الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور
"الخليفة المؤسس".
-
-
نشأته.
-
ولد المنصور في الحميمة
من أرض الشراه من البلقاء الواقعة في الشام في جنوب الأردن تحديدًا في صفر في عام
95 هـ في تاريخ 714/08/30م، ونشأ بها ثم ارتحل إلى الكوفة مع عائلته بعد أن ألقى
مروان بن محمد القبض على أخيه إبراهيم الإمام.
-
قبل الخلافة.
-
ساعد أخاه أبا العباس
السفاح في الثورة العباسية وتثبيت اركان الدولة العباسية، وقد ولاه السفاح أرمينية
وأذربيجان والجزيرة الفراتية، وأيضًا استعان به في إخماد الثورات التي قامت عليهم
في بدايات الدولة العباسية.
-
تولي الخلافة.
-
عهد له السفاح بالخلافة
من بعده، وبعد وفاة السفاح في أواخر عام 136 هـ الموافق 754م أصبح المنصور هو
الخليفة، حيث اتاه خبر توليه الخلافة اثناء وجوده في مكة المكرمة حيث حج سنتها،
وقد حاول ابو مسلم الخرساني مبايعة غيره ولكن مسعاه فشل، وكان عمر المنصور forty one عاما.
-
صفات المنصور.
-
كان أبو جعفر المنصور
فحل بنى العباس هيبة وجبروتا، وكان يلبس الخشن، ويرقع القميص ورعًا وزهدًا وتقوى،
ولم يُرَ في بيته أبدًا لهو ولعب أو ما يشبه اللهو واللعب. ولم يقف ببابه الشعراء
لعدم وصله لهم بالأعطيات كما كان يفعل غيره من الخلفاء. وهو من أعظم رجال بني
العباس فقد كان في خلقه الجد والصرامة والبعد عن اللهو والترف. فقد اتصف بالشدة
والبأس واليقظة والحزم والصلاح والاهتمام بمصالح الرعية وعرف بالثبات عند الشدائد
ولاشك بأن هذه الصفة كانت من بين أبرز الصفات التي كفلت له النجاح في حكم الدولة
العباسية.
-
الإنفاق.
-
امتلأت بالأموال
خزائنه، ولم يكن المنصور يعطي الشعراء تلك العطايا البالغة حد السرف وإنما كانت
أعطياته أرزاق العمال أيام المنصور three hundred درهم ولم يزل الأمر على ذلك
إلى أيام المأمون.
-
القضاء على تمرد عمه.
-
كان عمه عبد الله بن
علي يطمع في الخلافة بعد أبي العباس، حيث كان له دور عظيم في نجاح الثورة العباسية
وهو من هزم اخر الخلفاء الامويين مروان بن محمد في معركة زاب، ولما بويع المنصور
لم يوافق على ذلك، فخرج على المنصور في بلاد الشام، فأرسل له المنصور جيشا بقيادة
أبي مسلم الخراساني الذي استطاع إلحاق الهزيمة به، وهرب عبد الله، وبقي متخفيا،
حتى ظفر به المنصور وسجنه، فمات في السجن.
-
القضاء على ابو مسلم
الخرساني.
-
بدأ الجو يصفو لأبى
جعفر بعد هزيمة عمه " عبد الله في الشام إلا من الإزعاج الذي كان يسببه له
أبو مسلم الخراسانى؛ وبسبب مكانته القوية في نفوس أتباعه، ورفضه المستمر للخضوع
له؛ فأبو مسلم يشتد يومًا بعد يوم، وساعده يقوى، وكلمته تعلو، وخاف ان يستقل
بالبلاد التي تولاها، وهنا فكر المنصور جديّا في التخلص منه، وقد حصل له ما أراد،
فأرسل إلى أبى مسلم حتى يخبره أن الخليفة ولاه على مصر، و بهذا يكون اقرب من
الخليفة وأمام عينيه وبعيدًا عن خرسان حيث شيعته وموطن رأسه.
إلا أن أبا مسلم أظهر سوء نيته، وخرج على طاعة
إمامه، ونقض البيعة، ولم يستجب لنصيحة أحد، فأغراه المنصور حتى قدم إليه في
العراق، فقتله في سنة 137 هـ/ 756 م، ولأن مقتل رجل كأبى مسلم الخراسانى قد يثير
جدلا كبيرًا، فقد خطب المنصور مبينًا حقيقة الموقف، قال: "أيها الناس، لا
تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في
ضياء الحق، إن أبا مسلم أحسن مبتدئًا وأساء معقبًا، فأخذ من الناس بنا أكثر مما
أعطانا، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لو
علمه اللائم لنا فيه لعذرنا في قتله، وعنفنا في إمهالنا، فما زال ينقض بيعته،
ويخفر ذمته حيث أحل لنا عقوبته، وأباح لنا في دمه، فحكمنا فيه حكمه لنا في غيره، ممن
شق العصا، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه.
-
بناء بغداد.
-
بنى الخليفة أبو جعفر
المنصور مدينة بغداد غرب نهر دجلة على شكل دائرة وأطلق عليها اسم مدينة السلام أو
دار السلام وتم بناء المدينة في أربع سنوات من (149-a hundred forty five) على شكل
دائرة يحيط بها سور يسمى السور الأعظم واربع بوابات البوابة الأولى تسمى باب الشام
التي تقود إلى بلاد الشام والبوابة الثانية تسمى باب الكوفة التي تقود إلى محافظة
الكوفة والبوابة الثالثة تسمى باب البصرة التي تقود إلى محافظة البصرة والبوابة
الرابعة باب خراسان الذي يقود إلى الفارسيين أو دولة إيران وداخل المدينة كان هناك
جامع المنصور الذي كان مربع الشكل ودواوين الحكومة ومساكن الناس والجيش. ونشطت
الحركة العلمية حيث وصلت الحضارة العباسية إلى أوج عظمتها فكان هناك عدداً من
العلماء منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي اشتهر بعلوم النحو وعلوم العروض
(لمعرفة نظام الشعر وأوزانه) والقاضي أبو يوسف في علم الفقه والمسعودي في
الجغرافية واليعقوبي ويبرز جابر بن حيان في الكيمياء وابتكروا الإسطرلاب لرصد حركة
النجوم والكواكب وحنين بن إسحاق ومعظم من إفراد أسرته في اللغة والأدب وكان حنين
يشرف على أهم مكتبة في عهد المأمون وهي مكتبة بيت الحكمة فأصبحت بغداد أكبر مركز
علمي وثقافي آنذاك يقصدها طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم للدراسة في مدارسها
وجامعاتها مثل المدرسة المستنصرية.
-
تمرد سنباذ المجوسي.
-
كان ممن غضب لمقتل أبى
مسلم الخراسانى، رجل مجوسى اسمه "سُنباذ"، فثار والتف حوله الكثيرون من
أهل خرسان، فهجموا على ديار المسلمين في نيسابور و"قومس"
و"الري"، فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا النساء، ثم تبجحوا،
فقالوا: إنهم عامدون لهدم الكعبة، فأرسل إليهم المنصور جيشًا بقيادة جمهور بن مرار
العجلي، فهزمهم واستردَّ الأموال والسبايا، ولا يكاد أبو جعفر يتخلص من
"سنباد" سنة 137 هـ/ 756 م، حتى واجه ثائرًا ينادى بخلع المنصور، إنه
"جمهور بن مرار العجلي" قائد جيوش المنصور التي هزمت "سنباد".
-
انقلاب جمهور العجلي.
-
لما هزم
"جمهور" سنباد، واسترد الأموال، كانت خزائن أبى مسلم الخراسانى من
بينها، فطمع "جمهور"، فلم يرسل المال إلى الخليفة المنصور، بل ونقض
البيعة ونادى بخلع المنصور، فماذا كان؟ أرسل المنصور القائد الشجاع "محمد بن
الأشعث" على رأس جيش عظيم، فهزم "جمهورًا" الذي فر هاربًا إلى "أذربيجان"،
وكانت الموقعة في سنة 137 هـ/ 756 م.
-
تمرد الخوارج
-
ثورات متتالية كانت
تهدد الحياة وتحول دون الاستقرار والأمن في بداية حكم العباسيين. منها ثورات
للخوارج الذين أصبحوا مصدر إزعاج للدولة العباسية. لقد خرج آنذاك "مُلَبّد بن
حرملة الشيباني" في ألف من أتباعه بالجزيرة من العراق، وانضم إليه الكثيرون،
فغلب بلادًا كثيرة، إلى أن تمكنت جيوش المنصور بقيادة خازم بن خزيمة من هزيمته في
سنة 138 هـ/ 757 م. وتحرك الخوارج مرة ثانية في خلافة المنصور سنة 148 هـ بالموصل
تحت قيادة "حسا بن مجالد الهمداني"، إلا أن خروجه هو الآخر قد باء
بالفشل.
-
القضاء على زنادقة
يعبدون المنصور.
-
واجه الخليفة المنصور
العباسي ثورات منحرفة لطوائف أخرى، ففى سنة 141 هـ/ 759 م. واجه المنصور ثورة
طائفة من الزنادقة يقال لها "الراوندية" ينتسبون إلى قرية
"راوند" يؤمنون بتناسخ الأرواح، ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى واحد
يسمى "عثمان بن نهيك" وأن جبريل هو الهيثم بن معاوية -رجل من بينهم-، بل
لقد خرجوا عن الإسلام زاعمين أن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو "أبو جعفر
المنصور"، فراحوا يطوفون بقصره قائلين: هذا قصر ربنا. ولم يكن ينفع هؤلاء إلا
القتال، فقاتلهم المنصور حتى قضى عليهم جميعًا بالكوفة.
-
تمرد النفس الزكية.
-
من أخطر الثورات التي
واجهت المنصور خروج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على، من سويقة المدينة
(سويقة الثائرة) وكان من أشراف بنى هاشم علمًا ومكانة، وكان يلقب بـ "النفس
الزكية" ولما تولى المنصور الخلافة لم يبايعه النفس الزكية واختفى فلم يكن
للمنصور إلا طلب محمد النفس الزكية هذا خشية تمرده.
وهنا خرج
"محمد" النفس الزكية بالمدينة سنة a hundred forty five هـ/763 م،
وبويع له في كثير من الأمصار. وخرج أخوه "إبراهيم" بالبصرة، واجتمع معه
كثير من الفقهاء، وغلب أتباعه على"واسط" و"الكوفة"، وشارك في
هذه الثورة كثير من الأتباع من كل الطوائف.
بعث المنصور إلى "
محمد النفس الزكية" يعرض عليه الأمن والأمان له ولأولاده وإخوته مع توفير ما
يلزم له من المال، ويرد "محمد" بأن على المنصور أن يحكم بدين الله ولا
يمكن شراء المؤمن بالمال. وكانت المواجهة العسكرية هي الحل بعد فشل المكاتبات،
واستطاعت جيوش أبى جعفر أن تهزم "النفس الزكية" بالمدينة وتقتله، وتم
القضاء على أتباع إبراهيم في قرية قريبة من الكوفة وقتلهم
-
ثورة الكافر.
-
في سنة a hundred and
fifty هـ خرج أحد المتمردين ببلاد خراسان واستولى على أكثرها، وانضم له
أكثر من ثلاثمائة ألف، وقتلوا خلقًا كثيرًا من المسلمين، وهزموا الجيوش في تلك
البلاد، ونشروا الفساد هنا وهناك، فبعث أبو جعفر المنصور بجيش قوامه أربعون ألفا
بقيادة "خازم بن خزيمة"، الذي قضى على هؤلاء الخارجين، ونشر الأمن
والاستقرار في ربوع خراسان.
-
النهضة الاقتصادية.
-
مع اهتمام المنصور
بالزراعة والصناعة وتشجيعه لأصحاب المهن والصناعات، وتأمينه خطوط التجارة والملاحة
في الخليج العربي حتى الصين من خطر القراصنة الذين كانوا يقطعون طرق التجارة،
ويقتلون التجار، ويستولون على الأموال، وراح قُواده يؤدبون هؤلاء اللصوص. وكثيرًا
ما يعود قواده من الغزو في البحر بالغنائم والأسرى حتى أنقطعت القرصنة بعد عام 153
هـ، 770 م.
-
بيت الحكمة.
-
من الأعمال الجليلة
التي تُذكر للمنصور عنايته بنشر العلوم المختلفة، ورعايته للعلماء من المسلمين
وغيرهم، وقيامه بإنشاء "بيت الحكمة" في قصر الخلافة ببغداد، وإشرافه
عليه بنفسه، ليكون مركزًا للترجمة إلى اللغة العربية. ولكن المؤسس الحقيقى لبيت
الحكمة كمكتبة عالمية هو الخليفة العالم المأمون وفعل مثل ما فعل أبو جعفر المنصور
وأبوه هارون الرشيد، وقد أرسل أبو جعفر إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض كتب اليونان
فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، فقام نفر من المترجمين بنقلها
إلى العربية.
-
الاوضاع الخارجية.
-
تم في عهده إعادة فتح
مدينة طبرستان عام 141 هـ، 759 م، في بلاد ما وراء النهر.
وأعطى المنصور اهتماماً
بالغاً بجهة الشمال؛ فأمر بإقامة التحصينات والرباطات على حدود بلاد الروم. وكانت
الغزوات المتتابعة سبباً في أن ملك الروم راح يطلب الصلح، ويقدم الجزية صاغرًا سنة
155 هـ، 772 م. وقام المنصور بحملة تأديبية على جزيرة قبرص في البحر الأبيض
المتوسط، أثر قيام أهلها بمساعدة جيش الروم، ونقضهم العهد الذي أخذوه على أنفسهم
يوم أن فتح المسلمون جزيرة قبرص.
-
وفاته.
-
ذهب الخليفة المنصور
للحج عام 158 هـ، 775 م، وكان ابنه محمد "المهدي" قد خرج ليشيعه في حجه،
فأوصاه بإعطاء الجند والناس حقهم وأرزاقهم ومرتباتهم، وأن يحسن إلى الناس، ويحفظ
الثغور، ويسدد دينًا كان عليه مقداره ثلاثمائة ألف درهم، كما أوصاه برعاية إخوته
الصغار، وقال: إنني تركت خزانة بيت مال المسلمين عامرة، فيها ما يكفى عطاء الجند
ونفقات الناس لمدة عشر سنوات. مرض المنصور في الطريق، ونزل قرية قد افرغها سيدها
من اهلها وقرا على الجدار ا ابيات شعر فيها علامة على وفاته:
أبـا جـعــفر حـانت
وفـاتـك وانقضت سنوك وأمر الله لابد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو
منجم لك اليوم من حر المنية مانع
وامر حاجبه الربيع بن
يونس ان يدخل ويقرا فدخل ولم يجد شيئا ودخل خلفه المنصور فلم يجد شيئا وراح يتلمس
الجدار الذي كان قد قرا عليه الابيات، فعلم في نفسه بوفاته وكتب لابنه المهدي بعض
الوصايا. وقبل أن يدخل مكة توفي على أبوابها في تاريخ في 775/10/07 ميلادي.
*******************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري.
*******************