لا أفهم ما يسمى "مسرح الشارع"
العقيد بن دحو
وكأن هذا ماكان ينقص العمياء غير الكحل كما ورد في الأثر الشعبي - مع حفظ
الأحترام و التقدير لذوي الهمم - و معظم قادة العالم ابان الحرب و السلم ، في
مختلف الأجناس الادبية و الفننية ومختلف المعارف العلوم ؛ كانوا عميانا ، غير انهم
كانوا متبصرين رائيين ، لهم القدرة على تبصر ما حولهم و كذا استشراف المستقبل
ورؤية ما لا يراه المبصرين.
اذ كان الشاعر الملحمي
الأورستقراطي هوميروس أعمى ، وأوديب ملكا أعمى ، الكاهن الأعظم تريسيايس أعمى ،
وعميد الأدب العربي الوزير د.طه حسين أعمى.
هؤلاء و غيرهم كثير من طوروا من حواسهم و صارت نقمة فقد البصر الى نعمة و
تفوق و سلطة.
و هذا (اودبب) بعد أن سمل عيناه و صار كفيفا تقودانه ابنتيه في متاهات
كولونا و حيدا حسيرا اعمى ، اونتجونا و أسمينا ، يقول للكاهن الاعظم :
"يا تريسياس كنت تحسدني على ضوئي فأردت أن تجرني الى ظلمتك ، منذ
اليوم لن تسطيع أن تستطيل علي بما يمنحك العمى من تفوق ".
فمن الأعمى وقتئذ !؟
الأعمى من يريد ان يقوم بتدوين ، بتحيين فكر رمي المسرح للشارع ليلتقطه
الشعب !
و كأن هذا ما كان ينقصنا لنزيد للوضع المسرحي القائم و الثقافي و الفني
الهش هشاشة و اكثر تأزما.
و بما أن المسرح توعية و تعبئة و سلاح كما يقول (يوجين يونسكو) ، لماذا لم
تخرج هيئات اخرى من المجتمع بدورها الى الشارع مادام الشارع عندنا صار يعلم و يربي
، و مادام المسرح مراة لواقع المجتمع ، و لا يممن فصل الظاهرة الفنية عن الظاهرة
الاجتماعية ! . لماذا لا تخرج المدرسة عندئذ الى الشارع ؟ لماذا لا يخرج المسجد
الى الشارع ، و لماذا لا تخرج الثكنة العسكرية الى الشارع ؟ و لماذا لا يخرج مطبخ
المرأة الى الشارع...!؟
ما هذا الذي صرنا نعيشه نسمعه و نشاهده ؟!
واااااالسينما !!!!! واااا المسرح !!!!!
لو ان الشارع حقا كما وصفوه جنة مسرح الواعد الموعود ، ما كان لنا هذا الكم
الهائل من التسرب المدرسي ، من المتشردين ، من المرضى المجانين ، من الحمقى
المعتوهين ، من اطفال الشوارع ، وما تسمعه شبه يومي من ألفاظ نابية بديئة تخجل الولدان !.
ما هذه الهرطقة و الضحك على لحى المشايخ ، مسرح الشارع !؟
صحيح الشارع جزء لا يتجزأ من المدينة . المدينة عند أمهات الحضارات
الانسانية الكبرى في مجرى التاريخ مقدسة ، سمتها الأغريق و الأغارقة (بوليس) Polis : بمعنى
أحسن معلم . فليعلمونا هؤلاء (الكبار).... عرابين مسرح الشارع الجدد ما الذي علمه
هذا المسرح الشارعي ؟.
و هل عندنا أصلا مدينة بالمواصفات العالمية او حتى الاغريقية !؟
بل هل عندنا مجتمعا مدنيا لأي
مدينة من المدن الجزائرية !؟
عودوا الى وعيكم ان كان لكم وعيا ، و عودوا الى مسارحكم ، و انظروا حولكم و
بالعالم نجاح الامم داخل هياكلها و مبانيها كفن زماني و مكاني عمراني ايضا. خشيتنا ان البيت المهجور يصبح اطلالا او يصير
متحفا.
"ان المتحف يجعل الصليب يغدو ان يكون نحثا" (مالرو).
نتساءل فرضا ان غضينا الطرف عما يحدث او صرنا جميعا عميانا ، ما جدوى هذه
المسارح الوطنية و الجهوية و ما مصيرها اذا كانوا انصار الشارع يستنصرونه ، و
يستنجدونه ، و يملكونه على انفسهم ، فمن أين تأتي القدوة و النموذج المفقودتين حتى
الساعة !؟.
منذ الحضارة المسرحية الأولى الاغريقية و الرومانية لم ندرس و لم نجد اثرا
لما يسمى بمسرح الشارع ، عدا ذاك التقليد الأعمى الفرنسي ، التي يروق لها و يليق
بها ،و يوجد من يقلدها تقليدا أعمى بالضفة الأخرى من المدوخين المخدرين على طاولة
الجن و الملائكة !
فرنسا تحاول عبر بروبجندتها الاعلامية الاعلانية الثقافية الرهيبة و
المسلطة على بلدنا تظهر لنا القشور في حين
هي تحتفظ باللباب.
ان كان على مضض قبولنا لما يسمى مسرح الشارع ، أكيد ذاك ناجم عن أزمة داخل
الهيكل العمراني للمسرح بصفة عامة و على الركح بصفة خاصة.
أزمة شاملة ، ثقافية فنية تقتية اقتصادية تجارية أدبية نقدية و على مستوى
الجمهور.
فالبحث يكون قي اصل و جوهر الداء ، من أصغر خلية الى أخر عضو من أعضاء
المسرح.
اجتماع وطني طارئ يجمع مختلف الحساسيات المسرحية ادارة و ممثلين و كتاب و
مهتمين لمناقشة ما الذي يحدث !
لم يكن هذا يسمع ابان حياة المرحوم عبد القادر علولة ، و لا عهد عبد الرحمان ولد كاكي ، و لا في عهد عز
الدين مجوبي ... !
ولكن لما سابت صار من هب ودب يملي علينا رغباته الطفولية ، و عقده
السيكولوجية النرجسية السادية المرضية.
يجب تحديد المسؤوليات و نسمي الاسماء بمسمياتها فالشارع للشارع و المسرح للمسرح
و الفن للفن و الثقافة الحقة للثقافة.
ما لله لله و ما لقيصر لقيصر.
ارفعوا المستوى يا رجال و الا أذهبوا
انتم و شارعكم ققاتلا ، انا هنا لكم بالمرصاد لواقفون.
لن نسكت على مرافقنا التي ضحت من اجله الرجال بالغالي و النفيس لتترك هكذا
لالهة التنظير الحديث ، يريد ان يبعث لنا المسرح بأثر رجعي أو وفق تغذية راجعة من
الشارع.
لكن هذا يعبر عن هروب من حل المشكلات ا. البحث الحقيقي عن أصل المرض الذي
تعاني منه جل مرافقنا و هياكلنا الثقافية الفنية المادية المالية المعنوية
البشرية.
ان تواجه الاشكال داخل عقر الدار خير من تحويل الألم الثقافي الى جهات أخرى
، الى الشارع ، و الشارع بدوره في غنى عما يحاول أن يضاف على عاتقه.
لا بد من تحديد و تحمل المسؤوليات .
و مجابهة الحقائق بشجاعة و تأتي و العودة الى الكلاسيكيات كمدخلات من جديد
لأنقاذ ما يمكن انقاذه.