبنا وعلى وجهه ابتسامة
متوجسة
_ لا تتكلم في أمورك التافهة التي تصدّعنا بها، مالنا نحن بحقوق العمال
وحرية الرأي في الصحافة!
قالت بعصبية وهي تحكم عقد أزرار قميصي، أومأت مستسلما فقالت بنبرة محذرة:
_ابن خالتي مرشح لمنصب وزاري، لا تكن سببا في استبعاده
ابتسمت لصغيري المرتاب فقالت بإصرار
_ فاهم
_ فاهم ... قلت مطمئنا لها ثم فتحت ذراعي لصغيري لينام بين احضاني، اعترضت طريقه
وسحبته إلى حجرته لتلبسه حلته الجديدة، أتأملني في المرآة، قلت بحنق
_ أحمله بداخلي،،، يقف مستسلما كعادته كل صباح وهي تعدل رابطة عنقه قبل
خروجه للعمل، وأنا في ركن الغرفة أرتب ألعابي، تمطره بوابل من التأنيب اللاذع على
إهماله في مظهره، وما يسببه لها من إحراج أمام أهلها ذوي الأصول الملكية التركية،
يصفق الباب خلفه بعصبية فتلقي بجسدها النحيل على أقرب مقعد وتظل تنتحب تنعي حظها
العسر، أقترب منها و الحزن يعتصرني فأمسح دموعها، تضمني وتقول بصوت باك مرتعش
" لا تكن مثل أبيك"
لم أكن يوما مثل أبي، عشت أربعين عاما أفعل ما تأمرني به وأرفض ما يفعله
هو.
كانت كلما غضبت مني تصفني بأنني صورة منه، يقف حائرا لا يدري ماذا يفعل،
يصفني بالحماقة والضعف، أكرهه وأعجز عن إرضائها.
_ لا أحب رابطة العنق .... مثله
_هل لذلك قتلتها؟
انتبه كأنما كان في هوة سحيقة ورد ببلاهة :
_ من ؟... أمي؟!