تأطير الخطاب مجازات التمظهر محمد يونس في لسانيات الشعر بقصائد –لم اكن تمثالها
تأطير الخطاب مجازات التمظهر محمد يونس
في لسانيات الشعر بقصائد –لم اكن تمثالها – حميد حسن جعفر
ابتكار شكل للشكل - لقد رسم لنا
الشعر تاريخا طويلا من المثالية الشكلية, وبقي يحتفظ بشكل القصيدة العتيد طوال
قرون طوال, وتلك الصفة الشكلية صراحة هي احد الأوجه الاشكالية في العملية الشعرية،
فالشكل الرتيب احد العوامل التي وضعت عملية التلقي في جهة والتمن النصي الشعري في
جهة اخرى، حيث الطبيعة البشرية الوجودية تميل دوما الى التغيير فكيف بها وتجد
الشكل الشعري في قصيدة هو ذاته الذي قد سبق للأسلاف تلقيه، والتعامل معه، لذا شكل
هذا النسق الكتابي روح الماضي التليد في لحظة معاصرة قرأ فيها، وبدت بوادر حين
تحدت الرومانسية نفسها وقادتنا الى شكل جديد بعدما شعر بودلير أن العالم اختلف،
ولكن الشعرية العراقية بقيت ردحا طويلا من الزمن تحافظ على شكل رتيب فيما تقدم
مضمونا جديدا، وقد لحظنا في العقود القريبة هناك همة توجه تكررت في تغيير شكل
الكتابة الشعري، واليوم لمسنا احد التجارب الفاعلة المتمثلة في الشاعر حميد حسن
جعفر في كتابه الشعري المعاصر – لم اكن تمثالها أنا النور الذي يفيض بمفاتنها –
والذي قد لوح لنا اشهاريا بتطورها واختلافه الوعي منذ العنونة التي مثلت هنا
مجاورة فعلية للشكل المختلف وموازاة له،
وابتداع شكل سطري في الكتابة الشعرية ليس يعني غاية تهدف لتحقيق نفس تداخل الاجناس
من خلال نسق الكتابة الجديد الحداثي الصفة والذي تقبلته ما بعد الحداثة لتوافقه معها،
بل البنية الشعرية المكتوبة حافظت على نسق الجنس الشعري ببلاغة نوعية، وقد قدمت
لنا المتون الشعرية امثلة رحبة في هذا المضمار، ففي نص – في الغرف المجاورة هناك
الكثير من الوساوس – التي هو بعنونة تفصيلية بصيغة شعرية ذات نفس نثري يتيح له
تمدد العنونة تفصيليا, وقد استهل الشاعر قصيدته .
في الغرف المجاورة هناك الكثير من الوساوس. تركت خيولي تعتلي الريح . لا
خوف على الداخل اليها . او الخارج منها. لا احد يتابع
وقع حوافرها على الحجر.
خيول من تصوراتي
انشأتها بعيدا عن الحماقات
نلاحظ في التصنيف اللساني للغة الشعرية هناك نسق لغة يمتلك طاقة رحبة لكسب
معنى من افاق بعيدة عن التفكير العام، وتدخل في التفسير اللساني في الصيغ
الافتراضية للمعنى، حيث المجاز الشعري واستعاراته ابتعد عن التفسير الموضوعي
العام، وهذا ما يتيح للمعنى التمظهر بصيغ تتجاوز مستوياته الدلالية التي تحددها الاشارة،
والجمل الشعرية بسطت لنا فكرة تحول المعنى واثاراته الالتباسية، وفي نص اخر كانت
هناك فكرة نقد جوهرية لبشاعة الحرب, وهنا تحول المعنى في تمظهره من حس التوافق الى
حس الرفض, وفي نص – بجوار الحياة.. على هضبة – تتحول العطفة الشعرية الى حجر اصم
يتمنى شج رأس الحرب.
فجأة وجدت يدي مختلفتين عما حولي من حافلات نقل الموتى
اصابع من غير ماكنات تهيىء لها الأسرة. فقد كانت تلف بالدهشة
ما يتقاطر منها من ياقوت سائل. لتنعم بما يسمى الدفء
تلك العتمة التي تملأ النعوش بالمفقودين
تقدير الهم الشعري وتحديد مؤشره كان لابد من يقرن بموازي له, ورغم فداحة
الهم الشعري والانساني على السواء, ووجدنا هناك توازي مع النص اللاحق وهو نص –
عربة مجنزرة –, والذي بذات المضمون يسير ويتجه الى معناه .
كم كان الجند وجلين
يحاولون تدريب المواضع على هيئات اجسادهم
شيء من الألفة يلصقون به ملابسهم على الجدران
اكياس من رمل كانت الجدران وملابسهم بعض اجساد الأمهات على اجساد اطفالهن
هناك بلاغة شعرية في احالة معنى على اخر دون ازاحة الا اذا كانت ضرورية,
وقد رسمت لنا الصور الشعرية نسقا للكتابة في صيغ قصيدة النثر شكلا شعريا اهتم به
لوتريامون وانطوان ارتو تحديدا, واضافة لتطورات الشكل تطورت منظومة المعنى وكسبت
قيما ابعد من قيم بيئتها, وصراحة التقت الصور بصور النسق العالمي, خصوصا بعدما
ابعدت جو ومناخ النصوص ومكان الحرب عن التحديد .
ثلاثية اللغة والمعنى الخطاب – يقدم لنا الخطاب الشعري الجديد تفسيرات
معاصرة للمعنى الشعري توازي مفاهيم ما بعد الحداثة التي تتيح وتؤهل للمعنى تجاوز
حقيقته الكبرى الى مفترض يلصق به صفة – حقيقة –, وهذا يجعل الخطاب الشعري فوقي, اي
لا يمكن تصنيفه بشريا ولا يمكن الاقرار بوجود علاقة افقية له مع الحياة، ونجد
شاعرنا المعني بالدراسة تطور مفهوم الثنائية لديه ليصبح ثلاثية علامات تراكبية ما
بين اللغة والمعنى والخطاب، واذا جاز القول أنه قد اصبح لنا مثلث بدلا من ثنائية
التوازي الفكري، حيث هنا تتغير منطقيات التفسير بعد تطور مفهومها، فنسق قراءة
وتفسير وتحليل المضامين النصية صار بثلاثة اسهم توجيهية, وهنا يرتفع مؤشر
اللسانيات الشعرية وندخل في باب علم لسانيات النص, والذي يجعلنا ندرس ثلاث مستويات
صوتية متشكلة في بنية النص الشعري، فالنص
لغة والنص معنى والنص خطاب، ففي النص لغة هناك لغة شعر تختلف عن النسق العام للغة،
حيث تتعدى مضمونها الاجتماعي هنا الى مضمون اخصب طاقة واعقد مفاهيميا واكثر تميزا
دلاليا، واما عنصر المعنى فهو ابتعد بنا كثيرا بمناورات والتباسات وقلب التفسيرات,
واما الخطاب فكان قد تمثل لافق ما بعد الحداثة كوعي مؤهل ومقدرة جديرة, وفي تفسير
ذلك نصيا ففي نص – كنهار منكمش على نفسه ابدو – تلوح لنا افاق المثلث او الثلاثية
بوضوح .
قد ارغب في أن اكون شجيرة كرم
كي يكتمل تسكير حياتها مع اشتداد البرد
في هذه اللحظة ستزداد اصابعي انارة
واكون القمر الذي يقتعد كرسيا
وسط حديقة هجرها النهار
لأنير خريفها بأمطاري
لقد تلاقت الابعاد الثلاثة في اتفاق موضوعي تبناه وعي الذات الكاتبة، وقد
مثلت المقاطع الثلاثة صورة حية للمعنى الشعري في سقف اللغة المنمق بمعاني جديرة
شعرا وبمضمون انساني عميق، وقد نمت اللغة تجاه المعنى بصيغ وصور عالية الحساسية
حتى بلغته, وقامت بتأهيل رفع سقف الخطاب الى موازاة موضوعية الى التوافق مع المعنى
الشعري، وفي قصيدة – مرثية – ثمة فعل داخل كيان اللغة اي إننا مام حضور مشهود .
ربما, وانا امسح عن جسده النعاس
كان يفكر بالرحيل وبالأسف
ذبول اوشيء كهذا كان يضع ملامح على وحشة
على ما ينتسب للجثمان
لا احد سواي في الحمام
هو على كرسي معدني مطلي بالابيض
هذه المقاطع التي مثلت مستهلا للنص, والتي هي مجازا تمثل نصا بذاته من وجهة
نظر اخرى, هي قد اعلت سقف الخطاب كثيرا, وعلى وجه الخصوص في التفسير العضوي للنص,
وفي اشارة الحضور والوجود الشخصي والكرسي الابيض الطلاء ايضا, لكن اهتمت بالتأسيس
للمعنى ورفده يقيم توازيه الى اقصى الحدود، بل برزت ملامح المعنى جديرة الاختلاف
لكنها توازي الحضور مضمونا، وتؤكد موازاة المشهود البياني معنويا، وفي قصيدة –لا
كما ينقل الرواة – والتي بدأت عنونتها بالنفي, لكي تحيلنا الى موزيها المتني .
كيف انتقاك البعض
تمثالا للتذمر من سلوك يماماتي؟
لتطرد مدني من خرائطك
واكون خصمك من غير أن تعلن ذلك
لقد قدمت لنا اغلب القصائد صيغ ابتكار للمعنى عبر تصعيد نسغ اللغة من مستوى
الى اخر, وفي قصيدة – انا الريح وجسدها الفراغ هل تستطيع العتمة دخول المعادلة –
والتي بعنونة مثيرة ومستفزة بصريا وقراءة, وتقدم لنا حسب نظريتنا في مفهوم العنونة
ابتكارا يكون فيه تمثيل العلاقة مع المتن نصية, حيث العنونة ذلك النص الذي يحيلنا
الى النص الذي هو بمتن اوسع .
لا بد لي من أن اعيد تشكيل كسلي
أن لا انتظر حجارة احدما
تعيد لي هيئة الزجاج
جسدي سمكة
كيف لي أن اعلمه تسلق السلالم وسط الصحراء
لقد قدمت لنا تجربة حميد حسن جعفر في قصائد نثر –لم اكن تمثالها انا النور
الذي يفيض بمفاتنها – الصادر عن منشورات اتحاد الادباء، احد الامثلة المهمة في
تطوير المفهوم الشعري، وفي قصيدة النثر خصوصا، واذا كان الاشتغال على تأهيل شكل
جديد كان بجدارة وقيمة نوعية، فأن المضامين الشعرية اشارة وعلامة ودلالة قد توقت
فيها المعاني الشعرية على نفسها، وسمت اللغة الشعرية في فضاء المعنى الملتبس بنضج
وتميز وقيمة جديرة، ونجح الخطاب الشعري في ترك الاثر البليغ .