اللٌُغة المسرحية الجامعة الجامعية
العقيد بن دحو
ما يسٌُر حقا أن يكون للجامعة الجزائرية مسرحا قوميا وطنيا ، لكن ما يؤسف له حقا في نفس الوقت - تثنية الفعل الدرامي و نقيضه - ان يكون حواره هذا الذي ينشده مع الآخر ، كائن ما يكون هذا الآخر باللسان الدارج الشعبي و الشعبوي العامي !
حتى الآن لا أستطيع أتخيٌل عملا أو
نتاجا او أِبداعا مسرحيا باللسان الدارج تعلميا تعليميا أكاديميا ، سواء كان
مدرسيا بأطواره الثلاث (ابتدائي - متوسط - ثانوي) أو جامعي معهدي باللسان العامي
!.
المفروض أن تكون الجامعة هي التي تؤثر بالمحيط ، أن تشع على المجتمع ، أن
تضرب للناس مثلا . ذاك الأنموذج الأمثولة الخلاٌق.المفروض ان يكون المحيط او
المجتمع هو الذي يقلد الجامعة و ليس العكس ، لكن ما يُؤسف له الآستثناء حقا ان
يكون المغلوب ما هو جامعي مُولع بتقليد الغالب ؛ ماهو بالشارع. و ان يكون المغلوب
في هذه (الحالة) الجامعة لُعبة مُحاكاة مُقلدة لأفعال غير نبيلة.
قد نُعجّب بهذه الفكرة او تلك ، لاسيما أن كانت جامعة ،أصحابها من ذوي
(العصف الذهني) ، لكن ما أن تتجسد على خشبة المسرح الجامعي أو على أي (خشبة) أُخرى
باللسان الشعبي ، تتخذ مجرى لغة الخشب حتى تسقط من عينك و من جميع حواسك و احساسك
وشعورك.
صحيح لا يمكن فصل الظاهرة الأديية الفنية الفكرية عن الظاهرة الإجتماعية
(روبيرا) ، لكن ليس الى هذا الحد المائع الضائع الصايع ، ليس الى حد هذا الشط و
العط و المط على حسب تعبير د.طه حسين.
صحيح اللغة و لا سيما اللغة العربية وعاء الفكر ، خاصة اذا كانت اللغة
المسرحية حينها تكون لغة ذات طبيعة تفكيرية ابداعية و حكامة راشدة واعية وازنة.
ما أفلاطون سوى موسى يتكلم باللغة الاغريقية الفصحى.
كان افلاطون يتكلم قليلا بالاغريقية و قليلا باللاتينية (سبنسر).
كانت المسرحية نصف القادرين على التمام.
ما الذي كان يضير لو تجسدت المسرحية باللغة العربية ، لماذا يُحرم طلبتنا
من هذا المُكوٌن الأساسي للشخصية : تعلموا اللغة العربية فإنها تثبت العقل وتزيد
في المروءة (حكمة).
بل لا أتخيل منجزا مسرحيا بلغة (الشارع) ، بكل ما تعني كلمة شارع من دلالات
و اسقاطات اجتماعية غير خلاقة و غير أخلاقية.
على سبيل المثل لا الحصر المسرح ذات النزغة او ذات المذهب أو المدرسة
الكلاسيكية ، لا سبما ذات البعد الدرامي المأسوي التراجيدي الكلاسيكي ، معظم
الباحثين و النقاد العرب و كذا أساتذة الأدب المقارن ، يشيرون الى أن لا يمكن نجاخ
أي فكر كلاسيكي دون انتسابه الى لغته الحقيقية ، اللغة العربية. تلك اللغة التي لا
يسمح فيها بهجو و لا سفور و لا اسفاف و لاسقوط. لغة عظمة الشخصية ، اغة الابطال و
الآلهة و أنصاف الآلهة عند اباطرة الإغريق و الرومان مهد الحضارة المسرحية و الفن
المسرحي الدرامي الكوميدي و التراجيدي.
غير أن لا بأس باللسان الدارج في الكوميديا الملهاة ، لأن غرضها الأول و
الأخير أمتاع و ترفيه و بعث المتعة في أنفس الجماهير.
ما الذي يحدث في مسارحنا الجامعية ، ما هذه الأفكار الهزيلة التي تحملها
هذه اللغة الضعيفة.
و لا سيما عندما تنبع من بيت لطالما أعتبرناه كبيرا بكل ما تعني الكلمة من
عبارات سامية راقية سامقة.
يؤسفنا أن تنزل الجامعة بكل وزنها و ثقلها المعرفي و العلمي الأكاديمي بما
يشبه الكلام. ايًٌ كلام و خلاص ، مادامت سائر الناس صارت تتكلم !.
صحيح اللغة المسرحية و الفنية عموما الزمكانية في أزمة. و يعتبر يونسكو
يوجين خير من عبر عن هذه اللغة الأزمة في المسرح ذات الإتجاه العالمي ، في مسرحيته
الشهيرة "الكراسي". حين أعتبر
اللغة مجرد كراسي عقبة تواصل گأداء بين الزوجان العجوزان. وحتى هم يؤجران
خطيبا ماهرا مفوها ليعبر عن لسانهما يعجز هذا الأخيرين عن التفاهم ، عن الحوار ، و
عن التواصل.
قد نجد هذه الازمة اللغوية الدرامية أيضا عند زميله الكاتب (ارثر ميللر) في
مسرحية " الخراتيت". حين تظهر فجأة حيوانات غريبة تبث الرعب و الخوف في
أنفس الخلائق ، وهي حيوانات عجائبية غريبة تبث
الرُهًاب و الفوبيا في قلوب الساكنة. الجميع يهرب هلعا خوفا من أن يتحول
الى خرتيت الا شخص واحد تحامل على نفسه وفضل أن يغيش انسانا.
صعب اليوم أن يحافظ المرء على مروءته و على انسانيته و هو يرى حجم المسؤولية لم تعد في الأشخاص و لا في لغتهم
الأم و لا حتى في لغة أخرى مكتسبة او فطرية ، و المخرجون الحداثيون و ما بعد
الحداثة تحت مسمى (البيرفرمونس) Performance صاروا يخرجون مسرحياتهم دون حوار ، دون كلام
، من دون لغة ، و كأنهم اكتشفوا جزيرة الصمت ؛ فصمتوا اللهم من بعض التلعثم و
التلكؤ الذي يسبق الاشارات... !
الغريب عندما تنتقل هذه الحالة الى الجامعة ، منبع العلم و المعرفة و السمو
و الرفعة و الرقي و الازدهار ، مدرسة تعلم ابجدهيات فن التخاطب و الحوار . عوضا عن
تلك التي دعاني اليها صديقي الجامعي الجمعوي متكلما باللسان الشعبوي.