يوم الفن أم يوم الفنان
العقيد بن دحو
يوم أو بعض يوم تفصلنا عما أصطلح عليه عندنا في الجزائر ثقافيا و فنيا و
اجتماعيا بيوم الفنان ، المتزامن بذكرى استشهاد الفنان الجزائري علي معاشي.
عيد بأي حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد.
هذا البيت الشعري ألقاه ساعر السيف و القلم أبا الطيب المتنبي منذ ألف سنة
و نيّف على أحد أعياد مصر ، و هو يرى و كأنها أحداث بطاقة بريد كارطبوسطالية تكرر
نفسها أمام عينيه لا قديم فيها يعاد و لا جديد فيها يذكر !.
سنة بعد سنة يتكرر المكرر ، يذكرنا
بذكرى الأموات أكثر منهم الأحياء ، و كأنها لا يكفينا الخطاب الديني ، ذاك الذي
يذكرنا كل دقيقة و كل ساعة بالعالم الآخر عقابا و ثوابا ، جنة و نارا ، عالم لا
يؤوب منه مسافر.
و هكذا نحتفل بيوم العلم ذكرى وفاة رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد
بن باديس يوم وفاته 16 أفريل ، و نحتفل بيوم الفنان يوم 8 جوان ذكرى استشهاد
الفنان علي معاشي. و ما نخشاه أن تأتي
هذه العادة تصبح سلوكا يسقط على باقي رجالات الدولة كلما أريد تخليد مآثرهم و هم
امواتا في يوم وفاتهم !
الفن و الحياة نقيضات هطان متوازيان لا يلتقيان ، تتنافى مع العلم و الفن.
فالفن غايته الأولى و الأخيرة أن يحسن من هذه الحياة ، و الفنان هو الانسان مضافا
الى الطبيعة.
غير ان معظم دول العالم و الدول العربية تحتفل بيوم الفن.
صحيح الحضارة الاغريقية عرفت و شَهِدت هذا النوع من الإحتفاء ؛ اذ القرن (-
411 ق.م) لما عاد الحاكم بيزيستراطوس من منفاه ، و على الرغم انه كان ديكتاتوريا ،
مستبدا الا أنه استطاع أن ينزل عند رغبات عامة الشعب الأثيني ؛ اذ قام بتدوين
الملحمتين الشهيرتين : الاليادة و الأوديسا ، كما قام بتلبية رغبة عامة الشعب كأن
أتخذ من (ديونيسيوس) اله الفنون عبادة الشعب الأولى ، تتداول كل خمس سنوات ، أين
يتبارى الشعراء و الفنانون على موسم عرض المسرحيات.
حتى اذا ما تعلق الشعب بشيء صار قانونا أو كما قالت الأغارقة قديما.
If the people becomes attached to something it becomes a law
غير أن مع التقدم الثقافي و الحضاري للأمم و الشعوب ، كان لزوما على هيئة
الأمم المتحدة U.N.E.S.C.O
أن تخلق آلية ، فنية ابداعية تذكر بأهمية الفنون في ترقية و ازدهار حياة
الفرد و الجماعة. أن يلج الفن الى حقول المعرفة و العلم و الفكر و الثقافة. أن
يصير مقررا دراسيا تربويا بيداغوجيا علميا تعلما تعليمية. غايته أن يصل رسالة
الانسان في هذه الحياة : شرف الكلمة و نبل المعنى و دفء الحياة.أن يشكل الفن حوارا
حضاريا محليا وطنيا عالميا ، متصالحا مع قوالب عصره ، غير معاديا لأيه فكرة حضارية
، لا كلاسيكية و لا حداثة و لا ما بعد حداثة. كأن يصير الفن هذه الكلمة التي هي
(غضة) بديلا عن الموت ، عن اليأس ، عن القنوط ، في عز فشل السياسة و الدبلوماسية ،
أن يجمع المجموعة البشرية في جماعة واحدة أقل ما يقال عنها لها قيمة انسانية ،
تجتهد من أن تظل كذلك و أنسنة الإنسان.
أن تحول العمر المدرسي الى العمر العقلي.
لذا لا غرو أن تبنت هيئة الأمم المتحدة يوم 15 افريل من كل سنة يوما عالميا
للفن. اين تنزل الدول المحبة و الثواقة للعدل و الحرية و المساواة و محبة الجمال و
الابداع و الدفاع عن الفن ، تنزل الفنان منزلته و تكرمه كملح هذه الخليقة ، يحمي
الخلق و الحليقة من الفساد.
كان لا بد من اعادة وجهات النظر فيما نحتفل به و في أشئلة (لماذا...متى..
أين...كيف) !؟
و إلا ظل احتفالنا (سيزيفيا) يكرر نفسه بنفسه مع نفس العبث و اللا جدوى و
اللاطائل! نفس الأشخاص ، و مع نفس الشعار ان كان لنا شعار ، و مع نفس الرسالة ان
كانت انا رسالة !
في يوم واحد و في مكان واحد يتم فعل واحد مع حدث واحد..أن ننهي احداث
افراحنا مع ذكرى (الموت) بكل ما تعني الكلمة من معنى ، خاصة اذا كانت متعلقة بقيّم
العلم و الفن ، و ليس الميت كالحي ، و ليست ذكرى الميلاد كذكرى الوفاة.
غدا أو بعد غد سيتم الاحتفاء بذكرى يوم الفنان عبر مديريات وزارة الثقافة و
الفنون ارجاء فجاج ربوع الوطن ، غير أن مانرجوه أن يكون مجددا لا مقلدا ، تفكيريا
تغييرا لا تطهيريا تكفيرا من أدران انفعالات النفس. تقال الكلمات الترحيبية لم
تبلغ الأذان ثم ينتهي الجمعان على أمل أن يلتقيا بالعام المقبل مع نفس الموعد مع
نفس الذكرى الترتيمة التربدية السحرية : في يوم واحد في مكان واحد يتم فعل واحد
لشخص واحد !
التكرار الممل في عز عصر التغيير اللحظة و التحول و استشراف ذاكرة
المستقبل..على ما ذا نحتفل !؟
على المنجز الفني و أغانينا مسها التسنه ، موسيقانا تكرارا ، رسوماتناو نحثنا و سائر الفنون مسها الحلال و
الحرام ، جراء طبيعة قاسية تأبى الفراغ !
جراء انسحاب الفنان الأصيل و أصبح
الدخيل سيد الدار !.
عندما أنسحبت السقور من عليائها
، لما رأت الغرابيب تستنسر الأجواء !
تشابه علينا الإحتفال و لم نعد نفرق أهو يوم الفن أم يوم الفنان !؟.
توضيح الصورة أهمية بمكان گأن نعيد ترتيب البيت ، و نحدد بالضبط و بدقة من
المُكرَم و من المكرِم و تلكم هي المشكلة !
عيد بأي حال عدت يا عيد*** بما مضى أم لأمر فيك تجديد.
مادام دار لقمان على حالها تشهد يوما عن يوم عم استقلالية الفن و الفنان و
هروبه منا يجري حوله ، في عز نهاية الفن و التاريخ (يوكوهاما) و في عصر نكريم الرويبضة و من لا غيرة له لا على فن
و لا جمال. و في عز و صلت الأغنية الغصرية الى ما وصلت اليه من سفلية. الجميع
متفرجا اختار السلبية بكل مقاييسها ، و أخذته العزة بالإثم أن يظل صامتا على
(الأشباه) ، و (الأشباح) ، و (الأنصاف) و هو يفسدون الذائقة الفنية ، في أغانينا و
سائر الفنون الزمكانية.
يقول العلامة بن خلدون في المقدمة أن الدول كالأشخاص أول ما تُمَس تمس في
أغانيها.
صعب اليوم أن تطلب من كادر غير فنان ، غير ملم بالابعاد الحضارية الأمنية
للفنون أن يحافظ او أن يدافع عن الفن و الفنانين.
و هو "ما قاري ما شباب"
كما يقول المثل الوهراني الجزائري.