شرخنا الثقافي الثالث
شرخنا الثقافي الثالث
العقيد بن دحو
يقول العلامة و المفكر الإسلامي الجزائري الألمعي الأودعي ، المرحوم
"مالك بن نبي" : "ان وجدت شرخا في قميص متسول فهو شرخ في ثقافتنا و
في حضارتنا" !.
كان هذا الشرخ في قميص متسول فمابالك ان كان في قميص (غني) يدعي
الاورستقراطية الإجتماعية !؟
و ما أكثرها الشروخ و الندوب في ايامنا هذه ، زمن (خباط كراعو) على حد
تعبير الممثل القدير الجزائري " حكيم دكار" ، و على وزن المقولة : اولدي
اعقلها وسير مولاها يتولها" !
لا شيء ادبيا و فنيا و ثقافيا يدعو الى التأمل و الأمل على أننا في الطريق
الصحيح ، ما زلنا بعاد...كل البعد عن الوثبة الحضارية بشقيها المادية و المعنوية
التي ينتظرها منا الوطن ، و تلك التي تنتظرها منا التضحيات الجسام الملايين من
الشهداء على ان ترى هذا الوطن سعيدا.
ما زلنا بعاد....و انت تدعو الى أمسية(....) محسوبة على الفن و الأدب و
الثقافة ، و انت ترى بأم عينيك العشرات من شخصيات (خباط كراعو) المستنسخة تستنسر
المنابر خبط عشواء.....!
ما زلنا بعاد و المسرحيات - ان صح التعبير - تُعرض ديكتاتوريا على من حضر ،
و لا يسمح فيها بهامش المناقشة ، التحليل ، و التركيب ، و النقد عموما و نقد النقد
!
ما زلنا ابعاد....حين يفرض شاقوليا على (الجمهور) نصوصا درامية مجهولة
الهوية و النسب و المذهب ، و ساعة ما ينتهي العرض يفترق الجمع يتتفس الصعداء ، و
كأنه مجبر لا بطل ان يتحمل ألم جلد المشاهدة حتى الرمق الأخير.
ما زلنا ابعاد....حين نحتفل من القاعدة الى القمة او من القمة الى القاعة -
صعدا نحو الأسفل - و لا ندري لماذا احتفلنا ؛ أهو حفل تأبيني أم حفل قرباني دنيوي
ديني !؟
مازلنا بعاد.... حين نلمس المرفق العام الثقافي المحلي و الوطني يعيش بؤسه
السرمدي ، "لا يبتسم فينوس في منزل كل دموع" كما تقول الإغريق و
الأغارقة القدماء.
أين ازدهار المؤسسات التي جاءت من أجله ؟
ما زلنا بعاد....حين نسمع - ان لم تستحي افعل ما تشاء - خلف الكواليس بلغة
البزار و السلع : هذه البضاعة أدي و لا خلي....على وزن : قهوة موح اشرب وروح !
ما زلنا بعاد.....عن الفن الراق حين نجد (خباط كراعو) يخلط بين الإبداع و
المحاكمة و التفكير الدرامي ، و بين أناشيد صغار الكشافة المبتدئين ، و بين اغاني
اطفال المخيمات الصيفية !
و ما دمنا هكذا نجلس في هلع آسر فيما يفرض علينا (خباط كراعو) المتردية و
ما اكل السبع ، رداءة ما بعدها رداءة على جميع الأصعدة و المحاور لغة خارج النص لا
تنتمي لأي قاموس و لا لأي أسلوب ، لماذا اذن نشمئز و نتقزز من تلك الكلمات النابية
البديئة التي يتفوه بها اليافعين و صغار المراهقين و حتى أصحاب المراهقة المتأخرة
في شوارعنا و ازقتنا بمدننا الكبيرة سواء القريبة من البحر منشأ كل حضارة أو تلك
البعيدة عن البحر.
كان من المفروض ان الحياة كوميديا التفكير و تراجيديا الشعور هي من تقلد
الفن ، لكن العكس هو الحاصل و تحصيل الحاصل.
كان من المفروض ان المرفق الثقافي الفني ان يكون خير مؤثر في المدينة ، من
يعيد لها وهجها الحضاري التليد ، حين كانت المدينة بمعنى (بوليس) / Polis أي أحسن
معلم.
لكن في ظل تواجد (خباط كراعو) في كل مفصل من مفاصل المرفق العام ، جعل
الجميع فنانين وجمهور و تقنيين فنيين داخل مخيم صيفي كبير في عز فصل الشتاء ، لا
ليقص علينا قص "شتاءات" الشاعر السيريالي ملارميه ، انما خربف الرجل
النبيل الجديد الفهايمي ، بعيد كل البعد عن الفكر او العلم ، بعيد عن الرقيب ،
التفتيش الثقافي ، عندئذ لا تلومن الصبيان في حالة الرقص..و هكذا يكون (خباط
كراعو) الجديد أعادنا الى ثقافة الزردة و الهردة ، و ثقافة هز الأكتاف و الأرداف
(مولود قاسم نايث بلقاسم".
شرخنا الثقافي الثالث الذي نعيشه في هذه الألفية صحيح كان سببه هذا الكائن
الغريب ، غير ان غياب المثقف الخقيقي عن مرفقه العام الثقافي كان السبب مما يعيشه
، يرى بأم عينيه حجم الأفلاس الفني التي وصلت اليه جل المراقق و لا يستطيع أن ينبش
بإبنة شفة ! بل يرى التدهور و الهدم و لا يتكلم بحجة أهل مكة ادرى بشعابها.
المؤسسة الثقافية اليوم و لا سيما في ظل الصلاحيات الممنوحة (خباط كراعو)
عاجزة كل العجز عن أداء مهامها النبيلة التي خلقت و بعثت من اجله : اعادة التوازن
ما بين الإنسان و المحيط !
شرخنا الثقافي يوشك ان يكتمل دوائره الخربة في ظل تواجد مثل هؤلاء الأشخاص
، الذين لا احد يدري من أين جاءوا ققط أقبلوا ليبثوا الحياء السلبي في احذاق
المشاهدين ، بحيث يحضرون محاكم شبيهة بمحاكم التفايش بداية القرن الماضي ، بحيث لا
يستطيع المشاهد أن يبدي وجهات نظره ، في حين يكتفي بالنشاهدة من اجل المشاهدة و
الحضور من اجل الحضور ، ثم يغادر كالظل الحسير منتكس الملامح يجر اديال الخيبة في
امنه الثقافي ، و هو يرى كل تمثال جميل نصب بالدم و الدموع يهدم بمطرقة (خباط
كراعو) الشعواء.
شرخنا الثقافي يكمن في أولئك أشباه أدعياء الفن و الثقافة الذين ابتلانا
بهم الله ؛ اما يلعبون او يحرمون اللعب ، مادام المسرح فن لعبة المحاكاة ، لعبة
عميقة الجذور ، القصد من وراءها اعادة التوازن ما بين الإنسان و المحيط. و من حيث
الإبداع لعبة الله. تواجد شخص (خباط كراعو) على ركح المشهد الثقافي العام ، يشير
الى أننا ما زلنا بعاد......،!
اكتب تعليقاً