نهاية التاريخ(فوكوياما) و ملهاة الضفادع"(ارستوفانز).
العقيد بن دحو
هل عرفت ، هل شهدت الأغريق و من خلالها الأغارقة جمعاء نهاية ما؟
هي بواكير نهايات قِيَّم فنية جمالية سياسية اجتماعية اقتصادية بالزمان و
المكان و الحدث أيضا.
تعود هذه (النهاية) المبكرة الى الشاعر الاغريقي الدرامي الكوميدي الملهاتي
الساخر .
هامزا غامزا لامزا بالتراجيديا المأساة. متهكما بالشعراء الثلاث (صوفوكليس
- يوريوبيدز - اسخيلوس).
تقول الأسطورة : حين ذهب الإله (ديونيسيوس) الى العالم الآخر ليسترد واحدا
من الشعراء الثلاث (صوفوكليس-يوريوبيدز-اسخيلوس) ، لم يكن قد بقي منهم أحدا ؛ ذاك
أن المأساة اليونانية انتهت نهائيا بموت شعرائها الثلاث ".
تقول القصة الدرامية العجائبية لما أُصيب المسرح اليوناني في مقتل، و صل
الى الضيق بذات نفسه ولم يعد يطرب و لا يهز ، و لم يعد يدعو عن أي تكفير أو تطهير
فكثر و عمَّ حوله الفساد في السماء و الأرض. فساد الآلهة و فساد البشر على حد سواء
. و كذا تآمر أعداء الداخل و الخارج لم يغزو الأرض فحسب بل حطم القيم لا سيما
الفنون الفنون الزمكانية كالنحث و الرقص و فنون المسرح كالغزو الفارسي ايران حاليا
، التي كانت تسميهم الأغارقة (البيسيستراس)Picisstrasse بمعنى البرابرة.
و هو اخطر انواع الأستعمار التي تعرضت اليها أثينا و مقاطعاتها. عدو مدمر للمدن و
الأثار الجميلة.
حطم الشبيه بالتاريخ (عادات ...تقلبيد...تراث ماجس و لا مادي ....)
لبناء حضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ (مالرو).
قاوم الشعب الأثيني الغزو حتى القرن السادس قبل الميلاد. و لما أستردت
المدن اليونانية عافيتها و استقلالها ؛ حنّ و اشتاق الشعب الأغريقي الى أثاره
الفنية و الجمالية ، الى اعياده الدينية و الدنيوية كعيد ديونيسيوس ، الى من
يقدمون اليه قرابينهم و اسلابهم و غنائمهم و ما جنوه من عناقيد و عراجين
انتصاراتهم على جيش البيسيستراس..و لما وجدوا هذه الأنتكاسة الفنية مسّت عاداتهم و
تقاليدهم ، بل جنح اغلب الشعراء الى الإلحاد و شككوا بالآلهة على اعتبارها محور
مركز ثقل الكون. بل تراجعوا عن العديد من المفاهيم التي كانت سائدة حينذاك ؛
كالقضاء و القدر الذي لم يعد يقرر مصير أحدا. كما تراجعوا عن بعض القوانين
المتعاهد عليها اللاهوتية بشرية. الانسان وحده نن يقرر مصيره'، او الشخص الذي
أقترف الذنب هو وحده من يُعاقب و لا دخل لأهله او لعائلته او لعشيرته أو لقبيلته
في هذا الجُرم أو الإثم.
اوحت الآلهة تكليف الإله ديونيسيوس ليسافر إلى العالم الآخر ، مملكة
الأموات (هديز) Heidi's حيث مقر إله الموتى (هادس) Hadis. على أمل أن يعيد لهم واحدا من الشعراء
لإنقاذ التراجيديا المأساة.
انتقل و عبر ديونيسيوس عبر مركب رفقة خادم له بحيرة " الضفادع" ، حيث التقاهم
كورسا (جوقة) شرف من الضفادع تعزف لهم و ترقص و تغني معووفة سيمفونية نقيق الرحاب
و الترحيب.
السبيل لم يكن بالسهولة ، مزيجا من المخاطر و الصعاب. الى ان وصلوا الى
مملكة الأموات هديز و جلسوا عند مقام عرش هادس ، يحاورونه و يناقشونه و يفاوضونه
بشأن ما لحق بمآسي و تراجيديات الشعب و آلهة الأغربق. فلم يكن قد بقي مما كانوا
ينوون استرداده أو استرجاعه من الشعراء الثلاث.
أعتبر بعض الفلاسفة افلاطون و غيرهم منا كانوا لا يحتفلون اصلا بالمسرح
عموما لا مأساة و لا ملهاة ، على اعتبار المسرح فن لعبة المحاكاة.
بل أعتبر الشاعر الفيلسوف الألماني (جوته) Goethe :
"الضفادع" أعظم مسرحية نقدية فكرية متكاملة مُحكّمة وازنة ، ابدعتها
العبقرية الإنسانية في مجرى التاريخ البشري ، قبل التدوين و بعد التدوين ، مما قبل
التاريخ و التاريخي.
" الضفادع" Grenouilles
/ Frogs / A uranuas باليونانية
الفصيحة. أعتبرت النقطة الفاصلة عن النهاية. نهاية المسرح نهائيا هذا الفن الجميل
الذي أحبه الشعب . شهد نهاية الأعياد نهاية الأفراح و السعادة.
قد يحسبها العابر للزخرف بأنها مجرد اساطير الأولين لا غناء فيها ، كاذبة
غير واعية.
غير الأساطير شبيهة للتاربخ ، مؤارخة الأسطورة و احالة التاريخ الى اسطورة.
هكذا هي دورة التاريخ ، تكذب فيها الحقائق ، فالشمس ليست شمسا في وضح
النهار ، و أن الشجرة لا تخفي الغابة.... الى ان اصتدمنا بما صار اليوم يُسمى
نهاية التاربخ المفكر الامريكي (فوكوياما) ذو الأصول الأسيوية. هي في الأصل نهاية
القِيّم. نهاية كل ما ضحت عليه البشرية في مجرى الزمن. كيما تصير اكثر انسانية و
تظل تناضل من اجل انسنة الإنسان. و نحن نعيش هذه الردة و هذا العصر الذي اثقله
منطقه ، عصر أُحيل فيه الانسان الى مجرد صورة ديجيتالية - حروف....ارقام... رموز و
اشياء اخرى - الى رقم من صمن سائر الارقام. عولمة حولته الى مجرد (حالة) كحالات
الطقس. قابل للسبر و الرصد و القياس.
حتى انه يتحول الى ملف من ملفات عُلب الارشيف.
ألا ترى ان المتحف يحيل الصليب يكاد ان يغدو نحثا (مالرو).
قد نجد هذا في محكمة (القلعة) الأدعاء الأول لا يُتلى
في قاعة المحكمة ؛ انما يكتفي ادراجه في ملف
قبل أن يختم ويوفع و يرقم و يُصفف و يؤرشف و يصير مجرد (حالة). فمن المفروض
أن يفحص و أن يراجع فيما بعد !.
لكن حتى هذا لا يحدث ،فالأدعاء الأول كثيرا ما يوضع في غير محله و في غير
موصعه ، بل لعله يضيع اصلا. و حتى اذا بقي في مكانه حتى النهاية فنادرا ما يُقرأ .
بل تبقى سرية في دهاليز سرية المحاكم.
و في عز تراجع السياسة و الدبلوماسية عن سلطانهما. و حتى الرهان على الفن
على اعتباره المخلص المنقذ ، الرهان ان يجمع المجموعة البشرية في مجوعة واحدة لها
قيمة انسانية ؛ اشرف بدوره على نهايته.
كما تبدوان الحرية و المساواة التي راهنت عليهما الحضارة الديمقراطية في
اعادة التاربخ. حرية و مساواة فمركز الفرد في المجموعة هو في أساسه حريته ، اما
علاقته مع الأفراد الأخرين فهي مساواة.
فالتاريخ هو ايضا هذه الحرية و هذه المساواة ، هو حرية الإنسان حيال قوى الخير و الشر (بروميثوس - تيتاتوس). و
سوف تكون نهاية هذا التاريخ نهاية هذه الحرية و كذا المرحلة السابقة للتاربخ هي
مرحلة الخلق الإلهي.
هناك مرحلة جديدة لتاربخ آخر يتشكل و يسطر من كافة الك
ذاكرة ذاكرة الماضي ذاكرة الحاضر و
ذاكرة المستقبل او كما قال افلاطون. حينما يعيد التاريخ دورته التاريخية بإتجاه
العلوم التجريدية التجريبية و علم الكومبيوتر و برمجيات الذكاء الأصطناُعي. ثمة
يبزغ البُعبع (النجاح) اِلهُ العصر الحديث ، من حيث النجاح يجر النجاح.
ليس ذاك النجاح التربوي الطفولي اليافع المراهق المتعلق بتلابيب روائز
النجاح المدرسي الكلاسيكي بالاهداف او الحديث المقاربة بالكفاءات. انما النجاح
(الرامبوي) نسبة الى رامبو القائل : "سبب تفوقي على الآخرين لأني دون قلب
".
وهو القائل :" قلبي عاريا " Mon Coeur .mis a nu
اخيرا انتصر الجهاز البيروقراطي وحول الاشخاص اسماءا و ألقابا الى حالات
كحالات الطقس ارتفاع في درجة الحرارة...الى برودة...الى مطر...الى عواصف...الى
رياح...الى اعاصير...غيوم...ضباب.. ثلوج و اشياء اخرى...
الى ارقام و صور ديجيتالية. فضاء ازرق حول الجمبع الى زرقة بيكاسوية نسبة
الى الفنان العالمي الرسام بيكاسو.
نهاية المسرح ونهاية التاريخ ، و حده تاريخ الآلة من يعيد نفسه.
أما تاريخ البشر كالظل الحسير يغدو و لا يعود أصلا لا في شكل مأساة و لا في
شكل مسخرة ، لا تراجيديا تُبكي و لا كوميديا تُضحك.
وحده على حافة النهاية انسان نهاية التاريخ Homo fin d'histoire يردد تعويذة
الحكماء : انك لا تخطو بالنهر مرتين.