حامد حبيب
الهند...أرضُ العجائب ١٠"_ آل تُغلق _
" India... wonderland"
_ آل تُغلق _
استطاع(غياث الدين تُغلُق) تدعيم
مُلكه واستعادة
سلطنة "دهلى" وأن
يردَّ لها هيبتها ونفوذها ، فبدأ
بإحياء تعاليم الإسلام ، وردّ
الأمراء والأعيان ماكان
قد اغتُصِب من أملاكهم ، وأكرم الأمراء الخِلجيين.
كما نهج السلطان
نهجَ ( علاء الدين الخِلجى) فى
الاحتفاظ بجيش نظامى قوى ، وأنشأ
نظاماً مُحكماً
البريد لم تعرف
الهند له مثيلاً
فى دقّته وسرعته،
حتى بلغت العاصمة
أخبار الرحّالة العربى (ابن بطوطة) بعد وصوله مصب السند بأيام
خمسة، قطع
فيها البريديون مايزيد على تسعمائة ميل فى طريقٍ
آمِن ، وقد أشاد (ابن بطوطة) بما
كانت عليه الهند من تقدُّم ومدنية فى عهد هذا السلطان وخلفائه.
كما شجّع(تُغلق) الناس على تعمير
الأرض وفلاحتها
فأصبح من الرىّ ، وشقَّ
كثيراً من الترع والقنوات
وخفّض من خراج الأرض.
_ ولقىَ هذا السلطان حتفه فى ربيع
الاول من عام
على إثر انهيار أحد قصوره به.
وخلفه ابنه (فخر الدين) الذى تسمّى
باسم (محمد تغلق) ، فاستهلّ
حكمه ببذل المال والعطايا
لرجاله
ورعايته ، وترامت
أخبار هباته وكرمه
إلى خارج حدود الهند، فوفد إلى
بلاطه جموع من أهل العراق
وفارس وخراسان وبلاد
ماوراء النهر طمعاً فى عطائه
، وكان من بين
الوافدين عليه طائفةٌ
من المشتغلين بالعلوم والفنون
والآداب ، فقد كان هو ذاته من
طليعة المشتغلين بالآداب
، فمنثوراته ومنظوماته الفارسية
والعربية تشهد له
بالذوق الأدبى الرفيع ، وعنايته الفائقة
بتجويد فن الخط
والنقش،وتمكنه فى علوم الفلسفة والحكمة والمنطق
حتى نبغ فى تشخيص الأمراض وكان
يعالج نفسه،
وهو ما دفعه إلى إنشاء وملاجئ
العجَزَة والإشراف
عليها بنفسه.
وقد ذكر (ابن بطوطة)
عن هذا السلطان
وكرمه
وسخائه أن كان يأتى
بأى شحّاذ يصادفه على بابه
فيرفعه بسخائه المذهل
إلى مصافّ. الأثرياء المعدودين .
وأعجب السلطان بموقع
مدينة "ديوكر" الطبيعى الحصين ، فعزم على أن يتّخذ منها حاضرة له
،أطلق
عليها اسم"دولت آباد" فيما بعد ؤليبتعد عن
مواطن
الخطر المغولى من جهة، ويتوسط _من جهة أخرى_
دولته الواسعة التى
كانت تمتد من
الهيمالايا إلى
جنوب الدكن ومن البنغال إلى أرض كابُل.
وشرع يشق الطرق
ويعد وسائل النقل ويجبر أهل "دهلى" على الهجرة إلى
العاصمة الجديدة التى تبعد
نحو سبعمائة ميل
عن دهلى ، ففتحت بهم الأوبئة والأمراض
بسبب متاعب السفر ،
والذين وصلوا العاصمة الجديدة شعروا
بأنهم فى المنفى ،
لأنهم أُرغموا على
ترك بلادهم التى
عاشوا فيها أجيالاً إلى بلدٍ
لايعرفون من أمرها شيئاً.
ولما استبان له مدى
الكارثة التى حلّت بالناس فى
هجرتهم،أباح لهم العودة إلى "دهلى" ، بل شرع يقيم
لهم على مقربة منها
مدينة جديدة هيّأ
لهم فيها أساليب الراحة
والاستقرار ، لأن العاصمة والقديمة
كان قد دعمها الخراب بعد هجرة أهلها لها.
واحتاج لجيش كبير يستطيع إقرار
الأمن فى ربوع
ملكه الواسع ،فلجأ إلى خطّة أدّى فشلها
إلى تصدُّع
كيان البلاد الاقتصادى ، إذ أمر بضرب عملة نحاسية
مقام الذهب والفضة
بضمان بيت المال ، فانقلبت
أغلب الدور إلى مسابك لضرب العملة الجديدة
طلباً
للبيع راء الواسع،لكن التجار المحليين رفضوا التعامل
ب ا ، ورفض التجار الغرباء كذلك بيع
وارداتهم إلا
بالذهب ويشترون صادراتهم
بالنحاس ، وأدركت الحكومة مدى
ماعمّ البلاد من
خراب ، فسحبت العملة
النحاسية من الأسواق
وردّ قيمتها إلى أصحابها ذهباً وفضة
فأقبل الناس على بيت المال ومعهم مازيّفوه
من النحاس واستبدلوه
بالذهب والفضة من بيت المال.
وانتهى فشل السلطان فى مشروعاته،
وماجرّته تلك المشروعات من مِحن
قاسية ، أن اجتاحت
البلاد موجة قوية من
الإضطرابات والثورات ، وزاد من حدتها إقدام الحكومة على مصادرة
الكثير من أموال
الأعيان والتجار.
وأول من رفع لواء العصيان
فى وجه(تغلق)،الأمير
( جلال الدين إحسان
شاه ) الذى أعلن
استقلاله وضرب السكَّة باسمه ، فخرج
السلطان بنفسه لقمع هذه الفتنة ، لكن الكوليرا أصابت جنوده فرجع .
وعمّت الاضطرابات البنغال ، حتى جهر قائدها(فخر
الدين) بالاستقلال ، حين علم بعجز الملك عن أن يزحف إليه.
ثم سرت الاضطرابات
إلى "دولت أباد" العاصمة الجديدة ،حتى وضع أمير أفغانى شاب
يُدعى(علاء
الدين أبو المظفّر ) يده على
إقليم "الكجرات" و
"ديوكر" أو"دولت
آباد" ..ووافى(محمد تغلق) أجله عام٧٥٢ه/١٣٥١مة أثناء
إحدى حملاته فى السند، بعد أن انفرط عقد السلطنة ذات الولايات الثلاث والعشرين إلى عدد من الإمارات المستقلة
، ولم يبق
تابعاً ل"دهلى"من الولايات الكبيرة إلا"الكجرات".
_ولم يكن ل(محمد تُغلق) ولد ،فعهد بالملك من بعده
إلى ابن عمه(فيروز تغلق)، وكانت أمه هى
السلطانة
(كدبانو)الهندوكية الأصل.
_______________(نواصل...إن شاء الله)
حامد حبيب_مصر