اقرأ ايضاً

الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (19)

فريق ألفا تيم - مارس 25 2025

(أياس) قوى التدمير و النمو

فريق ألفا تيم - مارس 25 2025

خذلان

فريق ألفا تيم - مارس 22 2025
جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك إنتل

 

(أياس) قوى التدمير و النمو

العقيد بن دحو

العقيد بن دحو

%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%20%D8%A8%D9%86%20%D8%AF%D8%AD%D9%88

قيما كان يملي علينا (أياس) أو يسمى (أجاكس) رغباتنا الطفولية ، كنا نجلس في هلع آسر ساحر ، مستسلمين لقضاء و قدر النص. ذاك القضاء الذي يخضع البطل لمشيئته لا حول و لا قوة له ، بينما الباقي يرزح تحت مظلة التكفير و التطهير "الكاتارسيزي" Catharsis ، يكتفي بالتأسي و الحزن ، لا يتركه الشاعر يغادر صالة العرض المسرحي إلا و قد تطهر من أدران انفعالات النفس.

و اذا كانت البشر في حاجة الى نظافة البدن بالإستحمام يوميا ، و اذا كان الذهن البشري في حاجة الى تنظيف يوميا وفق وضعه في حالة تفكير ، ابداع / خلق ، و محاكمة فردانية او جماعية (العصف الذهني) ، من حيث الحظ يحالف الذهن المستعد (باستور) أو وفق مبدأ (أنا لا أبحث أنا أجد ) فإن النفس البشرية الثواقة في حاجة الى حمام مائي معدني . ينطبق عليها ما ينطبق على شروط الإستحمام الجمعي أو الفردي  ، و هذا ما يسمى عند (ارسطو) في كتابه (فن الشعر) بمسمى " التطهير أو التكفير" ؛ التكفير عن اثم اقترفه البطل ، كأن يلجأ الى محاكمة تفسه بنفسه .

 عندما لم يجد من يحاكمه كما هو الشان في (اوديبوس ملكا) فقأ عيناه حتى العمى الفيزيولوجي الكامل - تعمى القلوب و لا تعمى الأبصار - او كما هو الشأن في حالة (إلكترا) سجنت نفسها بغرفة مظلمة بلا ابواب و لا نوافذ ، تطوقها القتامة من كل جانب.

كذاك الشخص الذي نصب خيمته بالظلام لأن بالداخل أقل قتامة  !.

 حبست نفسها حتى الموت . كونها لم تجد من يحاكمها حسب قول (لافينيا مانون) في نهاية " الحداد يليق بإلكترا" .

هو نفس الحالة تنطبق على البطل (أياس)

تعود قصة (أياس) بن تليمون الى الشاعر الدرامي التراجيدي صوفوكل. حارب أياس مع أثينا في مواقع كثيرة ضد طروادة و فاز بها بالغالب الاعم.

و لما كان سلاح (أخبل) لأعظم شانا و أقوى الأبطال شكيمة و اجلهم بأسا جائزة للأحسن و للأفضل ، فاز بها غريمه نبتوليم ، فلم يستطيع أن يتحمل هذا ففقد عقله و جن جنونه. عمدت الآلهة أن تفقد بصيرته فانحى على ما كان في حظائر اليونان و ما لها من ثيرة و ماشية فانزل فيها دبحا و تقتيلا بنفس السيف الذي شهدا معا النصر و الضفر في امكنة و ازمنة كثيرة مختلفة.

و لما انفلج الصبح و النهار من الليل استردت اليه الآلهة بصره و بصيرته ،  لاحظ بأم عيناه ما أقترفت يداه من جرم و بلاء في حق ماكان في حظائر اليونان من ماشية وديعة بريئة استخزى الفعل و قتل نفسه بنفس السيف !

في هذا الأثر الأغريقي يلتمس الناقد الباحث الدرامي التراجيدي سهولة ما يلعبه و يتلاعب به القضاء و القدر.

فالبطل أياس او / أجاكس ليس بالشخص العادي و لا بالبطل العادي و انما الرجل فارسا ؛ يشهد له العدو قبل الصديق من آلهة و بشر و أنصاف آلهة بالمُثل و النُبل و العفة و الشجاعة و الكرم.

هو يرى ان الجائزة أ ولى بها ، و لا سيما ان كانت موسومة بإسم رجل عظيم (أخيل).

الجمهور من جهته متعاطف معه ، غير أنه مجبر لا بطل بإتباع المسطرة التي سطرها له القضاء و القدر سلفا و كذا التراجيديا أن يظل الجمهور هكذا يكتفي بالبكاء و الحسرة و الألم على المآل الذي آل اليه البطل . و في حين كان المؤلف يبني و يشيد هذا الصرح البناء الدرامي التراجيدي كان و كأنه يمسك بمطرقة (نيتشه)  يهدم ما بناه و شيّده.

يعاقب هذا و يكرم ذاك على حساب هذا و العكس  بلا حساب و لا عقاب ، و مادامت الحصانة الدينية و السياسية ملكا يمينة ؛ اذ كل الوحدات ثوابث تصب في محور القضاء و الفدر التي تدور عليه كافة احداث الفعل الدرامي. نن جهة أخرى  اللغة و الدين تحصيل حاصل ، طرفان متلازمان في قضية واحدة تتأثران بالجمهور ، لكن الجمهور مقيدا بمذهب القيود هذا (الاخلاق) ، ما عليه إلا التآزر و التأسي ، و البكاء دون ان يبدي موقفا من هذا البطل او ذاك.

و لعل الجوقة او / الكورس استخدامه كدواء كاذب كيما ينسى المريض ألمه ، اوجاعه ، أناته الى حين ، تنشد كما هو كائن موجود و ليس كما يجب ان يكون !

لهذا لا غرو ان قلل صوفوكليس من شأنها و اعتبرها فاصلا مستقطعا موسيقيا او غنائيا ما بين المشاهد او القصول ، تقوم مقام (الستارة) أيامنا هذه بالمسرح الجديث.

و مع الأيام و التقدم الثقافي و الحضاري للمسرح أستطاع الإجتهاد الفكري للباحثين و النقاد و كذا شعراء الدراما التخلص نهائيا من التضخم البشري ، من  منشدين وراقصين على الركح المسرحي. اذ عوّضت هذا العدد الهائل من الكورس الذي كان يمثل الشعب بممثل او اثنين و على اقصى حد ثلاثة ممثلين.

كانت هذه الفكرة مهمة جدا اذ انتقلت الى النزعة الأديية ، أدت الى انفصال الأدب عن المجتمع ، أي لم يعد الادب عموما يمتاز بالظاهرة الإجتماعية ، كما لم يعد الشاعر الدرامي أسيرا و مقيدا بمذهب او مدرسة فنية معينة ؛ بل صار لكل (شاعر) مذهبه الخاص.

بطبيعة الحال ادت هذه الثورة في حقل المسرح أدبا و فنا و تقنية الى تغيير على مستوى مغهوم (الجمهور) شريكا فاعلا في البناء الدرامي الحديث ، حتى ان كانت أصوله مستمدة من ينابيع الفكر الكلاسيكي فيه : (في مكان واحد و في زمان واحد يتم فعل واحد لرجل واحد ).

هذا كله يؤدي بنا الى مفهوم آخر ان الأثار الاغريقية لا تجب ما قبلها ، لا يمكن ادراكها و الإلقاء عليها دون أن تقرأ جيدا ما قبلها و ما بعدها ، كونها أثارا أديية فنية فكرية شيّدت و بنيّت معالمها الحضارية المادية و الروحية بالتراكم و الإضافات. بمعنى كان يأتي كل شاعر يضيف على ما ابدعه و انتحه الذي قبله و هكذا دواليك.....

لذا يشكك الدارسون على سبيل المثل لا الحصر في اشعار هوميروس الملحمية أن يكون شاعرا واحدا بمفرده أبدع كل هذه الروائع الخالدات في زمان هو كل زمان و في مكان هو كل مكان.

في حين كان صوفوكليس يهدم و يطرق كل حجارة (عظام الأرض) في جبل اجاكس الشامخ الشهم الأشم ، كل حجارة تسقط برؤى الحجوم و النسبة و التناسب تحت أقدام تمثال أياس المقدس.

كان لا بد :

- ان ينزل أياس و يغلب.

- ان يحرم من الجائزة

- أن يُجن و يفقد عقله

- ان يخذله الجميع آلهة و بشر ، و يترك وحيدا في مهب رياح القضاء و القدر

- اقترف الجريمة في حق ماكان في حظيرة اليونان.

- اخيرا قتل نفسه !

كل هذا الدمار الذي لحق بمقام تمثال أياس لتسطع على طرفي نقيض الفضيلة.

ذاك أن العبقرية مقرونة بالمرض ، بالجنون ، جنون الهدم اولا ثم من خلال هذا الركام يتم البناء كجددا.

العظمة تتم كلما تم حرق طائر الفنيق بُعث من جديد محلقا بأجنحة أبعد منه في ملكوة الإبداع

مرددا الإبداع لعبة الله ؛

و الحب وطن الحلول.

يبقى أن نقول اخيرا : ما القضاء و القدر الدرامي الذي بتدخل في مشيئة البطل ، ما هو الا الاجهزة القمعية في نطام دكتاتوري شعاره:

لا اسمعكم إلا ما أسمع

 و أريكم إلا ما ارى !

اجهزة تقوم بتعطيل الحواس الخمس الشعوب ، و تقوم بالإنابة عنها ، تتزوج بداا عنه ، تفرح بداا عنه ، تسعد بدبا عنه ، و حدها تعيش بداا عنه..الدكتاتوري لا يعرف علاقات انسانية ، علاقاته أن يحول البشر الذي يتحكم فيه الى ملفات وارقام ؛ و كذاك بغعل القضاء و القدر في أسطورتي الهدم و البناء عند سؤال : هل أياس مجرما ام مجنونا !؟


***********************


***********************

اكتب تعليقاً

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *