الرواية و السينما
العقيد بن دحو
* - "اقراوا قصة الفيلم في كتاب".
حين قال ر.م البيريس / R.M AlBERESS في كتابه " تاريخ الرواية الحديثة / Histoire du Roman Modairne : " اقراوا قصة الفيلم في كتاب " ، كان يعي جيدا حجم
الخسارة التي تتكبدها الرواية ، و من خلالها المؤلف المبدع الروائي على جميع
المحاور . و اثره هذا يتحول الى سيناريو مسرحية او فيلم.
وهو مخدر كلية منتشى بالرقص و الغناء و البهرجة ، يطير فرحا ، و لكن
مهلا....!
صحيح كما يقول (بول فاليري) هناك انصاب تتكلم و هناك انصابا تغني ، فبقدر
ما نقول ما هذا (الغناء) ؟ يمكننا ان نقول ماهذا (المؤثر) ؟ و بقدر ما نقول ما هذا
المؤثر ، نقول ماهذه الاثارة ، ما هذا السحر ، ما هذا القلق L'equitudei.
هذا التحويل او النقل كان السبب في معظم الاحيان ادى الى خسارة الرواية
لعدد كبير من قرائها ؛ اذ السينما كفن سابع اشبعت شغفهم و فضولهم ، و جعلتهم
يفضلون قاعات السينما ، عن السعي وراء الكتب الروائية بالمكتبات و بالمعارض
الشعبية و الدولية.
فالعامل الذي يشتري كتابا ليقراه مرة واحدة ، يكون يساوي دقيقة واحدة بدقيقة
العمل ، فيما السينما تسره و تساعده اكثر ، بما يساوي ثانية عمل لكل دقيقة مشاهدة.
ان كتبا كانت سائدة في الدائرة المثقفة ، تنتشر مجددا لدى اعلانها في
الصحافة او اطلاقها على اسطوانة او في التلفزيون او الاذاعة او السينما.
السينما تبدو الوسيلة الابرز ، و الشعار اعلاه : "اقراوا قصة الفيلم
في كتاب" ، صار الاعلان الامثل و الافضل عن هذا الكتاب ، لكن الكثيرين يكتفون
بالفيلم ، و نبذة عن الفيلم في المجلات و الصحف و الجرائد ، و من هنا تكمن الخطورة
في الفيلم او السينما اجمالا ، مما يعيق الحلقة الهامة في بناء تتمة الصرح الحضاري
للرواية ، حيث يعيق الفيلم البيع. بيع الرواية الى سائر الدوائر المثقفة
الانتلجنسيا و عند الدوائر الشعبية معا .
غير ان يظل فيلم على سبيل المثال لا الحصر " هيروشيما حبيبتي" Hiroshima mon amount
لصاحبه الروائي (جون هيريس) الذي عرض 1959 خير دليل على اكتفاء القراء عنه
كفيلم في السينما عوضا عن قراءته في كتاب ، حين عرض لاول مرة بفرنسا 1959.
قد نتخذ هذا الفعل رواية الكاتب الجزائري بن هدوقة في فيلم ريح الجنوب عن
هذه الردة في حجم المقروئية اصلا. كما
اننا لا نحضى بدراسة معمقة في علم سوسيولوجية الكتاب ، و لا سيما الاحصاء الشامل
الادبي و الفني و الثقافي.
غير ان المقابل السينما والوسائل السمعية البصرية الاخرى من جهتها انقذت
الرواية من التكديس و من البوار التجاري و الاقتصادي ، و كذا من اخلقت الفعل ، حين
صار يذوب الاستغلال الفني و التقني في الاستغلال الاقتصادي التجاري.
ساهم الفيلم من هذه الناحية في ادخال الاثر الروائي الى الدوائر الشعبية ،
انها توسع القراءة ، وتجعلها في متناولهم اليومي ، لكن نقص هذه الوسائل السمعية
البصرية. و غلق العديد من قاعات السينما
عندنا ، و كذا تحويلها الى مهام ادارية او
اقتصادية اخرى . السينما وجهت ضربة قوية
للرواية و حصرها في دائرة واحدة. الفئة
القليلة المثقفة الانتلجنسيا ، دون المرور و اكمال الدورة الثقافية و الاقتصادية
الى الفئة او الدائرة الشعبية.
السينما كالناقد الادبي ، تلك او ذاك الذي لا يحبه المؤلفون و يخشاه
الناشرون ، الذين يدركون الوجه الاخر لتاثير الجمهور. وجعلهم يفرون من الرواية ككتاب.
اخيرا صار الروائي فنان ، لقد كف عن مجاراة التاريخ. وصار يرى رؤية الرسام
بالالوان ، و رؤية النحاث بالحجوم ، مما صار يرى وفق الانطباعات المعاشة او وقائع
الشعور.
كما صارت الرواية عند بلزاك الاله الخالق و غيره من الهة الرواية تقتات من
مصارف الصور ، تضاهي السينما.
غير ان الصناعة السينمائية اصبح انتاجها مكلفا ، اعاقها نوعا ما عن مواصلة
بناء قواعد الاتصال الجماهيري.
لم يعد الفن في السينما او في الرواية يقوم على جمع وثائق ، غزيرة او على
واقعية نسخة طبق الاصل ، او على تصوير دقيق مستفيضا ، او ماساة معالجة و فق
الخرافة. انه يتلخص في الاخراج الغنائي على نحو تفريجي ، و في برهة واحدة من الحياة موجزة جدا.
ليس من المدهش ان فنا تمثيليا جديدا ، ذا دعائم بصرية ، خاصة بالمؤثر
المباشر ، وهو السينما. راح يقدم للرواية فرصة جديدة لتتخلص من الاسلوب المنطقي في
السرد و في انتقال الوصف و السيرة ، لكي تكشف ان القارئ ، حين تستحضر العامة
الحياة البشرية ، انما تستحوذ عليه و تلزمه ماساة على نحو غير مباشر ؛ اكثر مما
تستحوذ عليه سيرة بطيئة مروية مع ظروف اشخاص الرواية.
مما قد جعلت تاثير السينما يحل محل الرواية المحركة الى القصة مطلبا جديدا.
اذن بقدر ما كانت تمثل السينما انقاذا و خلاصا للرواية بقدر ما كانت معرقلا
لها ، في اكمال رحلة الكتاب الروائي على ارض مجهولة حين يلتقي المؤلف و السيناريست
و المخرج ، تقفل سوسيولوجية الادب الحلقة ، و يحرم على الرواية و السينما ان تصحح
خطا ما او تؤكد اشارة او حركة او كلمة.