(البيسيستراس) Picisstrasse و الغرب
العقيد بن دحو
الحرب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاضرة الفرس ، و كذا
"الشاهنامة" للشاعر الملحمي الفردوسي ، و بين (الغرب) عامة و اليونان
خاصة ، حاضرة الأغريق و كذا الملحمتين الشهيرتين "الاليادة" و
"الأوديسا" للشاعر الملحمي هوميروس ، و سواء كانت حربا باردة أو حربا طاحنة
ليست وليدة اليوم.
صحيح تطلعنا وسائل الإعلام و لاسيما الترسانة الغربية و البروبجندا الغربية
المرافقة على أن ايران دولة مارقة تسعى بكل ما أوتيت بقوة امتلاك أسلحة نووية ،
ناهيك عن أسلحة أخرى غير تقليدية كالصواريخ فرط الصوتي ، و انواع أخرى من طائرات
درون تهدد جيرانها اسرائيل و الدول الريعية الخليجية و أيضا الملاحة في البحر
الأحمر.
قد يبدو الأمر كذلك و سلمنا بتلك المسلمة التي يتخذها الغرب دائما مشجبا
على بعض الدول لتعلق عليها معطف و قبعة ميكيافلي ، لتحصل على المزيد من الحقوق
التاريخية و المجالات الحيويع على الأرض و تحت الأرض و بالبحر و الجو ، و لا حديث
عن الاجواء الفضائية إلا بسلطان.
قد يبدو هذا الصراع الازلي محاولة مكافحة الجرائم الدولية او من اجل حقوق
الإنسان أو في سبيل انتشار الحضارة و الثقافة الديمقراطية.
الصراع بين الغرب عموما و بين ايران قديم أزلي قدم التاريخ ، قبل التدوين
يمتد للى ما قبل الميلاد.
يوم كانت الفرس تملك اسطولا حربيا تهاجم المدن الاغريقية. و من هذه الهجمات
الجيش الفارسي على مدينة (مليوس) الاغريقية. ألحق بها أضرارا فتاكة مدمرة بالبلاد
و العباد. جسّد هذه الوقيعة الفجيعة المأساة على خشبة المسرح ، الشاعر الجميل
المرهف الأحاسيس ووشائج المشاعر ، و لما شاهدت الجماهير الأثينية محاكاة سقوط
مدينتهم الجميلة ضجّت الجماهير بالبكاء ، العويل ، و النحيب ، حتى قيل كان يسمع
نحيبهم و عويلهم و صراخ النساء و الأطفال و الرجال الى مسافات بعيدة.مما أضطرت
الحكومة أنذاك الى التدخل ووقف العرض المسرحي (مليوس حبيبتي) كما فرضت على
الجماهير المشاهدة غرامة مالية قدرها 100 دراخما ، كما نوفي شاعرها الجميل الى
صقلية.
رغم ان افلاطون الفيلسوف كان يكره المسرح إلا انه أدلى بشهادته الخالدة حول
جودة و اتقان الفعل الدرامي شعرا و تمثيلا وصدقا فنيا ؛ اذ قال قوله المشهود :
"أنا مستعد أسافر ايطاليا لأشاهد ميلوس حبيبتي " !. عند هذه الحالة سمت
الإغريق الفرس ايران حاليا ب : "البيسيستراس" Picisstrasse اي البرابرة ، البوهيميين اذا ما دخلوا بلدا دخلوها مستعمرين
مدميرين ، يفسدون الزرع و الضرع ، و يحولون المروج الخضراء و العمار الى حطام و
هشيم تدره الرياح.
الغزو الفارسي حسب الذهنية الاغريقية ليس مستوطنا معمرا للأرض بل مدمرا.
الغريب أن هذا الغرب الذي وُلِدَ ما بين النهرين آسيا و افريقا ، ينهى عن
خلق و يأتي مثله ، رغم أنه يدعي المثاليه إلا انه كان أكثر من الييسيستراس نفسه ،
أكثر بربرية في استعمار البلدان و الشعوب و الانصار و كذلك لا يزال ، حيث مكنته
قوته البحرية و الجوية و الفضائية و أسلحته الجيواستراتيجية من الضغط على الدول و
التدخل في سياساتها بحكم توفير الحماية ، و من اجل المزيد من الأسلاب و الغنائم.
هذا الغرب سماه المفكر الألمعي الأودعي المستشرق الفرنسي رجاء غاردي
بالحادث أو التصادم Accident حتى راح يقول الغرب هو التصادم او الحادث / L'occident etait un accident الغريب العجيب ان كانت الأغارقة تسمي الفرس بالبرابرة ، فالمفكرين
المتحررين يسمون الغرب (الأبدلند) Abédland
كلمة لا تقل سوءا عن البيسيستراس.
و اذا كانت ايران حاليا تسمي (ماما امريكا) الشيطان الأكبر فإن الغرب يسمي
ايران بالشر الأصفر ، غلى ان كان يسمي رجاء غارودي الغرب بالشر الأييض.
و هكذا تحول الصراع من صراع تاريخي الى صراع حضاري و ثقافي بالألوان و
الأشكال و الطبوع ، سرعان ما صار يطرح ابعادا سياسية بخلفية اقتصادية امنية تخفي
لبوسات ولوغوسات استراتيجية و نظام عالمي جديد ، يعاد فيه تقسيم العالم أكثر مما
هو مقسم و مجرب أكثر مما هو مجرب.
كان حتى الحرب العالمية الثانية خلف كل حرب مدرسة أو مذهب أدبية فنية ، أما
اليوم صار خلف كل حرب فكرة يعاد فيها ترتيب العالم من جديد وفق نظام الفوضى
الخلاقة و ما بعد الفوضى الخلاقة.
اكتب تعليقاً