جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءالعقيد بن دحو

السرقات الادبية و الخيانة الابداعية

 

السرقات الادبية و الخيانة الابداعية

العقيد بن دحو

هل عرفت الاغريق القديمة. و الاغارقة القدماء عموما اي نوع من انواع السرقات او الخيانات الادبية الفنية الفكرية؟

قد يبدو للبعض هو كذلك. غير ان المتتبع للحركة الابداعية اجمالا عند الاغريق ، قد يلتمس ان البناء الدرامي على سبيل المثال لا الحصر هو فعل تراكمي . اي كالدعاية او البروبجندا يتغذى.  ، و يشيد على بالاضافات ، فكل (شاعر) يبدع نصا دراميا ، ياتي الذي يليه ، سواء كان من جيله او من جيل اخر ليكمل البناء الدرامي.

لهذا يزعم دارسو الكلاسيكيات ، وصلتنا بهذه الروعة و الجمال ، ما كانت لتكون ، لو ان شخصا واحدا هو من ابدع هذا الخلق الادبي الفني الفكري.

بل ؛ ذهب الشك ببعض النقاد و المهتمين الى الراي القائل : يستحيل على الشاعرين الملحمين : هونيروس و هزيود ان يكونا قد ابدعا  الاليادة او الاوديسة او "الثيوغونيا" انساب الالهة ، و كل هذه الاسلطير الهة و انصاف الهة و ابطال ، بمفردهما ، انما عدة شعراء قبل و بعد الاثر ساهموا في هذا البناء الخالد ، الذي وصلنا حتى اليوم ، و لا تزال البشرية تقتبس منه نورا. خلابا خالدا ، لا تطويه ازمنة و لا تبطله امكنة .

لا يمكن ان نطلق على هذا المسند و المتكا التاريخي و الشبيه بالتاريخي مما قبل التاريخ ،  المرجعية الخلفية الثقافية الفنية الفكرية . مجهود المخيال الجمعي ، القربى الثقافية ، و المصلى الادبي تحت مدرج السرقة الادبية او الخيانة الابداعية ، حتى ان كانت كذلك.

غير ان مع التقدم الحضاري و الثفافي للامم و الشعوب ، بالمقابل تشابكت و تعقدت دواليب حياة البشر ، و من خلال جنون التاريخ ، الانانية ، و النزوع الى "الفردانية" ، النرجسية المقيتة. ادت الى فقد المجتمع اتزانه السوسيولوجي ، السيكولوجي ، الاقتصادي ، و كذا الاختلال الاخلاقي الى ظهور ما يسمى بمرض الانسان ، حيث انتقل الداء و المرض الى القيم الانسانية ، فصارت السرقات ليست "شيئية" عينية مادية ، و انما لا مادية ايضا كسرقة الاثار التاربخية الثراتية ، سرقة الافكار ،  سرقة المخطوطات النفيسة ، سرقة اللوحات الفنية الثمينة ، سرقة الاثار الادبية ، ومخطوطات و مجهودات ادباء او ناشئة. و ضعت ثقتها في استاذها الجامعي فسرق جهدها الفكري، بحثها ، رسالة تخرجها و نسبه اليه... !

او شاب حالم بان يصير شاعرا او روائيا فوثق في كاتب او شاعر او روائي او نصير ، علق عليه اماله و امانيه و اصيب بخيبات امل. كان بالنسبة اليه القدوة الامثوله النموذج ، ليوقع عليه او يتبناه.  ليفاجا مؤلفه بسوق الكتب تحت مسمى و اسم اخر !

هذه هي عين السرقات الادبية التي ما بعدها سرقة التي تبطل الحواس عن الادراك و الوعي ، سرقة ضمير ، بل قتل ، و الهتك الفض لكلمة وفاء ،عهد ،ثقة و اخلاص . حيث تنعدم الاحاسيس و الشهامة و الرجولة و الانفة و الكبرياء ، و تعم  الخسة و الندالة و الرزاية ، و تنعدم الغيرة الادبية وسقط متاع.

دون شك هذه الظاهرة موجودة بحياتنا الادبية و الفنية و الثقافية الفكرية ، يمكن التقليل منها لكن لا يمكن القضاء عليها. اذ لا يمكن فصل الظاهرة الادبية عن الظاهرة الاجتماعية (روبيرا اسكاربيب). و مادام المحيط يعج بذباب و ببعوض الانتهازية و البافلوفية و قلة المسؤولية .

ومن يسرق بيضة لا تعز عليه سرقة دجاجة اوكما يقول المثل الشعبي الجزائري.

السرقة هي سرقة ، اجرام في حق من وقع عليه الجرم. و في حق الراي العام، يترتب عليه عقوبات مادية و معنوية.  و كذا حق لا يبطله التقادم.

لتظل وصمة عار في جبين الكاتب السارق.

اما الخيانة الابداعية شيئ اخر. اي  ليس بالضرورة ما يطلبه الجمهور الخارجي يوافق و يطابق ما يطلبه الجمهور الداخلي للمؤلف. الا ان احيانا الجمهور الخارجي قد يجد ما يطلبه في مؤلف ما دون ان يقصد صاحبه الكاتب ، و دون التقاء اي من النوايا ، نية الكاتب و نيات الجمهور.

هذا ما تسميه الجماعة التنويرية الانتلجنسيا بالخيانة الابداعية ، خيانة ما ، الا انها خيانة خلاقة.

 خيانة لانها تصنع الاثر في نظام مستندات ، نظام لغوي ، لم يتصور الاثر من اجله ، الا انها خيانة خلاقة لانها تعطي الاثر (....) واقعا جديدا ، اي تتيح له امكانية تبادل جديد مع جمهور اوسع ، ولانها تغنيه كذلك ليس فقط ببقاء  بل بوجود ثان ، او قل تضمن له عيش عمرا ثان.

عمليا ان الادب القديم الكلاسيكي منه  و الادب الوسيط لا يحيا الا وفق الخيانة الابداعية ، خيانة خلاقة تعود اصولها الى  القرن السادس عشر.

الا انها كانت دائما تعرف كيف تجدد مع اي طارئ قلق او اي ظرف زمني ما.

قد نعتبر الكتب و الاثار المترجمة ، و النصوص المقتبسة نوع من انواع الخيانات الخلاقة ، كتلك النصوص الدرامية التي نقلها المفكر الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر من المذهب الكلاسيكي الى المذهب او المدرسة الوجودية ، و من اسم "الاورستية" الى "الذباب" او " الندم".

او كنص "الكترا" التي تربت وترعرعت في قصر ملك اورستقراطي عند الشاعر الدرامي "صوفوكل" ، الى مجرد امراة متزوجة ، تتزوج فلاحا فقيرا معدما ، تسقي الماء من بئر ، تحمل دلوا على راسها ، عند الشاعر ايسخيلوس.

ولعل اهلية الاثر لان يكون موضوع خيانة هي العلامة على كونه اثرا ادبيا كبيرا. هذا ليس مستحيلا و لكن ليس تاكيدا ايضا . اما الثابت فهو ان انواع الاستعمال التي يمارسها الجمهور على الاعمال الادبية هي التي توحي وجهها الحقيقي ، وتهذبه او تشوهه. ان تعرف ما هو كتاب ما ، هو ان تعرف اولا كيف قرئ.

اذن ثمة فرق بين السرقات الادبية الذي يترتب عنها اثرا  اخلاقيا ، و بين الخيانة الابداعية الذي يترتب عنها اثرا خلاقا ، يضمنه الكاتب  اراءه ووجهات نظره الفلسفية الفكرية ، و يمنحه حياة جديدة و معنى جديدا بما يخدم قواعد عصره.

يضيق كل ادب و فن بذات نفسه ان لم تلحقه اداب و فنون اجناس اخرى ، تهز الخلق من ديباجته (هوراس).

ما يحز بالنفس ويؤلم حقا ان صاحب السرقات الادبية ، حتى لا اقول (سارق) ، لا يزال يتنقل من سوق الى سوق ، و من بزار الى بزار ، و من ناد الى ناد وهو يقابل ضحيته بدم بارد ووجه صحيح !



***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *