تراجع الاغنية العصرية عن الانشودة الدينية
العقيد بن دحو
* - يقول بن خلدون في المقدمة : "ان أول ما تمس الدول ، تمس في
أغانيها".
لما كانت الحياة محاكاة للفن ، بمعنى ان الحياة هي التي تقلد الفنون اجمالا
زمانية كانت ام مكانية . قائمة على الاتزان بالمقام الاول .
الملاحظ اليوم تأخر بشكل ملحوظ الاغنية العصرية عن باقي الفنون الزمكانية.
و كأن الاغنية لم تكن باهمية بمكان ، لا تهم اهلها و لا من يرعاها و يدعمها لا من
قريب و لا من بعيد.
و كأنها لم يكن لها صوتا ابان الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى، و لم
تقدم قرابين الشهداء على مدبح الحرية ، الشهيد علي معاشي.
هكذا لم نعد نسمع لا بقديم يعاد و لا بجديد يذكر عن الاغنية العصرية
الجزائرية.
همشت و ابعدت عن كل احتفاء المشهد الجزائري لا سيما المسموع منه و المرئي ،
في ظل غياب الاعلام الثقافي و الاعلام الفني ، الموكل اليه سوسيولوجيا ايصال
المعلومة و الصورة و الفكرة و الفعل الفني من الدائرة الفنية المنتجة للاغنية ،
للكلمة ، للحن ، للموسيقي ، للمؤدي ، المنتج الى دائرة الاستهلاك بالاوساط
الشعبية.
صحيح السوق الفني تلقى ضربة قوية هزت كيانه ، خاصة عندما غزت (الرقمنة)
العالم. و ظهور منصات شبكات التواصل الاجتماعي. عملت على توسيع قرصنة الاغاني ، و
ضربت بحقوق المئات من الفنانين و المغنين.
و في حين تأخرت الاغنية العصرية تقدمت الانشودة الدينية ، و جعل لها
مهرجانا داخليا و خارجيا ، محليا ووطنيا ، بل استطاعت الانشودة الدينية ان تجد لها
منبرا و صوتا جامعيا.
بل صار منشدا مشرقيا و منشدا مغربيا. و هكذا....تطورت الانشودة الدينية و
ليس بعيدا مع الجد و الانتعاش و النشاط الطلابي بالمعاهد و الجامعات ان يصير لها
لسانا فكريا ثقافيا سياسيا.
فالذي عمل على تأخر الاغنية العصرية ، عن طريق ضرب خلفياتها ومرجعياتها
الثقافية و لا سيما الاعلامية منها الخفيفة و الثقيلة كحصة "الحان و
شباب" قديما ، و تلك مدخلات المهرجانات البلدية و الولائية المحلية التي كانت
تنتهي بمخرجات مهرجانا كبيرا وطنية.
ان الاغنية العصرية ، لم تعد لهوا و لا ترفا ، تبدو انها بدات حياتها
هكذا....لكن التطور الثقافي و الحضاري جعلها ثقافة و حضارة اما الان فهي
توعية...تعبئة...وسلاح.
في عصر فقدت فيه السياسة و الدبلوماسية سلطانهما بشكل ملحوظ ؛ فان امكانية
الفن التي هي غضة و لكنها باقية ، ليتحتم عليها ان تحفظ المجموعة البشرية في وحدة
واحدة ، فكل ما يمكن ان يشير اليه الى اننا ننتمي الى نفس النوع له قيمة انسانية.
قد يحسبها الجاهل مجرد لهو لا غير ، غير انها سرعان ما تتحول الى تيمة و
قيمة انسانية عميقة الجذور لها معنى قوميا وطنيا ، عندما يعلو صوتها على ركح
اولمبي او عالمي.
يؤلمني ان يغيب صوت الاغنية
العصرية ، في حين تتقدم اصوات اخرى "ميكيافلية" و
"ماكلوهانية" باكثر رجعية ، تخفي لبوسات ولوغوسات شتى ، مع الايام و
الشهور و سنين التراكم و الاضافات تصير قوى مطلبية سياسية ؛ حين ذاك لا ينفع الندم
و لا التأويلات الاخرى.....!
لا تسأل عن الأغنية العصرية مادام البديل قائما فالطبيعة لا تأبى الفراغ.