جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

من قتل الناقد

العقيد بن دحو

العقيد بن دحو

هل قُتِلَ ، هل مات ، أم هل أُغتيل الناقد الأدبي الثقافي السياسي الإجتماعي !؟

تعددت الأسباب و الموت واحد !..

منذ صرخة عبارة (رامبو) الشهيرة المذوية : "سبب تفوقي على الآخرين لأني دون قلب" !

بل تلتها عبارات "قلبي عاريا" Mon Coeur mis a nu.

أو في تلك عبارته  : "الى رجال الدين تعالوا لتروا سقوطي

الى السيرياليين تعالوا لتروا احلامي

الى جميع الناس لا أعرف ماذا أقول " !.

جميعها كانت دعوات (رامبوية) منذ 1919 لقتل الأب ، الأب الأدبي ، اذ أمَحَّا المؤلف تدريجيا عن المشهد الثقافي ، الفئة الثقافية ، المبدعة الإنتلجنسيا للإنتاج الأدبي ، و أفرزت لنا فئة من الكتاب لا هوية لها و كأنها سقطت من السماء. ام يسجل تاريخها الأدبي بواكير قصة أو قصيدة في جريدة أو مجلة ، دون أن يتبناها اديب كبير أو يقدمها ناقد ما. حينها سمي ذاك العصر بعصر القارئ ، هو نفسه هذا العصر عصر الصورة بلا قارئ!.

فجأة ظهروا كشخصيات يونسكو او أرثر ميللر (الخراتيت) أو (نك) ، جاءوا بلاهوية و لا جواز سفر ، هل هم من ساكنة هذه الأرض أم غزاة من كواكب أخرى !؟

قُتل الأب ، أو أغتيل المؤلف و صار (الأثر) يقوم مقام صاحب الأثر.

بمعنى لم يعد يظهر في الصورة الكاتب المبدع ، فالناس منذ نهاية القرن التاسع عشر صارت تذكر "عقدة أوديب ملكا " الدرامية و السيكولوجية دون ان تأتي على ذكر (صوفوكل) أو (سيڤموند فريود) ، الناس تذكر "الجريمة و العقاب" دون ذكر (فيودور دويستوفسكي) ، جبلت الناس أن تذكر "الحرب و السلم" دون أن تذكر صاحب الأثر (ليو تولستوي) ، تذكر "العجوز و البحر" دون أن تاتي على ذكر مؤلفها  (اريست همنجواي) ، الناس تذكر قصيدة "هيرودياد" ذون ذكر الشاعر السيريالي (مالارميه) ، تذكر "الذباب" أو "الندم" دون ذكر الكاتب الوجودي (جون بول سارتر).....و هكذا تم اخفاء العديد من المؤلفين العرب و العجم ، و صار الكتاب يفاوض و يحاور بدلا عنهم..

فمن قتل الأب أو المؤلف وقتئذ !؟

كون الكاتب أخذ صفة الأب البيولوجي ، لأن الظروف التي يمر بها الكتاب الطبيعية و الصناعية شبيهة بظروف ولادة (المولود) البيولوجية من تزاوج (الأمشاج) ، الى التلقيح البويضات ، الى الجنين ، الى الولادة الاكلينيكية ، الى الطبيب ؛ الى الحاضنة ، الى أن يسلم (الأب) هذا المولود (الكتاب) الى الطباعة و النشر و البيع بقلب بارد بلا رحمة و لا شفقة (رامبو)

لذا لا غرو أن وجدت قصيدة (هيرودياد) تسمى بشتاءات ملارميه. ثلاثون سنة قضّاها الشاعر و هو يعود الى هيرودياد  على الطاوله يأبى فراقها (فلذة كبده) ؛ ظل ملتصقا بمشيمته يغذبها من روح روحه ، من نفس نفسه ، و من دم دمه حتى مات دون أن يشهد ولادتها.

الوفاة هذه او القتل أو الأغتيال لم تصب (الأب) في مقتله الوحيد (كعب أخيل) ، قتل أوديب لأبيه ، و قتل الكترا لأمها. انما وصلت الى صلب العملية الأبداعية دونه لا تتم محاكمة و لا تفكير و لا ابداع ألا و هو الناقد !

هذه الكلمة المرعبة ، الرُهّاب ، الفوبيا ، الذي يحسب له ألف حساب في العملية كلها ، اذا ما تحدثنا حول ما صار يسمى سوسيولوجيا الأدب و النجاح ، نجاح كاتب في الزمكان ، ووصول الكاتب الى الجمهور الفئات الإجتماعية.

و لإستكمال اغلاق الحلقة عند الفئة الثقافية يجب التوقف عند شخص ذي أهمية قصوى في العلاقة هو الناقد الأدبي عند سوسيولوجية الأدب و الناقد الثقافي عند الأنثربولوجيين الميثولوجيبن و الناقد السياسي عند علوم و فلسفة السياسة و الناقد الإجتماعي عند السوسيولوجيين بصفة عامة. المهم الأدب هو كل هذا ؛ اذ لا يمكن فصل الأدب عن الظاهرة الإجتماعية.

عموما الناقد الأدبي هو هذا الشخص الذي لا يحبه المؤلفون ، و يخشاه الناشرون ، لكنه على طرف نقيض لا يستأهل كل هذا التهويل و هذه المبالغة في الإكبار و لا في التحقير . فالدور الحقيقي للنقد الأدبي هو أن يكون نموذجا و أمثولة للقراء. و الناقد من المحيط الإجتماعي نفسه مع القارئ ، في الدائرة المثقفة و له ، مثله ، المعطيات نفسها. من هذا، أن لديه تنويعا في الأراء السياسية و الدينية و الجمالية - اللغة و الدين طرفان في قضية واحدة سياستان بالمقام الأول - تنويعا في المزاج، كما تجده لدى القارئ انما دون تواصل في الثقافة و في نمط الحياة ، و دون التوقف عند الأراء المكتوبة ، تكفي ظاهرة أن يكتب الناقد كأن يكتب عن هذا الكتاب لا عن ذاك ، حتى يكون اختياره ذا معنى فالكتاب الذي يتكلم عنه ، أكان جيدا أم سيئا ، تثبته و تتبناه المجموعة .

المزعوم تهذيب الذوق بواسطة الناقد ، ما الا تبرير مختلف الأحكام التقليدية النمطية الكلاسيكية التي تسوس تصرفات الجمهور المثقف ، و تكفي نظرة أولية بسيطة لقراء الجرائد الذين يتوجه النقاد اليهم مباشرة للتأكد من أنهم ينشرون مؤمنين ، و لا يصلون  فقط الى من هم في حاجة الى ارشاد و توجيه ، أي الى تثقيف يناسبهم . أن تقود بعض النقاد الصحف ، يؤثر في اختيار الكتب و تأثير قي الأحصاءات.

بالنسبة للناشر يمثل النقد قيمة موضوعية لرأي أدبي هو الناطق الرسمي بإسمه. من هنا يطرح النقد المسبق للجان القراءة ، تقاس على النقد المجرد ، و أن رغبة كل ناشر أن يكون لديه فريق من القارئين هو نموذج مصغر لجمهور قرائه النظري ، الذي تبنى عليه اختياره.

أخيرا صار الناقد مبدعا ، و صار النقد ابداعا على ابداع ، كتابة على كتابة (كتابة ميتا). لقد كفّ الناقد عن مجاراة التاريخ ، بل مما قبل التاريخ ، النقد (الأرستوفانزي) ، ذاك الذي حاول أن يجسده الشاعر الكوميدي الملهاتي في ملهاة (الضفادع) ، النقد اللاذع الذي وجهه الشاعر الدرامي ارستوفانز للتراجيدبا للأغريقية عموما و هي توسك على نهايتها عندما مات شغرائها الثلاث (صوفوكليس - يوريوبيدز - أسخيلوس).

النقد التكفيري التطهيري أيضا.

الا أن و منذ ظهور الانطباعية و السيريالية تحول الناقد الى مجرد قارئ منزوع الانياب و الاظافر.يواجه بُعبع نص مجهول قتل مؤلفه عن سبق اصرار و ترصد.

لذا لا غرو ان و جدت مجموعة أساتذة دكاترة تقدم (قراءات) ، و ليست القراءة كالنقد ، و ليس الأستاذ الجامعي كالناقد المعهود الذي تعرفه الفئات الإجتماعية. فالناقد ينتمي الى المجموعة (الجماعة الأدبية) ؛ شخص مبدع يعرفه الجمهور ، الدائر الشعبية.

غير أن الضربة التي وجهت بشكلها المباشر الى الناقد ، يوم أفرغت رفوف المكاتب و الأكشاك من الجرائد الورقية ، و ما بقي الا الهاتف النقال الذي أبعد كل قارئ عما يقرئه !

انتهى النقد و صار (قراءة) !

و أغتيل الناقد و أصبح (أستاذا) !

مما أغترب الجمهور و صار عصرا بلاقارئ!. أن عالما لا يفهمه الا العلماء يشعر فيه الناس بالغربة!

وان نقدا لا يفهمه الا الأساتذة الجامعيين الدكاترة و أوراقهم الشبيهة بالكتابات الهيروغليفية ، و التجريد الكمي الرياضي يشعر فيه الناس بالضياع !

أخيرا مات آخر الرجال المحترمين فمن قتل هذه المرة الناقد !؟

أهي الرداءة التي افرزتها الليبرالية المتوحشة في النشر و سهولة الطباعة ؛ أو في تلك الأغتيالات الأدبية الشبيهة بالإغتيالات السياسية كيما يخل لهم وجه الكتابة الابتداعية حتى لا أقول الابداعية.

فبعد أن قتل الأب لأسباب مذهبية ، و بعد أن قتلت الحضارة الرقمية الناقد

و بعد ان قتلت الازمة العالمية الأقتصادية الناشر المطبعي ، ما بقي الا الجمهور وجها لوجه مع كتاب مفصولا عن اعرافه و تقاليده ، عن اصله و فصله ، و جها لوجه غريب يبحث عن غريب !.


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *