كريم القاسم
بين الحداثة والتراث
(( أخي القاريء الكريم : لستَ
مُجبَراً على التعليق . إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بين الحداثة والتراث)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحداثة لاتعني الانفصال عن التراث بل هو امتداد معرفي ادبي بين الاصل
والجديد مع الحفاظ على الثوابت.
تولد الحداثة نتيجة معادلة (التأثير والتأثّر) وتتفاعل هذه العوامل بقوة
بعيداً عن النقل ، فما يُنقل مِن أدبٍ يُميّز لغة مجتعٍ ما، ليس بالضرورة ان
يتوافق مع أدبِ مجتمع آخر ، كما في فن(الهايكو) الياباني الذي توهَمَ البعض انهم
جاؤوا بالحداثة.
ان مفهوم الحداثة واكبَ الفعل الادبي وخاصة الشعر منذ فترة ليست بالقصيرة.
وكما هو معلوم، فقد برزت طبقة من شعراء تأثروا بالتحولات التي حصلت في
المنطقة، ومن التلاقح الثقافي بين الشرق والغرب.
وبعد مخاض طويل ظهرت على الساحة قصيدة التفعيلة والتي تسمى بـ (الشعر الحر)
.
وبعيدا عن الخوض في الحيثيات والجزئيات التي رافقت هذه المسيرة؛ نودُّ ان
نبيّن مايلي:
•ان هؤلاء الشعراء كـ (السياب ونازك الملائكة) وغيرهم ممن تلاهم من رواد
هذا النوع من الشعر لم يأتوا من فراغ، ولم يبدؤوا من فراغ ايضاً ، بل كانت لهم
تجاربهم الخاصة في الشعر العمودي القديم، بل وكانوا يعرفون بحوره وأركانه ، وهم
يمتلكون ثروة لغوية كبيرة وعتاداً أدبياً لايستهان به ، ولذلك تمكنوا من التفاعل
مع الارهاصات الجديدة وتعايشوا معها، واخترعوا هذا الجنس الادبي الجديد دون المساس
بالثوابت، مع بناء جسور تواصل بين القديم والحديث والحفاظ عليها.
ونجحوا في توظيف هذا العتاد الادبي في ولادة قصيدة حديثة جديدة رغم كل
الاعتراضات آنذاك .
وبدأت التجارب وبدأ الابداع.
وهكذا بدأت تتوسع هذه التجارب في سوح الادب كله .
ولنأخذ مثالا على نضج تجربة هؤلاء الرواد ، كالشاعر بدر شاكر السياب في
قصيدته الخالدة (انشودة المطر) يقول فيها:
عيناك غابتا نخيلٍ ساعة السّحرْ
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقصُ الأضواء كالأقمار في نهرْ
يرجّه المجذاف وهنآ ساعة السحرْ
كأنّما تنبض في غوريهما النجومْ
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف
والموت، والميلاد، والظلام، والضياء
ــ نجد الشاعر قد صاغ قصيدته على بحر ( الرجز ) ونلاحظ كيفية التنقل
والتنوع بالقافية مع الحفاظ على الجرس الموسيقي.
ولنأخذ اسامة عبد الرحمن كما في قصيدة (بيروت) يقول فيها :
(بيروت بين يديكِ يُقتَلُ كلّ شيء،
حتى مساحيق الحضارة،
في الشفاه وفي الأظافر والحواجب )
-نتحسس هنا الجرس الموسيقي مع عدم انحراف النسج عن التفعيلة.
اذاً هو خروج وكسر قيد الاوزان
الخليلية، لكنه لايُدمّر أو يدفن التفعيلة، فالشاعر قادر على نظم العمود لانه عارف
بالبحور الشعرية ، ولو لم يكن عارفاً بها لما استطاع من الإتيان بهكذا نص .
وهذا هو الذي يُعِين الشاعر على هذا التحديث الشعري.
•هذا التوجّه الحداثوي أغرى البعض ممن يجيد الكتابة النثرية- والنثر هو
الجناح الآخر للادب والذي يختلف تماما عن الشعر - فتوجهوا بتجارب شعرية جديدة
معتمدين على الطاقة النثرية المدعَّمة والمدجَّجة بالخيال والرمز العميق، وقالوا
بأن هذا المولود الجديد هو ( القصيدة النثرية) مع العلم بأن هؤلاء الادباء يعرفون
تماماً بأن الذي يفصل الشعر عن النثر هو الوزن .
ويعلمون ايضاً بأن القصيدة الحرة هي غير القصيدة النثرية ، وكل مافي الامر
هو تقليد جنس وافد من خارج سياج الادب العربي، والذي ليس له علاقة بالشعر بتاتاً ،
ومع كون مَن كتبَ في قصيدة النثر مثل
(محمد الماغوط ، وجبرا ابراهيم جبرا) هم اصحاب لغة وثروة ادبية؛ إلا إن الحِس
الذوقي والفعل النقدي لم يتقبل هذا الجنس الدخيل لعدم توفر الثوابت والاركان المطلوبة
للشعر بمعنى الشعر ولحد الآن .
-لقد انشغل بعض النقاد العرب والمنظرين والشعراء بمايسمى بـ (قصيدة النثر)
ولم يستطيعوا لحد هذه اللحظة ان يجدوا مادة مقنعة تقنع المتلقي بصحة ماذهبوا اليه،
وإنما اكتفوا بجزئيات من هنا وهناك، ولَمام ونُتَف مما وجدوه في مصادر الغرب
ومراجعه.
والبعض ساق الينا تخيلات وافكاراً هلامية صاغتها بناة افكارهم لاترقى الى
الصواب او تمس زر القناعة.
وعندما تصدى النقاد لهذا المَدّ الغير متزن ليس الغرض منه العناد والتشبث
بالماضي من غير دراية، ولم يكن أمر
الاعتراض مختوماً بختم عربي فقط ، إنما حتى الفكر الآخر خارج سرب العرب في
الغرب كذلك لهم اقلام ونقّاد وأدباء مازالوا يعارضون الادب الدخيل أو الوافد اليهم
إذا لم تتوفر لديهم القناعة به من خلال عِلَل وبراهين ساندة، بل وذهب البعض من
ادباء ونقاد الغرب الى اعتبار الامر يُلحِق ضرراً بالهوية المجتمعية وبالذات
وبالتراث.
فهاهم نقاد الادب الفرنسي؛ الكثير منهم يعتبر (الشعر الحر) مؤامرة خارجية
لثلم اللغة الفرنسية وتعكير صفائها ، بل
واتهموها بتخريب عمود الشعر الفرنسي وتخطي الخط الاحمر حين وصل الامر الى الخَرق
والتجاروز على بحرِ الشعر الفرنسي السكندري.
• وخلاصة القول:
كيف يجتمع النثر مع الشعر وهما فنّان أدبيان منفصلان ، في الوقت الذي يجب
ان تَثبت القصيدة على اسمٍ يؤيد فعاليتها ؟
-وللجاحظ رأي في ذلك حيث يقول :
ان صنعة الشعر وصنعة النثر لايجتمعان الا للقليل من العلماء، وإن من يجيد
أحدهما قد لايجيد الاخرى.
وهذا دليل على إن فن النثر منفصل تماما عن فن الشعر، فلكل فن اصوله وأركانه
وثوابته.
ولذلك نجد مايسمى بـ (قصيدة النثر) متأرجحة لاتقوى على الثبات.
• والى بيانات قادمة بعون الله تعالى.
• إحترامي وتقديري...
(كريم القاسم)