الأسد و العسل و لُعْبَةُ اللُّغة
العقيد بن دحو
قد يتساءل أحد ما الرابط العجيب بين حيوان ضاري ، يتصف بالقوة و الشراسة ،
مضرب مثل في كل مظاهر الحياة حتى قبل : ما الأسد إلا مجموعة من الخراف المهضومة ؛ و ما الكاتب إلا مجموعة من الكتب المقروء !.
لاحظ كلمة (أسد) و (كاتب) ، و كلمة (خروف) و (كتب).
تبدو الكلمتان بعيدتان لا رابط بينهما لغة و اصطلاحا.
و اذا (العسل) : تلك المادة فيها لذة للشاربين و شفاء ، أستولدتها تلك الحشرة البسيطة ، التي أستطاعت عبر الزمن و السنين أن تتكيف مع الطارئ و قلق تطورات وتحولات و تقلبات العصر و المناخ ووصلت الينا بكل حضارتها المادية و المعنوية.
الا أن اللعبة اللغوية و لا سيما الأساطير الأغريقية أعطت معتى جديدا للغة.
أذ لم تعد العادات اللغوية موصلا جيدا للتواصل بين الشعوب و ببن الخلائق. اختلت غيه موازين الأسماء و الطباع فلم يعد الأسد يؤدي معنى كلمة الأسد التي تعاهدنا اسمه ملك الغابة. و لا العسل الشاف الكاف علاجا للاسقام و من الامراض.
لقد ضربت الأسطورة عموما من خلال الميثولوجية بكل الاغراض اللغوية و الادبية و كذا تراسل الحواس و تداعي الخواطر و الافكار بالوعي و اللاوعي ايضا.
لا غرو اذن ان صار كبار الساسة و كبار قادة الدبلوماسية و الاقتصاد و المثقفون يتحدثون بلغة الكلمات الأولى اللمحة الاولى للكلمات الاولى ، تلكم الكلمات التي كانت بالبدء.
كما ورد في سفر التكوين أن عائلة يهودا كانت تطلب من الآله أن يولد لها ابنا ، فكان لها طفلا خارقا ، يمتاز بصفات خاصة سر قوته في شعره يسمى "شمشون" ، و لما أشتد ساعده ، طلبت منه عائلته أن يتزوج فسافر الى فلسطة ليتقابل مع خطيبته. و بالطريق صادف أسدا فقتله و شقه نصفين وواصل طريقه و أثناء عودته و جد الأسد قد تحول الى عسل فأكل منه و أخذ نصيبا الى أهله و ذوبه.
شمشمون القاضي العبري الشهير بصرخته المدوية " عليّ و على اعدائي يارب " !
وشت به الفتاة الفلسطينية دليلة و أقتيد مكبلا الى المعبد ، و داخل المعبد أسترد قوته و صرخته و شعره وهدم المعبد على من فيه !
اذن لم نعد نفهم اللغة كما كانت ، تنما من خلال النص القصصي. اذ كل كلمة صارت تحمل قصيدة متجمدة ، روح جماعية. فالاسد صار هو العسل كما العسل صار أسدا كما هو بالقاموس العبري.
نجد أيضا اشتقاقا لغويا ، حين يتلاعب للصيادون و السياسيون عند تبرير المبرر ، و يتحايلون على التوازن الايكولوجي ، و يجدون من الغاية تبرر الوسيلة أو الغاية ذاتها هي الوسيلة في اصطياد حيوان القندس (الكاستور) لأسباب صيدلانية..يزعمون بأن الحيون يلچأ الى اخصاء نفسه خوفا من الوقوع في أسر فخ الصيادين !
بينما الحقيقة كان يصطاد الحيوان لأعراض صيدلانية اكلينبكية محضة ، قصد استخلاص مادة زيتية طبية بين أربية فخذيه.
يقول (ايرودور) في أحد أقواله :
Castor a casmando
هي نفسها تلك الأعلاعيب اللغوية الأغريقية التي توحي بها الاسطورة Myth يقابلها Mouth او تلك الحكاية التي تروي شر خلق الخلائق من الالهة (بيرا) كانت تلتفت الى الخلف و تلقي بالحجارة فوراء كل حجارة تلقى يخلق البشر.
و هكذا تشتق (الخلق) من (الحجارة) !
هو نفسه المنطق اللأتيني الذي بموجبه تقررت تسمية السلحفاة بقصة (ملوك) بالمعلم. كونه كان يعلم. كيف تكون السلحفاة شيئا سوى أن تكون معلما. فالأسماء و الطباع قلما لا تتفق.
و هكذا صارت اللغة حسب منطق (كاسيرز) يصور كيف اللغة تدل على مفهومنا للشيء و ليس على الشيء ذاته.
و هذا أيضا ما يمنحنا تفسيرا لكلمة (بابل) التي كاتت تعني بالعبرية (بالال) أي (الارباك) ، لأن الله أربك صلعه كل الارض حسب سفر التكوين.
لم يعد يتسنى لنا معرفة مسميات الأشياء كما هي في ذاتها انما بما يجر على المغرضين (أصحاب الأغراض) من أسلاب و غنائم طبيعية تجنبا و تهربا لأية تبعات أخلاقية ، خلق المبرر أولا.
كتلك الأسماء السفلية الرعاع التي كانت الحكومات الكولونيالية ، ذات طبيعة الفصل العنصري (الأبارتيد) تسمي بهم المواليد الجدد للسكان الأصليين بجنوب افريقيا استعدادا ليكونوا عبيدا سلفا من خلال اسمائهم التي توافق و تشتق من طبائعهم العبودية.
أنت عبد من خلال اسمك قبل عملك ، فيزيولوجيا و بيولوجيا قبل كل شيء آخر....!
لم تعد الجمل و لا الفقرات أساطير و انما الكلمات ايضا صارت أساطير ، بل صار يتلاعب بالكلمات كما يتلاعب بأوراق النرد سياسيا اجتماعيا اقتصاديا ثقافيا.
او كما ورد في عبارة الشاعر السيريالي المتطرف (دسنوس) :
Mots , etes-vous des mythes , et parents aux myrthes des morts.
لاحظ الأربع كلمات التي تبدأ بحرف (M).
أيتها الكلمات ، هل أنت أساطير ، أم تشبهين (آس) أو (غار) الموتى !؟
كلمات تقوم بدور الإيحاء ، بمعنى اللفظى الأولى أي (الكلمات). فالكلمات و الكلمات المجتزأة هي التي تسير الأنظمة الدينية و تنسقها ، و في سفر تكوين : أن الله خلق هذا الكون بكلمة و قال الله فليكن نورا فكان نورا. قوة الكلمة التي تحول القربان الى جسد مقدس.
صحيح لا نطلب من اكاليل الغار و الآس التي توضع أحدهما او كلتاهما على عقر الميت أن تبعثه للحياة مجددا ، لكنهما تدلان على عظمة ميت.
تماما كتلك الاوراق الصفراء الذابلة الباهتة لونها الساقطة من الشجرة لا تدل على الشجرة انما تذكر بها.
ان الكلمات أساطير أذ يمكن لصدى الحروف أن يكون قوي الوقع على تفوس البشر ، حتى أننا ننقاد للكلمات أكثر من أي شيء آخر.
لهذه الأسباب و تلك ، تكون الفلسفة ضد افتتان غقولنا بسحر الكلمات ، فإن لنا الأسطورة غالبا ما تكون نوعا أو حالةمن الإفتتان الإرادي. الأسطورة مجاز استولدتها الأستعارة (جسد العالم نيويورك 1938.
ارايتم الآن كبف تحول جسد الأسد النافق المتعفن الى عسل مصفى فيه شفاء للناس و منافع كثيرة.
و رأيتم كبف تحول شعر شمشون القاضي العبري الى شعر سحر الى قوة جبارة
و رأيتم كيف تحولت الصرخة القوية المدوية " عليّ و على اعدائي يا رب " !
الى قوة هدم المعبد على من فيه !
و لعلكم رأيتم وقرأتم و سمعتم عن عصا موسى ، كيف تحولت من مجرد عصا كان يهش بها على غنمه و فيها له مآرب أخرى....الى عصا افعى.... و يداه التي صارت بيضاء.
غير الكامات السابقة كانت أعاجيب و ألاعيب و أساطير لغوية قبل أن تكون أي شيئ آخر.
تتدخل الأسطورة كطقس وسيط بين ما يمكن ادراكه و ما لا يمكن ادراكه كيما تقترب من ادراكنا و فهمنا للكلمات. في زمن لم تعد اللغة كافيه للتواصل أي نوع من انواع التواصل.