جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

على أرض مجهولة

العقيد بن دحو


ماذا تعني "ارض مجهولة" أدبيا و فنيا و ثقافيا ؟

ذاك أن لا يمكن بأي حال من الأحوال و لا سبب من الأسباب ،دون أن يكتب الأديب أثرا (....) ، يكون موجها لأي أحد . بغية أن يشكل مع هذا (الأحد) القارئ حوارا ما. حوار حضاريا : أن يُعلم ، أن يُمتع ، و أن يهُز . حتى إن كان مبعثا يبعث على الألم ، الأمل ، اليأس ، و على الترفيه و التوجبه.... الخ

التقاء نيٌات الكاتب مع نيٌات الجمهور على فضاء أو مجال او حيز محتمل متخيل ، سُمي اصطلاحا بالأرض المجهولة.

فهي أرض لا يحدها حدود و لا تصفها معالم جغرافيا و تضاريس و بحار و محيطات و انهارا ، أنما هي أرض تتصف بها سائر عناصر الحياة الأساسية الأولية : الماء...النار...الهواء...التراب.

على هذه الارض تبدو حياة جديدة يعيشها الاثر نيابة عن صاحب الأثر الكاتب. أين ينتقل بدوره الكتاب من الدائرة الإنتلجنسيا ، الفئة المثقفة أو تُسمى الدائرة المثقفة الى الدائرة الشعبية او تسمى بالدائرة الإنطباعية أو بالعوام الشعبية.

أين يغيش الكتاب حياة أخرى.

جميل أن يكون للكاتب جمهورا ما ، و هو يدري افتراضيا بأن له جمهورا ، شريكا له باللعبة الإبداعية ، أذ الجمهور صار خلاقا خالقا للأثر نفسه بكل ما تعني الكلمة من معنى لغوي اصطلاحي فقهي أو فيلولوجي.

"أنا أعرف جمهوري لذا أنا أكتب" كما يقول (شارل بيبو) في كتابه الضخم (تأملات حول هذا العصر) 1952.

ما من أحد إلا و له جمهورا ، إلا أن الكتاب لن يكون معبرا عنه إن لم يكن موجها لأي أحد !

غير أن من الأجدر و الأفضل و الأحسن أن لا يعي الكاتب هذا الجمهور حتى لا يعيقه و لا يشله عن التقدم ، فمتى أدرك الكاتب جمهوره و صار يسامته وجها لوجه متى بدأت نهايته بالعد التنازلي.

لذا تسمى بالأرض المجهولة فيها يلتقي الجمعان المؤلف و الكتاب و الجمهور إلا فضل علماء سوسيولوجية الأدب أن تظل مجهولة ، خارج التصنيف الطبوغرافي للكتل الأرضية  المعروفة هندسيا معماريا.

خارج نمط دوائر طلائع الأستكشافات المتعاهد عليه.

على هذه الأرض ما يستحق الحياة ، يعيش المبدع مع الناشر ، مع قُرباه الثقافية ، مع مستشاره (المكتبي) ، البارومتر و الترمومتر الشعبي للمبيعات الكتبية ، يلتقي مع الناقد ، ذاك الذي لا يحبه أحدا يخشاه الناشرون و يهابه المؤلفون. و مع ذلك أرض مفرغة ، و كأن سائر جماعة القربى الثقافية وُضِعت داخل انبوبة مخبرية (أنبوب نيوتن) مُفرغ من الهواء.

لهم نفس الكتلة ، نفس الحجم ، نفس المسافة ، نفس السرعة ، و نفس الزمن.

 وكأن الجميع وُضِع على "سرير بروكست" (تعرضنا له سابقا).

و على رغم من تقلص حجم المقروئية ،  يبدو الكاتب الأديب الفنان المبدع المثفف مقطوعا من شجرة ؛ مفصولا عن جذوره ، لا أحد يبكي عليه ، و لا أحد يندب معه حظه ، و لا أحد يعير له انتباه ، إلا عندما يرحل عن هذه الدنيا تكثر من حوله البواكي ، و تُنصب له خيًم العزاء ، و توضع على شاهد قبره أكاليل الغار و الآس في إشارة الى عظمة ميت !.

لنتساءل أين كان هذا الجمهور السعيد جدا الشقي التعس جدا !؟

الجواب ببساطة كان يسكن بطاقة هوية على أرض مجهولة !

لهذا الاحصائيات العالمية تشير الى أن عندما يتكتل القراء في حيز ما حغرافي تاريخي سوسيولوجي أدبي من 20 مليون قارئا الى 30 مليون قارئا  يطلق عليها مملكة الُقراء.

ان اشكالية الكتاب و المتتبع لمساره الوظيفي الاقتصادي ، الفني ، الإجتماعي ، الثقافي تجده لا يكاد يتوقف عند محطة معينة من المحطات. مسارا سرمديا ، لا بداية و لا نهاية له. شبيه بمسار تلافيف متاهة جزيرة "كريت" اليونانية الأسطوري !.

ما تكاد توشك أن تقبض على أية احظة من لحظاته المسحورة ، و تنزل  محطة معينة حتى تجد نفسه في تفس النقطة البحرية (المجلانية) التي انطلقت منها أول مرة.

جميل ان يكون للمبدع العمل الفني عموما و الأدبي خاصة جمهورا يبادله الحوار المستهدف المستجدي ، و يشاركه في خلق و ابداع الأثر نفسه ، غير أنه من الأجمل أن لا يعي هذا الجمهور ، و أن يظلا على هذه "الأرض المجهولة" برزخا لا يبغيان .


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *