نهاية الخلافة الراشدة
أخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الخلافة
بعد وفاته ستستمرّ لمدّة ثلاثين عاماً ثمّ يكون مُلكاً بعد ذلك، والمُتعارف عليه
في تاريخ المسلمين أنّ عليّاً رضي الله عنه هو رابع الخلفاء الراشدين وقد دامت
مدّة خلافته أربع سنين وتسعة أشهر تقريباً، ثمّ كان ابنه الحسن خليفةً للمسلمين
مدّة ستة أشهر فاكتملت الثلاثين سنة التي تحدّث عنها الرّسول صلّى الله عليه
وسلّم، ولكنْ مدّة خلافة الحسن بن عليّ -رضي الله عنه- كانت قصيرة، وبسبب كثرة
الخلافات والاضطرابات التي ظهرت في زمن خلافته، فإنّه لم يُشتهر عنه أنّه خامس
الخلفاء الراشدين، بل تأخّرت هذه الصفة حتى جاء الخليفة الأمويّ عمر بن عبد العزيز
فكان خليفةً عادلاً وورِعاً، فساد في فترة حكمه الرّخاء والعدل بين المسلمين وجدّد
فيهم سنّة الرّسول محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وطبّق الشّريعة بعدما حاد عنها
قليلا من سبقه من الخلفاء الأمويين، فشابه بذلك حكم الخلفاء الراشدين، فأُلحِق بهم
وأُطلق عليه لقب الخليفة الرّاشد الخامس ..
التعريف بخامس الخلفاء الرّاشدين :
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو حفص،
القرشيّ الأمويّ، وأمّه أمّ عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما،
ويُقال له: أشجّ بني مروان (كان يلعب في اسطبل أبيه فشج رأسه (تفجر بالعامية)
واصبحت عنده ندبة في وجهه لهذا يلقب هكذا ، كان حاكماً عادلاً زاهداً ورِعاً،
مُحبّاً للعلم والسنّة، واشتُهر بذلك منذ صغره عندما وُلي أبوه مصراً وكان هو حديث
السنّ فطلب منه أبيه أن ينتقل معه إلى مِصر فيسكنها، ولكنّه فضّل الإقامة في
المدينة المنوّرة ليأخذ العلم من فقهائها وعلمائها، فأرسله والده إلى المدينة
فتعلّم من شيوخها وتأدب بآدابهم، ورُوي أنّه كان من أحسن النّاس عِشّرةً وأعدلهم
سيرةً، وقد تجلّى ورعه عندما رفض ركوب مراكب الخلافة المجوّدة والمعدّة لذلك،
وإنّما بقي يستخدم مركوبه الخاص به، وكذلك زهِد عن سكن مساكن الخلفاء وبقي في
مسكنه الذي اعتاد عليه قبل تولّيه الخلافة، وكان له قميصاً واحداً يغسله ويمكث في
بيته حتى يجفّ ليخرج إلى النّاس،
• لمّا تولّى سليمان بن عبد الملك الخلافة عيّن عمر بن عبد العزيز مُستشاراً
وناصحاً له، ولمّا حضرت سليمان الوفاة أوصى بأن يكون عمر الخليفة من بعده؛ لِما
رأى منه من قدرةٍ على تولّي الحُكم، ورأى أيضاً صلاحه وتقواه، وكان عمر بن عبد
العزيز قبل ذلك وُلِي إمارة المدينة المنوّرة في عهد الوليد بن عبد الملك، ونشر
فيها العدل والأمن، وساد فيها الهدوء والاستقرار، وجدّد بناء المسجد النبويّ،
فأحبّه أهل المدينة لِما بدا لهم من حُسْن خلقه وإتقان عمله، وكان ذلك سبباً في
الوصاية بالخلافة له.
توليه الخلافة :
• لمّا دُفن الخليفة سليمان بن عبد الملك قُرّبت مراكب الخلافة من عمر بن عبد
العزيز ليركبها، فرفض ذلك وركب دابّته وتوجّه إلى المسجد وخطب بالنّاس قائلاً:
(أيّها النّاس إنّي قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان منّي فيه ولا مشورة من
المسلمين، وإنّي قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم)، فصاح النّاس
برغبتهم في خلافته، فأوصاهم بتقوى الله -عزّ وجلّ- وأخبرهم بأنّه رجلٌ منهم وبأنّه
أثقلهم حِملاً.
• أبرز إنجازات عمر بن عبد العزيز
حقّق الخليفة عمر بن
عبد العزيز عدّة نجاحات في كثير من أمور الدّولة خلال مدّة خلافته - منها : نجاح
السياسة الماليّة، فقد حرص عمر بن عبد العزيز على الأمور الماليّة للدّولة
الإسلاميّة، فلم يُتصرّف بالمال العامّ إلّا عند الحاجة وكان التصرّف بدقّة عالية،
ونجحت ساسيته الماليّة حتى فاضت أموال الدّولة وعاش المسلمون برخاءٍ وراحةٍ، فاستطاع
عمر بن عبد العزيز أن يعيّن لكلّ شخص أعمى مُرافقاً يقوده ويخدمه، ولكلّ شخصين
مريضين مُعيناً لهما يقضي حوائجهما، ولكلّ خمسة أيتام خادماً يعاونهم في شؤونهم
، كما أنّه قضى
الدَّيْن عن الغارمين، وفكّ رِقاب الأسرى، وجعل رواتب للعلماء وطلاب العلم
والمؤذنين، وأعان من يريد الزّواج، وتدوين السّنّة النبوية - ويُعدّ تدوين السنّة
من أهمّ الأعمال التي قام بها الخليفة عمر بن عبد العزيز، حيث كتب إلى علماء
الأمصار بأن يجمعوا الأحاديث التي دوّنوها ليجمعوها في دفاتر لتُحفظ من النّسيان
والضياع، فجُمعت في دفاتر ووزّعت على أراضي الدّولة الإسلاميّة، فبوّبت السنّة
وصنّفت وحُفظت، وظهرت المصنّفات الكبرى الخاصّة بالسّنة النبويّة وتنوّعت مناهجها.
• من مناقبه وورعه : عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة كان منعّماً ولكنّه تجرّد
من كلّ نِعم الدنيا وزَهِد فيها بعد تولّيه الخلافة، فقد رُوي أنّ أحدهم رآه قبل
الخلافة يطوف بالكعبة وحُجْزة إزاره غائبة في ثنايا بطنه؛ أي أنّه كان سميناً،
وعندما أصبح خليفةً للمسلمين أصبح نحيفاً جداً،
• اشتهى مرة عنبا فطلب من زوجته مالاً، فلم تجد زوجته مالاً في بيته ،
فتعجّبت من أمره كيف أنّه خليفةً ولا يوجد في بيته مال، فأجابها بأنّ ذلك خيراً من
الأغلال التي ستُوضع في يديه يوم القيامة
• كان عمر بن عبد العزيز يشتري أجود أنواع العطور وأجملها رِيحاً، وكان
النّاس يتسابقون ليغسلوا ملابسهم مع ملابسه لجمال رائحة عطوره، وعندما أصبح خليفةً
للمسلمين استغنى عن العطور كلّها وبدّل ناعم الملابس بالخشن وثوب واحد زهدا و تقوى ...
• وفاته :
ّ الراجِح أنَّه
مرِض بعد أن وضع له خادمه السّم في شرابِه بتحريضٍ من بعض امراء بني أميَّة الذين
لم يقبلوا بالتضييق المفروض عليهم من طرف الخليفة في إهدار المال العام ، وقد
أحسَّ به عمر فور أن شرِب ذلك الشراب المسموم ، ونادى عمر الغلام فيما بعد وقال
له: لم وضعت السم في شرابي؟؟، فرّد الغُلام مقابِل ألفَ دينارٍ والعِتق، فقال له
عمر: هاتِ الألف دينار ووضعها في بيت مال المسلمين وأعتقه ، وقال له اذهب إلى حيث
لا أحد يعرفك حتى لا تهلك، وقد توفّي عمر بعد عشرين يوماً من المرض بدير سمعان من
أرض المعرة بالشام، يوم الجمعة من رجب عام 101هـ
• تبوَّأ هذا الخليفة العادل التقي النقي مكانة سامقة في تاريخنا الإسلامي لم
ينلها إلا الأفذاذ بورعه وعدله وسماحته رحمه الله و جازاه الله عن خدمة الإسلام
خير الجزاء
المصادر ::
• البداية والنهاية للعلامة الحافظ ابن كثير رحمه الله، ج9
• سيرة ومناقب الخليفة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي
صل على المصطفى إذا
أتممت القراءة
❤
***********************
***********************