ماذا يريد الأولياء من المدرسة
العقيد بن دحو
ليست دائما العبرة بالنتائج ، و ليس صحيحا أولياء التلاميذ يطالبون من
المدرسة بجميع اطوارها نجاحا نمطيا ؛ كلاسيكيا ، تقليديا ساذجا ، و الانتقال من
مستوى دراسي إلى مستوى دراسي آخر....وهكذا تبدو الحلقة سلسلة سرمدية لا تنتهي ؛ او
انها تنتهي بسؤال غير مصرح به :
لا نعرف ماذا نريد !؟
غير انه تلميذ بفعل العادة و التكرار صار يعرف نقطة الانطلاقة من بيتهم
صباحا و يعود مساء عند نفس التوقيت المبرمج و الممنهج عليه !.
وبما ان المدرسة لا يمكن فصلها عن الظاهرة الإجتماعية ، تتأثر وتؤثر
بالمحيط ، كان الأجدر لها أن تشكل حوارا معه بغية : ان يعلم ، ان يمتع ، ان يهز ،
و ان يثقف ايضا و اشياء اخرى...... !
الأولياء و عالميا عادة لا يصرحون بكل ما يضمرون ، و ما يكنونه من تساؤلات
يريدونها للمدرسة ، و أكن لأسباب تاريخية اجتماعية نفسية يكتفون بالتلميح دون
التصريح .
فد نتفهم هذه الحالة العالمية النفسية لدى الأولياء الحاجز المانع ، دون أن
يصرح فيها المريض لطبيبه بالوجع الحقيقي الذي يعاني منه، و حتى يمكن طبيبه بوضع
خطة علاجية للمريخ و القضاء المرض و
الاستعداد للدخول في فترة نقاهة للانطلاقة الواعية مجددا !
ولأن المجتمع مجتمع بشريا فما يتستر عنه اكثر مما يعلن عنه ، ( الإنسان
عالم صغير) او كما يقال في علم النفس.
الأولياء صراحة يطلبون من المدرسة ابناءهم ان يكونوا مبدعين ، مبدعين في
شتى مجالات الفنون الزمكانية ؛ في فن
الكتابة ، الرسم ، الموسيقى ، الغناء ، الكوريغرافيا ، النحث ، و التمثيل المسرحي
و السينمائي ، و كم سعادته لا توصف ان قابل وليا معلم ابنه او استاذه في أي طور من
الأطوار الدراسية ، و روى له هذا الاخير كيف ابنه كان على ركح المسرح المدرسي
فارسا هماما لا يشق له غبار لحظا و لفظا و اشارة.
لكن فرحته لن تكتمل ولا يريدها ان تطفو على سطح محياه.
كون الفنون عامة لا تزال تطرح لبوسا مشفرا باللاوعي الجمعي . هم يرونها
صراحة تطرح اشكالات و تاويلات اخلاقية (....) بالمقام الاول !.
بطبيعة الحال هذا لا يجعل من المدرسة
تعيش ( العقدة) بكل تجلياتها تحت اي سبب من الاسباب ، سواء كانت حجة دينية
او لغوية او عرقية او غيرها. .
من جهتهم الأولياء يعرفون كل شيئ ، لكنهم يناون و يهربون عن اي تساؤلات و
أحكام مسبقة عندما يواجهون المجتمع ضميرا جمعيا (محافظا)، ساعتها ستكون الاحكام
قاصية ، عندما يحاكم الولي نفسه بنفسه بالمزيد من الصمت !.
لذا تجده يرمي الكرة في ملعب المدرسة في حين يكتفي هو بدور المتفرج السلبي
. و يخرج غريبا كما دخل اول مرة ، ضاربا لنفسه موعدا آخر مع مقابلة اخرى ، تجعله
يناى عن اي اجابات صريحة و محددة باتجاه
ابنه و ماذا يريد بالضبط من المدرسة !؟
هذا الطرح الأخلاقي تكون التربية الحديثة قد إجابت عنه بكل شجاعة ،: حين
يذوب الاستغلال الفني و الثقافي بالاستغلال التربوي البيداغوجي ، ليصير بعدها كل شيئ مبررا .
ان كل الدراسات و البحوث الحديثة في علم التربية ، تسير إلى ضرورة انتقال
التلميذ او الطالب من العمر المدرسي إلى العمر العقلي ، و لا يمكن أن يعبر هذه
المرحلة التوفق تدريب. مراس و تدريب التلميذ على كل الفنون الزمكانية. عندئذ سيكون
هذا الانتقال بمعدل : (3ن) او / (3n) : حيث n رقم طبيعي لا يساوي صفرا .
بمعنى : تلميذ يدخل مرحلة طور متوسط عند سن مدرسي 11 سنة ، سيكون عمره
العقلي يقدر : ( 11 × 3 = 33 ).
اذن العمر العقلي لهذا التلميذ 33 سنة،
بعد ان يتمكن من دراسة ، و يتمكن من اكتساب تعلمات و مهارات فنية ادبية
ثقافية. او انه صار مبدعا بعد ان ووضع في
حالة ابداعية .
اذن دور المدرسة ان تتفهم مكبوتات الأولياء، و اذ هي تحاول الإجابة عن الأسئلة المؤجلة ، هي في نفس الوقت
تضعهم في حالة علاج ليواجهوا جهارا نهارا الطبيب ختى ولو كانت بهم خصاصة !.
المصارحة و المكاشفة نصف الحل ، و جميل ان نسمع تلك ( الزغاريد) سنويا عند
نهاية كل امتحان تخرج من جنبات جدار المنازل كمؤشر نجاح ، لكنها زغاريد باهتة ! باردة لا لون و لا ذوق
فيها. انما الزغاريد الحقة عندما بكون في مقدور المدرسة ان تجيب على كل تساؤلات
الأولياء المؤجلة و لا سيما تلك غير
المصرح بها. الاسئلة ( الطابو) الفنية الثقافية - شئنا ام ابينا - المتعلقة بمصير
التلميذ او الطالب و ببيئته.
وبدورها المدرسة تمارس ما يسمى ( بأدب الهروب) عندما تهرب من السؤال
الجوهري ، إلى تغيير طرق التدريس في كل مرة ، إلى المنهاج و البرنامج ، و إلى
أشياء هامشية كثفل حجم المحفظة على التلميذ ، و على جدلية الكتاب المدرسي كعنصر
ايقاظ او وثيقة بناء اساسية.
؟!
بينما السؤال الجوهري المنقذ ،المخلص من كل هذه الاضافات و المكملات هو :
هل في مقدور المدرسة ان تؤسس مسرحا مدرسيا صغيرا !؟
هل في مقدورها ان تدرس بعض الفنون
الزمكانية !؟
هذا هو السؤال و في نفس الوقت الاجابة ،
هو ما يهرب منه الجميع.
لا أحد يريد أن يواجه الاشكالات التي تعاني منها المدرسة على حقيقتها.
الثقافة عموما انقاذ ، ما يجب أن نتعلمها بعد ان نتعلم كل شيئ ، و ما يبقى
بعد ان نخسر كل شيئ.
رهان المدرسة حاليا بجميع اطوارها ان تتصالح مع نفسها و مع محيطها و ان تجيب
عن الأسئلة العالقة ، و ان تهرب إلى السؤال عوض الهروب منه ، و لنتخذ من القاعدة
الرياضية امثولة احسن الدفاع الهجوم / Le meilleur attaque c'est la
de'fence .
سئم المجتمع الروتين الممل التي تعيشه المدرسة. و المجتمع معا ، و سئم دقات
الجرس المتناوية، دون أن يتمكن ان يستمع إلى دقات اخرى ، اكثر عمقا و أكثر
إنسانية، عندما يستمع التلميذ لاول مرة في حياته تلك الدقات الثلاث الكلاسيكية
ايمانا بفتح ستارة مسرحه الصغير ، ساعتئذ لا تلقنه درسا في الوطنية ، و لا درسا في
الحرية ، و لا درسا في المبادئ ، و لا
درسا في الضمير و لا الأخلاق، و لا درسا في فنيات الحياة ، و لا رأس كامل
الامتلاء الحشو في راس كامل الاعداد ( مالرو) .
كون المسرح منح له كل هذا دفعة
واحدة مع صفر ورقة ، و لا حتى صفر تكلفة مالية مادية بشرية
ثانيا/ رهان المدرسة : كيف تحول العمر المدرسي لدى التلميذ او الطالب إلى
العمر العقلي ؟
عندئذ : نداء عالمي في حضارة
التربية : ساعدوا الأولياء على طرح الأسئلة الحقيقية الصعبة المؤجلة (...) ، و في
نفس الوقت ساعدوا المدرسة لتجيب صحيحا (...) !.