الأدب ورمضان
العقيد بن دحو
يقول عميد الأدب العربي د.طه حسين عن الصيف و أدب الصيف ما يلي : الصيف فصل
الكلل و الملل ، الناس تميل فيه الى الرفاه و الترفيه عن النفس ، و البحث عما يريح
الالباب و ينعش الخواطر ، بل الصيف و أدابه إن كان للصيف من أداب و فنون و فكر!
كم تشبه هذه الكلمة منا نعيشه اليوم من كلل و ملل رمضائي عوضا عن جد و كد و
نشاط رمضاني !
تشابه مع الفارق ، و من النقيض الى النقيض اقوالنا تعاكس أفعالنا فمتى
نستيقظ (...)!؟
خشيتنا و نحن في هذا الشهر الفضيل رمضان ، رمضان العبادات و الورع و التقرب
من رب العباد و البلاد. و انت تمر على المرفق العام الثقافي و الفني الأدبي ، تشعر
بأن كل مرفق صار منبرا دينيا ؛ أو شبيها بالدين
فالخطاب الطارئ اللغوي و الأسلوبي المنتفخ المنفوش أنتقل فجأة الى هذه
المنابر الخاصة التي كانت مقتصرة على فئة بطبيعة سوسيولوجيتها الأدبية ، الدائرة
المثقفة الإنتلجنسيا الضيقة الى هكذا خطاب و لغة و أسلوب !
يُشعرك بأن كل الوزارات صارت وزارة واحدة ، ووزارة الثقافةوالفنون أصبحت
وزارة الشؤون الدينية..منابر خاوية على عروشها أرادوا لها أن تكون (رمضاء) بكل ما
تعني الكلمة من معنى لغوي و اصطلاحي و فيلولوجي ، و من معنى ، إلاً شدة الجوع و
العطش.
رمضاء فعلا ، و أنت تمر على هذه الديار الذي صيًرها رمضاء و لا أقول رمضان
الى جوع و عطش ثقافي ادبي فني ، اللهم من لغة الخشب و لغة الدراويش ، تعيد تكرار
المكرر و تجريب المجرب ؛ آذ صار الصوت أهم من الفكرة و من الكلمة و من الإبداع
ذاته !. التقليد (الببغاوي) الأعمى لمشايخ دُعاة الخليج ، و التقليد الأصم الأبكم
لبعض الوجوه الإعلامية السياسية المحلية و العربية . انجوم شاشات الصغيرة.
التقليد لا يصنع نجما و لا مبدعا ، انما الحرية و الإستقلالية الفردانية هي
التي تصنع الشخصية الفنية.
ربما يكون هذا جائزا ابان فترة ما بعد الطفولة و المراهقة الاولى ، أما
عندما يبلغ المرء أشده عليه أن يتخلى عن هذه العادات السيئة !
ان الذي لا يكتب و لا يرسم و لا يمثل و لا يبدع في هذا الشهر عموما في اي
وقت و في أي شهر و في أي سنة هو مبدع فاشل.
الفن و الفكر و الثقافة هي ايضا عبادة ؛ هي صلاة ، هي دعاء.
فعندما يتقرب المرء من اية لوحة فنية فهو مارس بطريقة او بأخرى عبادة ما ،
عبادة فنية فكرية تكمل له بها عبادته الإجتماعية ، تلك العبادة الدنيوية التي
تُكمل عبادته السماوية.
جميع الفنون في الإسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود الى الصلاة كما يقول
المفكر المستشرق (روجي غارودي) ، الذي أسلم على أرض الجزائر و صار يُدعى بعد
اسلامه (رجاء غارودي) ، ذاك المفكر المُتهم بمعاداته (السامية) ! خين شكك في محرقة
اليهود النازية (الهلوكوست) !.
لماذا هذا النفاق الأدبي و الثفافي و الفني و الفكري !؟
ما هذا الرياء و الخيلاء ، و نزايد على الدين !؟
الدين لله و الوطن للجميع . نُفرغ حيزا أكثر مما هو فارغا و نملئ ديار
الناس.
لسنا كُسالى و لا مُملين في فصل الصيف فحسب ، انما في جميع الفصول الأربعة
، و لسنا فاشلين كل الفشل في هذا الشهر الفضيل رمضان ، انما في بقية الأشهر الأثنى
عشر !
صار يسقط علينا مثل نعامة براهام نكولن : إن قيل لها أحملي قالت أنا طائر ،
و إن قيل لها طيري قالت أنا بعير !.
فمتى نبدع اذن اذا ما فاتنا شهر رمضان ، الفرصة الذهبية الدنيوية الدينية
!؟
يؤسفنا أن تمر على أطلال هذه الديار و ان تجد شابا في مقتبل العمر ، يدعي
التنوير لا يزال يتحدث بهذه الدردشة المدروشة و المُتن الصفراء ، و يريد أن يواكب
العصر بالرُكب وهو يجلس على كرسي يدور على محور !.
أدب رمضان ما بعده أدب ، خلاًق ، يملك كل اللحظات البديعة الساحرة و
الآسرة.
و الذي لم يتكلم فنيا و أدبيا و فكريا في رمضان لن و لم يتكلم في أي وقت !.
ادب الصيف هو نفسه أدب رمضان ، هو نفسه أدب رمضاء حين تجنح المنابر الأدبية
الفنية الفكرية الثقافية الى الكلل و الملل و الفشل بحجة الصوم فمتى نكتب يا قوم
!؟