رجل الأدب و رجل الدولة
العقيد بن دحو
العقيد بن دحو
يشير الشاعر الملحمي الأغريقي في
"أنساب الآلهة" Theogonie أن رجل الدولة او صاحب السلطة مرتبط ارتباطا
عضويا ميثولوجيا بالإله زيوس . زيوس سيد النظام بالمخيلة الجمعية الأغريقية
الهوميرية . بينما الشاعر أو رجل الأدب
مرتبط كذلك عجائبيا بالإله أبولو إله الشعر و الفنون.
بمعنى كلا الرجلين في حاجة الى تكوين ، الى تعلم و تعليم مستمرين على
الدوام.
و بما أن السياسة فن الممكن جعلت من رجل السلطة حتما أن يكون فنانا ، حتى
أن اخذه واجب التحفظ ان ينحو منحى مستترا متواريا بعيدا عن عين الزوم Zoom او ما يعجب
به الناس على شبكات منصات التواصل الإجتماعي. خلف الكواليس ، و خلف حدائقه الخلفية ؛ يمارس طقوسه الفنية
السيادية : مخططا...منظما...مراقبا...متتبعا....معالجا...مقوما ومقيما....ومتخذا
للقرارات و مختلف التعلمات و التعليمات و مشرعا لمختلف القوانين و مسطرا لمختلف
المساطر و السنن.
أدت وظيفة صاحب السلطة "الزيوسية" الى ضرورة ان يكون مطلعا و
ضليعا ؛ ليس على ما يحدث في العالم أو مستشرفا للمستقبل ، انما مطلعا على حضارات
أمم اخرى لإستخلاص العبر و الدروس.
كون التاريخ - مهما يكن- حتما سيعيد نفسه مرتين : مرة في شكل مسخرة و مرة
أخرى في شكل مأساة. و بين المأساة و المسخرة ضاعت العديد من قيم الحريات ، خُربت
أوطان و ضاعت أمصار و مدن. و سوف تكون نهاية التاريخ مقرونة على نهاية هذه الحرية
، الخرية حيال الخير و الشر ؛ من حيث لا حرية لأعداء الحرية.
"اللي ما قرا للزمان عقوبة"!
مجبر رجل السلطة اليوم مهما علت به الرتب و علت به المقامات و الألقاب أن
يكون مُلِما و مُطلعا ما يجري حوله من أحداث ، و أن يسجلها في مدوناته الخاصة ،
يراجعها في تهجد اسفاره ، محاولا أن يجد لها تفاسير شتى على جميع المحاور و
الأصعدة السياسية الإجتماعية الثقافية الإقتصادية و حتى الأمنية العسكرية منها.
هذا لا يجعله يستغني على مستشاريه من مختلف مشارب و ينابيع فكر مذاهب
تخصصات الأفكار و المفاهيم و كذا الذكاء و
سرعة البديهة.
غير أن وجهات نظر صاحب السلطة خاصة أصبحت مطلوبة اكثر من أي وقت مضى ؛ بل
صارت لغته الخاصة و أسلوبه في الحياة أكثر الحاجا لتراه الناس من حوله. أو وفق
مفهوم آخر هو مطالب أن ترى الناس اضافته و تراكمه المادي و المعنوي متجليا على
وجوه الساكنة و في جيوبهم و في قلوبهم ، تحب الساكنة أن تنعكس تغذيته الراجعة على
ازواجهم و على ابنائهم و على محيطهم.
لن يتأتى هذا الا بالمراس المكين المتين و أن لا يكتفي مسؤول اليوم أن يكون
متعلما و مثقفا و انما أن يكون فنانا خلاقا ، خالق الحلول لمختلف العوائق و
العراقيل الجمة التي تجابهه او تجابه بني قومه.
أما الشاعر لم يعد خالقا مبدعا للكلمات المتراصات كلمة كلمة ، و انما صار
ملزما أن يحول مسار مجرى أنهر كلماته المتدفقة الى أفكار ممنهجة و سلوك.
صحيح لم يعد ما يتغنى به الشعر من عوالم ما وراء هذا العالم ، بعد أن اكتشف
العلم الحديث معظم خوابي و خوافي قوافي الشعر التي كان يستمد منها لأعينه نورا. لم
تعد في السماء لا جوبيترات و لا سيناترات ، و لا في أرض بروتيهات و لا بوزيدونات ،
و لا تحت الأرض لا هادس و لا هيديز.. و ليس بين السماء و الأرض سوى "العما ء Choà a ، الشواش
كما قال هزيود.
لهذه الأسباب أو تلك أين نجد شعراء اليوم يلجأون الى أبواب التجريب ، الى
الهايكو ، و الى الميتافيزيقيا. لاعادة اكتشاف ذاتهم الهائلة هناك....!
مطلوب اليوم من رجل الدولة أن يظهر طاقاته البديعة و ملكاته الخلاقة و أن
يعبر عنها پاي وسيلة كانت و بأي رؤية فنية شاء.
لم يعد ما يخفيه لا بإسم الأعراف الدبلوماسية المتعاهد عليها و لا بإسم
العادات و التقاليد و مراسيم البروتوكولية ،
انما بإسم الفن ان يعلنها صراحة و هو ايضا من حقه الحق أن ينظم الى أي
اتحاد يضمن و يرعى و يحمي له حقوقه و حقوقه المجاورة.
صار الشاعر و رجل السلطة كليهما على منبر واحد ، قربى واحدة و مصلى واحد . الإبداع ديدنهما و
الحب وطن الحلول و الابداع بينهما لعبة الله.
هذه اللعبة التي تترقبها الرعية من الراعي ، المُخَلِص الذي يُخلصها من
اولئك الآخرين الذين سبقوه في السلطة الأقل موهبة ، الأقل اقداما ، والأقل عزيمة و ابداعا.
و على اعتبار منذ الحضارة الأغريقية الأولى أُعتبر (الحُكم) كنزا Tresor و كأي كنز
ينبغي له باحثا متمرسا جديرا بملكة الإبداع.
أن يكون الشاعر أبولونيا و أن يكون رجل السلطة زيوسيا ذاك انها سابقة
هزيودية في ان اصل الحكم النظام و التحكم فيه ، و أن اصل النظام الإبداع شعرا أم
نثرا أو اي فن من الفنون.