علي مبارك باشا
صاحب أعظم مشروع معمارى عمرانى فى «مصر» الحديثة، ولا يزال وسط
القاهرة شاهدا على براعته وحسن تخطيطه، وهو أيضا رائد التعليم ومؤسس المنظومة
التعليمية الرسمية الأولى فى مصر، فاستحق لقب أبو التعليم فى مصر. ولد على مبارك
عام 1824م فى قرية برنبال الجديدة، بمركز دكرنس، بمديرية الدقهلية. وتلقى تعليمه
الابتدائى فى كتّاب القرية، وحفظ القرآن. وتعلم مبادئ القراءة والكتابة.
وكان النظام الملكى يقضى بالاستفادة من المتفوقين من أبناء مصر
لتكملة تعليمهم، فأدى تفوقه فى التعليم الابتدائى إلى اختياره للتعلم فى مدرسة قصر
العينى التجهيزية ﺑ«أبوزعبل»، فى 1835، وكان فى الثانية عشرة من عمره. وكان نظام
الدراسة فيها داخليًا ويحكمها النظام العسكرى الصارم.
ونظرًا لنبوغه وتفوُّقه اختير ليلتحق بمدرسة المهندس خانة فى بولاق؛
حيث درس فيها لخمس سنواتٍ كفلت له تعلُّمَ المواد التى تُمثِّل العَصبَ العلمى فى
ميدان العلوم؛ كالجبر، والهندسة، والطبيعة، والكيمياء، والمعادن، والجيولوجيا.
كان ذكاء ونبوغ «على مبارك» قد أهّله لأن يشارك أربعة من أمراء بيت
«محمد على» فى بعثة الطلاب المسافرة إلى «فرنسا»، وهناك تعلّم الكثير عن المدفعية
والهندسة الحربية، والتحق بالجيش الفرنسى للتدريب والتطبيق إلى أن توفى محمد على.
تولَّى عباس الأول مقاليدَ الحُكم فى البلاد وعادت البعثة إلى مصر،
وقد فتح عباس الأول لعلى مبارك أبوابًا من الترقِّى الوظيفى؛ فعُيِّن معلمًا
بمدرسة المدفعية ﺑ«طرة»، ثم رُقِّى إلى مراقب على امتحانات الهندسة بالأقاليم،
وأَشرفَ على صيانة القناطرالخيرية ثم تولَّى إدارة ديوان المدارس، فأحدَثَ بها
نهضةً تعليميةً شاملة وأعاد تنظيم المدارس والعملية التعليمية وقام باختيار
المناهج، وعين أكفأ مدرسين، وشارك بعض المدرسين فى تأليف المناهج الدراسية، وأنشأ
لذلك مطابع.
وعندما تولى سعيد باشا الحكم 16 يوليو 1854م عزل على مبارك باشا من
منصبه ومن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة، وأرسله مع الجيش المصرى الذى
يشارك مع الدولة العثمانية فى حربها ضد روسيا بحرب القرم.
فلما تولى الخديو إسماعيل حكم مصر عام 1863م وكان قد زامل على مبارك
فى بعثة الأنجال، أسند مهمة إعداد الرسومات والتخطيط والمتابعة للمهندس على مبارك
لقيادة مشروعه العمرانى الذى يقضى بإعادة تنظيم القاهرة على النمط الأوربى الحديث،
فخط الشوارع، وأنشأ الميادين، وأقام المبانى والعمائر على غرار العمارة الأوروبية
بطرزها المختلفة والمتنوعة، وأمد القاهرة بالمياه وأضاءها بالغاز ورصف الطرق
وحفّها بالأشجار وأسس بنية إدارية أساسية للقاهرة، وأنشأ دارا للأوبرا، ومحاكم،
وجمعيات علمية وربطها بالمدن المجاورة.
كما ربط بين القاهرة والجيزة عبر عدد من الكبارى. عَهِد إليه الخديوِ
بنِظارة القناطر الخيرية ليحلَّ مشكلاتها، فوضَعَ خطةً بارعةً استطاع من خلالها أن
يستثمر مياه النيل. كما يرجع له الفضل فى إنشاء دار الكتب المصرية عام 1870م، كما
قام بإنشاء مجلة روضة المدارس.
وفى 1866م أصدر الخديو قرارًا بتعيين على مبارك باشا وكيلًا عامًا
لديوان المدارس، مع بقائه ناظرًا على القناطر الخيرية. وأثناء ذلك أصدر لائحة
لإصلاح التعليم عُرفت بلائحة رجب عام 1868م، ثم ضم إليه الخديو ديوان الأشغال
العمومية، وإدارة السكك الحديدية والإشراف على حفل افتتاح قناة السويس.
وكان آخر منصب له هو نظارة المعارف فى وزارة رياض باشا، واستقال منها
عام 1891، ولزم بيته، ثم سافر إلى بلده لإدارة أملاكه، حتى مرض، فرجع إلى القاهرة
للعلاج، واشتد عليه المرض، وتوفى يوم 14 من نوفمبر 1893م، تاركا العديد من
المؤلفات المهمة منها موسوعة الخطط التوفيقية، والتى تتألف من عشرين جزءًا، وكتاب
تنوير الإفهام فى تغذى الأجسام، والذى طبع سنة 1872، ونخبة الفكر فى تدبير نيل
مصر، وكتاب علم الدين، وهى موسوعة أحكام صدرت فى أربعة مجلدات، غير عدد من الكتب
المدرسية
***********************
***********************