كرم مطاوع و سعد اردش
العقيد بن دحو
يوم ان قال (براهام نكولن): "انك لا تخطو في النهر مرتين".
ادركنا مبكرا جازمين و نحن طلبة بالمعاهد و الجامعات ان الزمن الجميل ، عصر
ما كان يسمى عصر " الاكليل الشعري" طفرة في حياتنا مضى....
في سبعينيات القرن الماضي ، و في اطار التعاون بين الدول العربية ، اختارت
الجزائر ان تتعاقد فنيا و ثقافيا مع العديد من الدول العربية ، و لا سيما مصر.
مصر ام الدنيا ، مصر هلينة الشرق. مصر التي ذكرت في القران الكريم. مصر
الفراعنه. هبة النيل. و الازهر الشريف.
مصر الادب و الفن و الفكر الرفيع ، طه حسبن ، الرافعي. المازني ، سعد زغلول ، الخديوي اسماعيل ، احمد
شوقي ، حافظ ابراهيم ، العقاد ، و صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ في الادب. مصر جمال
عبد الناصر
مصر كوكب الشرق ام كلثوم ، محمد عبد الوهاب و عبد الحليم حافظ ، مصر العبور
1973.
ادركت مبكرا الدولة الجزائرية ، و هي تخرج من براثن استعمار مستدمر. محطمة
البنيات التحتية و الفوقية. اللهم من بعض السواعد الوطنية التي انقذت ما يمكن
انقاذه.
في اطار التعاون العربي العربي زار
الجزائر في اطار التعاقد الممثلين القديرين الاستاذين المرحومين : كرم مطاوع و سعد
اردش ، بل عرفت هذه البعثات رجالات اخرى في تخصصات اخرى ادبية فنية كبولند الحيدري
و عذة شخصيات اخرى.
ورغم عجاف السنين ، و التوجه السياسي الاشتراكي الا ان الثورة الثقافية
عرفت و شهدت في حينها عدة توجهات ، و كذا انبعاث حضاري ، انعكس على المشهد العام
الثقافي ، انعكست على الحراك الثقافي ، تم من خلالها تم انشاء العديد من المكتبات
البلدية ، و العديد من المراكز الثقافية.
التي عالجت الخلل الذي كان قائما السياسي الاجتماعي الاقتصادي ، و صححت ما
يمكن اصلاحه. بل اعادت التوازن بين الانسان و المحيط.
شهدت تلك الفترة ازدهارا فكريا ، كالحوار بين الثقافات ، الحوار بين
الادبان ، و الحوار بين الحضارات.
كما انعكست هذه الدينامية على السياسة و المجتمع. و استطاعت ان تحطم الجدار الرابع للادارة ، و
ان تتجاوز الحدود ، الى البعد الافريقي متمثلا بالاتحاد الافريقي ، و دول عدم
الانحياز و عدة كارتلات او تجمعات اخرى.
شهد هذا التعاون العربي عربي الثقافي ازدهارا فنيا ادبيا ثفافيا بازغا ، لا
ينكره الاناكر ، و لا يجحده الا جاحد ، و من يطلق نيران مسدسه على الماضي. يطلق
المستقبل نيران مدافعه عليه
كانت هذه الهبة ، و المكون الفني الثقافي مع التعاون العربي عربي خاصة
جمهورية مصر العربية ، الاخوين كرم مطاوع و سعد اردش ، بالمعهد التمثيلي لبرج
الكيفان ؛ مدخلات لمشروع المسرح الوطني القومي ، ان تعالج فيه عدة نصوص درامية
كلاسيكية و النيوكلاسيكية ، اعادت للوعي الجمعي ؛ للناشئة ترسيخ مفهوم مبدا
الوطنية الخالدة.
سمح لها باعادة تجسيد و تمثيل عدة مسرحيات من بيريتوار العالمي. فكما اعيدت مسرحية "اونتجون" مرارا و
تكرار ، اعيدت مسرحية " في
"سبيل التاج " لمصطفى لطفي المنفلوطي ، المقتبسة عن الكتاب الضخم "
الوطنية الخالدة"عن الكاتب (فرانسوا كوبيه).
اتخذت الكلاسيكيات و النيو كلاسيكيات في حينها كافضل و احسن و لا اروع مكون للنشاة المسرحية التي شهدتها
الجزائر فيما بعد.
اتخذت كارضية قوية و منطلق متين لرحب مسرحي اخر واسع ، متفتح على جل
المدارس و المذاهب الفنية الاخرى ، ضاربا بوحدتي الزمان و المكان ، تعالج مواضيع
الانسانية جمعاء ، موضوعها الانسان ، مكانها العالم ، و زمنها العصر الذي نعيشه.
كل هذه التحولات و التطورات التي شهدها المسرح عبر التكوين الكلاسيكي الذي
امدنا به الاخوة العرب ، و عبر المتخلل ، المتفاعل السياسي الذي كان بدوره ينمو و
يتطور ، الاقتصادي الاجتماعي كان بمثابة فعل المخرجات التي شهدتها الجزائر ببداية
ثمانينيات القرن الماضي ، و امتدت حتى بداية التسعينيات القرن الماضي ، اين المسرح
الجزائري شهد اوجه الحضاري التنموي البشري ، كما شهد اكبر مصالحة تاريخية مع
جمهوره ، و لغته ، و بيئته ، و انسانه.
لذا لا غرو ان ظلت مسرحيات راسخة في اذهان الساكنة حتى اليوم كثلاثية
(الخبزة - الاجواد - اللثام) للمرحوم عبد القادر علولة ، او (الماء) للمرحوم عبد
الرحمان ولد كاكي ، او (قافلة تسير) لعز الدين مجوبي.
لم يفرح الجمهور الجزائري كثيرا الى ان جاءت فترة التسعينيات. و لتضرب الماساة الوطنية ، الارهاب الاخضر و
اليابس ، و كان المسرح من اولى ضحاياه ، حيث گان ضحايى هذا الارهاب خيرة فرسانه ،
من تكونوا و ترعرعوا على امهات
الكلاسيكيات الخالدة الاخلاقية.
وهكذا عدنا الى عصر الضعف الثقافي. اين استغل اشباه المثقفين و انصاف المتعلمين
الحدث الماسوي ، وعاثوا بالذوق العام فسادا ، من هب ودب يصير وزيرا للثقافة ، و من
هب و دب يصير اميرا للفكر و للتنظير و للسخافة !
لتعم البافلوفية و المنعكس الشرطي في القيم ، ثقافة الزردة و الهردة و
ثقافة هز الاكتاف و الارداف كما يقول المرحوم المفكر الالمعي موسوعة الجزائر مولود
قاسم نايث بلقاسم.
ولاننا وصلنا الى ما وصلنا اليه ادبيا فنيا فكريا ، من ردة و سقط متاع ؛
لزلنا نعاني منه حتى اليوم ، لم يبق امامنا الا الرجوع كتغذية راجعة او كاثر رجعي
الى المكون الاول ، الى التكوين الكلاسيكي و النيوكلاسيكي ، التكوين الصحيح وحدة و
لغة و انسانا و ييئة ايضا.
الحل الوحيد للاقلاع المسرحي من جديد ان نعود من حيث علمونا الاوائل الى
مسرد التقليدي العالمي الخلاق لاسترداد الشخصية ، الهيبة ، الكاريزماتية الفنية
اولا..الى الروح الوطنية ثانيا و الى القومية العربية الاسلامية الامزيغية ،
متسامحين ، متصالحين ، متفهمين بلانفتاح على لغات
العالم الاخرى ، بلاغلو و لا عقد ، و لو اننا ندرك جازمين بان جميع لغات
العالم اصبحت عاجزة عن ايجاد حوار حضاري ،
يبطل عنا هذه الحروب و الاوبئة و الانبعاث الحراري.
كان عصرا ذهبيا شهد له العدو قبل الصديق اين المسرح صار حقا رسالة و مراة
عاكسة يرى كل فرد من المجتمع نفسه فيها تقييما و تقويما و اتخاذ قرار. متصالحا مع
نفسه اولا متفهما مع قوالب عصره ثانيا.