ولاة دون مستشارين
العقيد بن دحو
لطالما أعتبرت اليونان حاضرة الاغريق الحُكم " كنز" ، و أن الحكم
لم يخلق لرجل واحد. يوم كانت المدينة Polis بمعنى أحسن
معلم ذات حكامة ذاتيا ، سياسيا إجتماعيا
ثقافيا اقتصاديا ، و لكن إذا مسّ مكروه او خطب حرب بأحدها سرعان ما تتكتل هذه
المدن حول المدينة الأم (أثينا) و تصير تقوم ما نقوم به الدولة من واجب الدفاع
المدني و العسكري اتجاه خطب ما.
و مع التقدم الحضاري و الثقافي للأمم و الشعوب و تطور الدول و الامصار ، و
حتى يصير التحكم في سائر مقدرات الدولة جغرافيا و بيئيا و شعبيا ، صارت المدينة
ولاية او عمالة او محافظة أو امارة ، و صار الحاكم المعين اليها واليا او عامل
عمالة أو امير امارة او محافظا.
ما الوالي إلا موظفا لدى الدولة قائم باعمال تنفيذ مشاريعها و مخططاتها
في الولاية المعين بها او تلك. الوالي ليس
ملاكا و ليس شيطانا ؛ انما بشر و الخطأ اصيل بالذات البشرية ، يمكن التقليل منه
لكن لا يمكن القضاء عليه.
و مادامت هذه المسلمة ازلية فكل شيء ممكن.
صحيح الوالي تلقى تكوينات و عاش دوريات عديدة متعددة في سائر المجالات لا
سيما الإقتصادية و الإجتماعية.....
لكنه بالمقابل ليس دونكيشوط أو من ورث درع و سهام هرقل لا يقهر ، إن علم
شيئا فقد غابت عنه أشياء !
صحيح هو مزود بترسانة القوانين و بالعديد المجالس المعينة منها و المنتخبة
، و له سلطات تقديرية اخرى ، يمكنه ان يعود اليها متى احتاج اليها.
لكن ما يلاحظ من خلال العديد من التجارب الميدانية و اللقاءات العديدة و
كذا الخرجات (....) ، و رغم مجهوداته الفردانية البديعة الخلاقة في حاجة الى مستشار ؛ بل الى عدة مستشارين يعود اليهم من
حين الى آخر فليس دائما كل ما يلمع ذهبا !..
نظرة الناس الوالي ليست هي نظرته
الى ذاته المتواضعة عندما ينزل الناس مترجلا متواضعا بالأسواق و الشوارع و اماكن
العمل التكنوقراطية ان كان نكنوقراطيا عملاتيا بالميدان. الناس محليا ترى فيه هو الوزير ، و هو رئيس الحكومة / او الوزير
الاول ، بل هو رئيس الجمهورية ، يعتمد على دراسة الحالة (...) استشرافيا على المدى
البعيد اكثر منها شيء آخر ، ثم يقيسها وقق مقاييس و معايير تاريخية ، حتى لا يتكرر
المكرر و يجرب المجرب ، عندما يعود التاريخ مرة في شكل مأساة و مرة في شكل مسخرة !
صحيح نعلم تأثير السياسة في الجغرافية ، كما هو تماما ليس واليا في مدينة كبرى مثل الجزائر العاصمة
او وهران او قسنطينة او اي مدينة ساحلية - حيث الحضارة شُيّدت على شواطئ البحار
(بن خلدون) - كوالي في مدينة بأقصى الجنوب كأدرار او تندوف او تمنراست او اليزي
تبعد بألمئات الكيلومترات عم مركز القرار ااجزائر العاصمة..مما يتطلب جهودا بشرية
اضافية مالية و مادية.
ناهيك عن الوالي - شئنا أم أبينا- معرض لضغوطات جمة من لدن جماعة الدينية و الدنيوية ، و احيانا ان تكون هذه
المجالس و بعض عناصر المجتمع المدني اليه اكثر من ان تكون في صفه ، و عليه ؛ مما
تضطره أن يداريهم مادام في دارهم ، و ان يراضيهم مادام في أرضهم !
يضطر ان يستشير الشخص غير المناسب في الوقت الخطأ ، مما يلجأ الطرف (الآخر)
الذي يحب الخير للبلاد و العباد الى سمت الصمت ، مادام لم يدع و لم يطلب منه
رأيا...و تستمر الحالة الى أن يقع الفأس بالرأس ، لا تكن رأسا فإن الأوجاع بالرأس.
أختار الوالي أن يكون واليا بعد تعيينه لهذه المسؤولية العظيمة فالمسؤولية
تكليف و ليست تشريف ، ولما الأثنين معا !؟
مالك بن نبي يقول : أياك أن تترك مكانك لأشباه المثقفين !
عندئذ تصير المسؤولية واجبا قوميا وطنيا ، يعين السيد للوالي في ولاية من
الولايات و احيانا دون زاد معرفي و لا خبرة ثقافية اجتماعية عن الحيز الجغرافي
التاريخي الأنثربولوجي الذي يعمل فيه ، و هو في حاجة الى ابسط معلومة يمسك بها طرف
الخيط.
لو أن كل والي معين استشار قبل ان يتخذ قرار لما وصل اليه بعض ولاة امورنا
، كانوا يحسبون كل ابتسامة محبة ، و كل سجدة صلاة ، و كل ترتيل ورع ، و كل اغنية بلسان الملائكة و الأنبياء الى ما
وصلوا اليه.
الإنسان عالم صغير ، ميكيافلي بطبعه. اكثر ميكيافلية ، أكثر ماكلوهانية ،
الغاية عنده تبرر الوسيلة ، بل الغاية ذاتها عي الوسيلة. بتعبير شعبي من كان يحبك
اليوم سيكرهك غدا ان لم تلبى مطالبه و بتعبير شعبوي : الدنيا مع الواقف !
و مع هذا الجشع المرضي و التطفل العرضي يجد احيانا السيد الوالي وحيدا يغرد
خارج السرب لاسيما اذا واجه في مسيرة حياته المهنية الإدارية أناس مثل هؤلاء
(....) يورينه وجها من مئه وجه ، و يسمعونه قولا من مئة قول ، ينصبونه ملكا عليهم
و يجلسونه عرشا قبل ان يرتد طرفه ، لكن سرعان اذا ما عاد التاريخ يعودون ابراجهم
العاجية ينفضون ايديهم من موائد منكث الملك !
مستشار الوالي هو الحل الأنجع الأنجح ، تجعله في اريحية عن اي انتماء و في
منأى ضاغط . يرى و فق تفهمات الدولة و يقرأ و يكتب من ذاكرة المستقبل.
و ان الزمن لإله رحيم كما يقول الأغارقة.