أول نوفمبر1954 و (أونتجون) Antigone
العقيد بن دحو
" لبناء حضارة يلزمنا دائما تاريخ و الشييه للتاريخ ".
هذه العبارة تعود للمفكر و الناقد (مالرو).
و ما اشبه البارحة باليوم و التاريخ يعيد نفسه مرتين ، حيال قوى الخير و
قوى الشر..اليوم تمر على الجزائر و الجزائريين 70 سنة ، بمعدل جيلين و نيّف عن غرة
نوفمبر المبارك ، يوم قام الشعب الجزائري عن بكرة أبيه يجاهد بالنفس و النفيس في
سبيل استرداد حريته من براثن عدو استعماري استدماري غاشم ، احرق الاخضر و اليابس
من أجل أن تظل الجزائر مغلولة الى عنقها ، لكن كانت ارادة الله و عزيمة المجاهدين
بالنصر أقوى.
لست ادري دائما عندما نعيش ذكرى قومية وطنية مثل ذكرى نوفمبر ، اندلاع الثورة
الجزائرية المباركة سنة 1954
او ذكرى تاريخ استقلال الجزائر يوم 5 جويلية 1962 ، أو أي مناسبة أخرى
قومية وطنية إلا و اختلجتني عدة أسئلة ،
سرعان ما تؤرقني و تطفوا على السطح ، تدعوني للبحث و التمعن فيما منجز عبقرية
الاجداد و الأباء ، كابرا عن كابر ، ليس في تسعينيات القرن الماضي فحسب انما في
مجرى التاريخ و ما قبل التاريخ.
أسئلة تراودني في كل مرة : لماذا نضيق متسعا و ثورة الجزائر تتسع الجميع ؛
تجاوزت خطوط الجغرافيا و حتى التاريخ ، بل صارت حضارة و ثقافة و توعية
...تعبئة....وسلاح...و تنمية.
ثورتنا المباركة صارت معادلا للثروة لا تنضب سياسية اجتماعية اقتصادية
ثقافية.
لماذا نقتصرها في حدود المحلية و حتى الوطنية !؟
ثورة الجزائر و هي تواجه لوحدها أعتى انواع الإستعماري الأجنبي ، ليست
فرتسا فحسب و انما الحلف الاطلسي بترسانة أسلحته و عتاده و عدته الخفيفة و الثقيلة
و حتى الإستراتيجية منها الفيزيائية و الكيميائية لجديرة ان تصنف كأحد أقوى و أنبل
الثورات العالمية.
السؤال الثاني : ثورة الجزائر النوفمبرية كانت ايضا فكرية فنية ثقافية ،
تمسك بالحياة ثم تعيد توزيعها على الشعب عامة حسب قاعدة التوعية و عدالة القضية.
يوم مُثلت لأول مرة على خشبة ركح مسرح الجزائر ، مسرحية (أونتجون) /
(أونتجونا) Antigone للشاعر الإغريقي التمثيلي (صوفوكل) سنة 1953
. حينها الجمهور الجزائري كان قد اخذ فكرة عن مرامي المسرحية ، و عن خلفيتها و
مرجعيتها الفكرية النضالية ، و لما اعيدت عليه مشاهد المسرحية 1954 في أوج الثورة
الجزائرية ، تجلّت الثورة الجزائرية ضرورة حتمية فضجت الجماهير بالبكاء على تضحيات
أونتجون في سبيل الدفاع عن أخيها حيأ او ميتا ، و ما كاد يتم إسدال عن الستارة حتى
خرجت الجماهير غاضبة تكفكف دمعها معتبرة أونتجون الجزائر ، ليلتحق الجمع بصفوف
الثوار بالجبال و الاودية و السهول و الصحاري . عمّت الثورة و ألتقطها الشعب حتى
النصر.
العبرة ما اونتجون الا رمز و مؤشر عن مكون ثورة خلاقة مبدعة ، خطط و هندس
لها بأحكام فكان النجاح.
غير أني اريد أن نقول التاربخ عبرة حتى لا ننسى ، كما يجب ان لا نتوقف عنده
بسرد سرديات من ضحوا بالنفس و النفيس من اجل خلق هذه الثورة الثروة القومية
الوطنية في مسرد البطولات الخالدة ، لكن يجب أن نبحث عن "الشبيه
بالتاربخ" كما يقول علماء اغراض اللغة و نقاد الميثولوجية ، حتى يتم صناعة
حضارة من خلال تاريخنا المجيد و من خلال الشبيه بالتاربخ مثل "أونتجون"
التي ألهمت العديد من السعب الجزائري و ألتحقوا بصفوف الثوار.
في هذه الحالة عند من يستغل كل شيء لبناء حضارة ، تصبح أونتجون متحررة من
الورق ، و يصير شأنها شأن جميلات الجزائر من ضحين في سبيل ما نحن علبه اليوم من
نعم و حرية.
على غرار جميلة بوحيرد ، جميلة بوعزة ، جميلة بوباشا ، و سامية لخضاري.
ما الذي كان يضير أن نظهر وعينا القومي الوطني ، و عصفنا الذهني ، و نشير
للعالم اجمعين ان مجاهدين لم يكونوا (فلاڤة) بالمعنى الكولونيالي ، و انما كانوا
انسانيين بالمقام الأول. كأن نسمي مسرحا جهويا او أي مرفق وطني على اسم
"اونتجون" ، ان تستضيف وزارة المجاهدين او أية هيئة حكومية رسمية السلك
الدبلوماسي اليوناني المعتمد و تمنح للفتاة " أونتجون" جنسية شرفية
جزائرية ، بطاقة هوية و جواز سفر شرفيين.
هذه الأهداف الضمير التي كانت تهدف اليها الثورة الجزائرية تحت مسمى (الحرب
الناعمة) ، حين اتخذ المجاهدين من كل لا شيء كل شيء !
و حين استغلوا الأساطير شبيها
للتاربخ.
كم هو جميل للثورة الكبرى ، لكن الأجمل ان توظف الرموز العالمية بما يخدم
القضية ابان الثورة و ما بعد الثورة.
و لا سيما في هذا العصر الذي نشهد فيه عودة التاريخ على بعض مناطق العالم
مرتين ، مرة في شكل مأساة و مرة اخرى في شكل مسخرة. مأساة حين نشاهد حرب ابادة على
الشعوب المهضومة الأقليات العرقية البيئية ، و المسخرة حين يتدرع الجلاد بما يملك
من قدرات تدميرية تحت الارض و فوق الأرض بحجة الدفاع عن النفس.
كم هي من ثورة رائعة لكن الأروع ان تعاد قراءة ملاحمها و ملامحها بأبعاد
عالمية ، و ثمة تكمن القراءة ، قراءة التاريخ و الشبيه للتاربخ ، قراءة جادة واعية
وازنة محلية وطنية قومية بأبعاد عالمية انسانية و انسنة الإنسان.