خمسمائة رواية في السنة
العقيد بن دحو
خمسمائة رواية في السنة بالجزائر ؛ تطبع و تنشر و توزع ' و البيع في امر
المغيب ان لم يكن في امر المجهول !.
عدد هائل في الجنس الواحد ' بالنظر
الى قلة فئة الانتلجنسيا ' المثقفة الطبيعية حسب المنظرين لسوسيولوجية الادب من بن
خادون الى دور كايم الى روبيرا اسكاربيب.
خمسمائة من جنس الرواية تطبع في الجزائر بغثها و سمينها ' بقضها و قضيضها '
بل دعنا نكون اكثر جراة ' من هب و دب صار يطمح ان يلقب بلقب الروائي !. ' سابت و
صارت مطمع لكل فاشل في حقل الادب و الفن و الثقافة و الفكر ولم بتشر يوما في حريدة
او صحافة او لي ةسيلة اعلانية اخرى ' فجاة من السماء صب علينا صب اديب.
غابت تلك النخوة و الشهامة و الكبرياء و الغيرة الادبية التي منا نشهدها
عند الرعيل الاول. ' و هكذا.... وصلنا ادبيا الى ما وصلنا اليه ' و لا من يحرك
ساكنا و كان الامر طبيعي جدا !
خمسمائة رواية - اعيت من يحصيها و يعدها- على اي مقياس ديكارتي جبري ام
هندسي ' بمعدل 41 رواية في الشهر ' و بمعدل 1'6 رواية في اليوم.
تبدو الظاهرة (الحالة) مبعثا للفرح و السرور و السعادة و الازدهار الحضاري
الفني و الادبي الثقافي ' ووصلنا اخيرا
الى ما وصلت اليه الدول المتقدمة .' اين الادب اجمالا صار سلطة Mana ؛ نسبة الى
(الماناليزم) Manaleisme ' اي الايمان بالقدرة و الطاقة في الشيئ
(....) !..
وكان الاديب عندنا صار رجل ادب على غرار رجل الدولة او رجل الاقتصاد او رجل
المال و الاعمال او رجل السياسة ' و صار مهاب الجانب ' يملك صوتا في العلبة
السياسية الضيقة و الموسعة !
رقم هائل ينم عن ازمة ثقافية اخلاقية في ظل غياب احصاء ادبي شامل حكومي او
مستقل على غرار ما يعرف بباقي الدول التي تقوم باحصاء شامل دوري للانتاج الادبي
الفني الفكري ' على غرار ذاك الاحصاء الشامل للسكان التي تقوم به الدولة لساكنتها
دوريا. اذ لا يمكن فصل الظاهرة الادبية عن الظاهرة الاجتماعية.
تكفي دراسة بسيطة لهرم اعمار الادباء ' او دراسة ما يسمى بعلم سوسيولوجية
الادب " الجرس المقلوب" لتكتشف حجم الفارق الفادح الفاضح نشر الرواية
عندنا على حساب بقية الاجناس الادبية الاخرى : الشعر ' القصة القصيرة ' القصة '
الملحمة ' المسرخية ' و كذا السيناريو المسموع و المرئي.
هل يهم الدولة هذا الفارق !؟
نعم يهم الدولة جميع ما ينتج في الجزائر سواء كان ماديا او معنويا ' لا
سيما على صعيد مخرجات القيم '، تماما كما يهمها الاحصاء الشامل للسكن و السكان '
حتى يكون في مقدورها ان تضع و تصنع و تهندس مناهج و برامج مخططات مشاريعها
التنموية على المديين القريب و البعيد ' و كذا امكانية القدرة على الاستشراف بناءا
على مدخلات معلومات ما حصل و ما هو موجود بالمجتمع.
المجتمع الحي ؛ متحرك و ليس تابثا Constant ' لهذا
ينبغي دراسته من فترة الى اخرى على جميع المحاور الافقية و العمودية الثقافية
السياسية الاجتماعية الاقتصادية ' و كذا على مختلف السلالم و الاهرامات و تقطيعات
مثلثات الدوائر العلمية العالمية.
الحجم الهائل التي تشهده طبع
الرواية عندنا في الجزائر صار مبعثا للقلق
، الجميع معني بهذا (الطارئ) . لا احد يتهرب من مسؤوليته جراء هذا الهدر و النزيف بالخبر و الدم (دم شاعر) بودلير !.
هذا من جهة ' و من جهة اخرى اذا كانت الكتابة عموما ؛ منذ عهد الاغريق الى
يومنا تدل على الخسارة اكثر منها على الكسب. نتساءل بدورنا : ما حجم الخسارة التي
خسرها (الادباء) ليكتبوا هذا الحجم - الكم دون الكيف- الهائل من جنس الرواية.
وقديما قيل يكتب الشاعر شعرا ان خسر حبيبا ' و يكتب الروائي رواية ان خسر
وطنا !
اذن نحن امام خللا ما ، على الصعيد الثقافي ' عندما ترجح كفة ميزان الرواية
' و تصير و كانها المخلص ' الشفيع ' الوريث ' الحارس و الحريص الذي ينقذنا مما نحن
فيه من ازمة ثقافية فكرية فنية ادبية' حتى اضحى من فشل ان يكون عنصرا مؤثرا
بالمجتمع يكتب رواية. حتى ان قام توزبعها شخصيا ومنحها مجانا على من يهمه الامر و
من لا صلة له بتاتا بالادب و لا و بدواليب
الفن لا زمانيا و لا مكانيا.
و مما زاد الوضع قتامة عدم وجود قارئ محتمل في عصر القارئ.
قد يقول قائل ما الذي يضير دعهم ينشرون و في كل واد و ناد يهيمون الزمن
كفيل بغربلة الاصيل من الدخيل ، و يسقط من يسقط و يبقى من يبقى و ان الزمن لاله
رحيم كما قالت الاغريق..قد يكون هذا جائزا على مستوى الشخصي '، اما عندما يمس
بالحلم الجمعي الدولة و المجتمع فالوضع يتطلب تدخلا مستعجلا و تقديم معالجات شتى
اكلينيكية و غيرها ، مادامت القيم ايضا تمرض و تتعافى.....
صحيح ربما يوجد (مشتري) ' لكن ليس الذي يشتري كالذي يقرا. القراءة فن و عمل
، تشارك في فعالياتها عدة دوائر . عمل رابع ' تشترك فيه عدة عناصر و صفات و خصائص
علمية ثقافية ' بينما المشتري تتحكم فيه اغراضا اخرى سيكولوجية اقتصادية و اشياء
اخرى.
خشيتنا ان تنقرض عندنا بقية اجناس ' عوائل ' قبائل ' عشائر الادبية الفنية
الاخرى ' مادامت الكلمات تتصف بهذه الصفات ، و لا تبقى الا الرواية..الرواية
تاريخيا ابنة البرجوازية ، ثري رجل الحرب القرن 19. الفئة الاورستقراطية تمتلك
مصارف للتاربخ و الوضع الاجتماعي العام. و
ليس في مجتمع عند خط الفقر ' ان لم يكن قد صار تحت مستوى خط الفقر ' اذ لا يمكن
استثناء او اقصاء اللعبة الثقافية الاقتصادية عن اللعبة الاجتماعية السوسيولوجية.
حبن يذوب الاستغلال الاقتصادي في الاستغلال الفني الادبي (مالرو).