المماليك هم الهدية الإلهية
المماليك هم عرب من أصول غير عربية
هم أبناء بلادنا ضحوا
بأرواحهم لأجلها وأنقذوها وعمروها.
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
لقد كانت العروبة ما
قبل الإسلام هي عبارة عن المنتمين إلى القبائل العربية والحضارات العربية القديمة،
ولكن بعد الإسلام تطورت العروبة من رابطة الأصل والدم إلى رابطة لغوية ثقافية
واسعة جذبت كل من يريد العلم أو المجد ليصبح جزءا منها.
ولكن في الفترة الأخيرة
بلينا بعدد ممن يدعي العروبة والعروبة منه براء، ويسعى لأن يغير مفاهيم وقواعد
حققت العروبة مجدها بها، فتراه ينزع العروبة عن رجال علم وسياسة لمجرد أن أصولهم
غير عربية رغم أن ولائهم للعرب وأرض العرب، ومتجاهلين أن رجال العلم كان كل نتاجهم
العلمي باللغة العربية، ورجال السياسة لغتهم ومراسلاتهم ودواوينهم باللغة العربية.
ويقومون بسحب هذه
النظرية الخاطئة حتى على المماليك، وإذا رجعنا إلى نشأة المماليك سنجد أنه تم
إحضار أغلبهم إلى مصر وهم أطفال صغار، وتم تجميعهم إما في جزيرة الروضة أو في
أبراج القلعة، وتم تعليمهم الفنون العسكرية والدين واللغة العربية والشعر العربي،
فأصبح أغلبهم لا يعرف لغة غير العربية ولا يعرف وطنا إلا مصر والشام.
وحينما جاء الطوفان
المغولي تتساقط أمامهم البلاد كأحجار الدومينو، كان المماليك هم الهدية الإلهية
الذين أنقذوا أمتنا وكان لهم الدور الأكبر في وقف الزحف المغولي في معركة عين
جالوت عام 1260 ميلادي، بل وتحرير الشام بأسرها من إحتلالهم، ومن ثم تبع ذلك بأن
أعادوا التاج لأمتنا حينما بايعوا خليفة عربي عباسي قرشي لتعود الخلافة من بعد
إنقطاعها، وإتخذوا من إسم الدولة العباسية إسما رسميا يكتب على النقود والمراسلات
والخطب.
وكذلك تمت هيكلة الدولة
التي خرجت من كارثة المغول، وإزدهرت في عهدهم بناء المساجد والمدارس والأسوار بنمط
معماري رائع ومميز، ولذلك نجد اليوم مدننا غنية بهذا الإرث التاريخي، ونحن حينما
نتجول في القدس أو القاهرة أو دمشق وحلب ونرى كمية المباني المملوكية نشعر بمدى
إنتماء المماليك لبلادنا.
وأما بخصوص نهاية
المماليك فبالنسبة لي لا أعتبر أن نهاية المماليك كانت بغزو السلطان العثماني سليم
للشام ومصر، بل أعتبرها حينما قام المماليك بأكبر غلطة وسلبية وهي إحضارهم لل
"المماليك الجلبان"، وقد كان هذا خطأ كارثي قضى عليهم ونشر كره الناس
لهم، حيث أن المماليك الجلبان هم مماليك تم جلبهم وإستئجارهم وهم كبار ليعملوا
كمرتزقة، وبهذا دمرت العملية التربوية التي إعتمدها المماليك لقرون.
وإنتشر بين العرب أناس
أغراب لا يعرفون لغتهم ولا يوالوهم، وبل أيضا مستعدين لنهب الأسواق في حال لو لم
يقضبوا رواتبهم، وانتشر الظلم والفساد، وكان الجلبان أول من خان المماليك وانضموا
للسلطان سليم، لتكون نهاية المماليك على يدهم وليس على يد سليم.
واليوم إذا نظرنا
للعائلات في بلادنا العربية سنجد أن العديد منها تعود أصولها إلى المماليك، ولا
نستطيع أن نفرق بينهم وبين غيرهم من الأسر العربية، وحتى سنجد أن أغلبهم لا يعرف
أنه يعود للمماليك بصلة، فهل يجوز أن نعتمد مصطلع عروبي يقسم مجتمعاتنا ويدمرها من
الداخل بدل من أن يوحدها.
ومن الأدلة أيضا على
عروبة المماليك وإنتمائهم لها هو أن منهم شعراء وفقهاء ومؤرخين أثروا العروبة
بإبداعاتهم.
فمثلا السلطان المملوكي
قانصوه الغوري له قصائد بالعربية أورد جزء منها راغب الطباخ في كتابه "تاريخ
حلب".
ومنها
بالمُلْك أنعمَ ربُّنا
الرحمن و هو الكريمُ المنعمُ المنّانُ
فله علينا الشكرُ حقٌّ
واجبٌ يقضيه قلبٌ مخلصٌ ولسانُ
وكذلك السلطان المملوكي
قايتباي يقول عنه ابن إياس:
وكان لا يملّ من
المطالعة في الكتب، وله أذكار وأوراد تُتلى في المساجد، وميلٌ وحبٌّ في المتصوّفة
وله نتاج شعري مكتوب بالعربيّة ومجموعة من الموشّحات والأذكار الصوفيّة.
والشاعر الأمير علاء
الدين الطنبُغا يقول عنه ابن تغري من أبرز من اتقن الشعر العربي
والسلطان المؤيّد شيخ
الذي درس "صحيح البخاري" عن سراج الدين البلقيني
وممن اشتهر بعقد مجالس
السماع أيضاً في منزله، الأمير سيف الدين تنكز الحسامي
وأما الأمير سنجر
المنصوري (تـ745هـ - 1344م)، نائب السلطنة على حماة في عهد السلطان الصالح
إسماعيل، فأجمع كلّ من ترجم له أنه سمع وروى الأحاديث، وروى مسند الشافعي، وكان
يفتي وتُمهر الفتاوى بتوقيعه، وخرّج له الحافظ علم الدين البرزالي (تـ739هـ -
1338م) 40 حديثاً
وأيضا الأمير سنجر
الدوداري (تـ699هـ - 1299م)، الذي تولّى منصب "مشد الدواوين" بدمشق، ثم
في القاهرة، والذي سمع الكثير من المتون ورواها وحدّث بها، مثل "دلائل
النبوّة" للبيهقي، و"الإشارة" في الفقه لسليم الرازي. كما روى
الحديث وخرَّج له البرزالي "معجماً" في 14 جزءاً.
والأمير تَغْري بَرْمَش
الجَلالي (تـ852هـ 1448م) كان نائباً للسلطان الظاهر جَقمَق، لقب بـ المُحدّث،
وعرف أيضاً بالفقيه
وكذلك أولاد المماليك
وأحفادهم الذين ولدوا في بلاد العرب، ونشأوا على اللسان العربي، وسُمّوا بأسماء عربيّة،
عُرف منهم مؤرّخون وأدباء وعلماء حديث وفقه.
ومن أشهر مؤرّخيهم:
يوسف بن تغري بردي، ابن أيبك الدواداري، ابن إياس الحنفي، وابن دقماق، ابن أيبك
الصفدي.
وممن برز منهم في علوم
الحديث والفقه: علاء الدين مُغلَطاي بن قَلِيج، خليل بن كَيْكَلدي بن عبد الله
العلائي، ضيغم بن قراقسنقر بن عبد الله الداودي. وهؤلاء احترفوا العلم ولم يكن لهم
شغل سواه.
وبعد كل هذا يأتيك
إنسان سطحي ليقول أن المماليك ليسوا عرب.
*****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري