النسر و الضمير و الكبد و الندم
العقيد بن دحو
قد يتساءل أحدهم ما الرابط العجيب الذي يربط بين الكبد و الضمير ؛ الوازع
الأخلاقي !؟
هو نفسه السؤال الذي يطرح نفسه و ما العلاقة التي تجمع بين القلب و الحب
مثلا ، أو بين العقل و المخ !؟
و كأن المتساءل كان يبحث عن توليفة معادلة أحد طرفيها كائن عضوي يقع تحت
المحسوس الملموس المجرب (التجريب) ، بقدر ما يكون طرفها الآخر غير محسوس مجرد
(التجريد).
و يين العالم المحسوس و غير المحسوس ، المرئي و غير المرئي ، المجرب و
المجرد ، عالم ثالث رحيب لا يمكن التعبير عنه إلا وفق المعادلات الرياضية
التفاضلية ، الأُسِية ، التكاملية ، اللوغارتمية ، و الجيبية (Sn - Cos) الخوارزمية.
تقول الأسطورة الإغريقية في ثنائية نص الأدب التمثيلي اليوناني ، سواء في
"بروميثوس مقيدا" أو عند "بروميثوس طليقا" ، أن لحظة القبض
على سجين الحرية او يسمى جد البشرية أو يسمى أبا البشرية - كان محبا للبشر اذ جلب
لهم (النار) أحدى مقومات و عناصر الحياة من مملكة السماء Oranus .أُلقِي
عليه القبض و قُيٍّد عند صخرة كبيرة ، تنهش وحش الطير كبده نهارا ليتجدد ليلا.
ظل محب البشر على هذه الحالة من العذابات حتى أنقذه هرقل العظيم.
كان يعني هذا على المرء أن يغذي ضميره بالندم فالندم انفع للإنسان.
فوحش الطير او كما يسميه الميثولوجيين " نسر بروميثوس" هو بمثابة
(الضمير) ، و غداءه من الكبد رمزا الى (الندم).
و بين النسر و الضمير ، و بين الكبد و الندم اكثر من احالة و انزلاق لا
يمكن التعبير عنه الا وفق التجريد ، حين تعطى الدلالات حروفا او اشارات او لوغوسات
او لبوسات يمكن التفاهم معها ، و ايجاد لغة خاصة تكون لغة حوار بين الخيال و
الواقع. بين ما يمكن أن تدركه الحواس و ما لا يمكن أن تدركه الحواس.
وقتئذ تصير الحواس الخمس لا تكتفي بوظائفها النمطية المعهودة ، انما تصير
تعتمد على ما أصطلح عليه "تراسل الحواس" أو تداعي الخواطر بالوعي و
اللاوعي أيضا/ Senstassias أو تسمى التصادي او الجوّاب / Ecolallia
بمعنى : حين تصير المرئيات مسموعات ، المسموعات مشمومات ، المرئيات اذواقا ، و الاذاق ملموسات بما يغني
اللغة الشعرية.
اذن عندما نسمع للشاعر يشتكي قلبه في اشارة الى حبه فهي مجرد ازاحة مع
الايام كان منبع حبه كبده او فؤاده.... و هكذا ظل الإنسان الشاعر مع مرور الأيام
يكد و يجتهد أن يجد مقاربة وجدانية تقربه الى ما يشعر به ، أن يجد ملموسا / عضوا
فيزيولوجيا يشتكي له همه ، و يسرد له همه ؛ اوجاعه ، اناته ، اهاته ، افراحه و
اقراحه. عوضا ان يظل متفرجا على ذاته و هي تنزف ثخون وجراح دون دم ظاهر للعيان.
هو نفسه الكاتب أ. الأديب يقدم حبره ودمه قربانا لوحش الكتابة حتى لا يضرس
و يوطأ بميسم.
الكاتب الاديب الفنان هو العبقرية الجريحة "فيلوكتيتس" من ورث
درع و سهام هرقل المجنحة.
هو بهلوان السيرك ، عليه أن يتدرب طوال الوقت على الحبل حتى لا يسقط و يدق
عنقه..هو مروض الأسود و النمور و سائر الحيوانات الضارية عليه أن يطعمهم طوال
الوقت حتى لا يكون هو نفسه وليمة السباع القادمة المفضلة.
لهذا ينفى الأديب و قد يسجن ، و قد يقتل و هو لا يدري ان وظيفته لحظة
الكتابة صارت الترويض ، مروض سيرك ، مروض حذائق تسلية و بحوث ، و هو لا يدري في
أية لحظة قد يطحن عن آخره.
عندئذ تعلق الاسباب على مجهول و تجف الصحف مبنية على المجهول
أهو نسر أم ضمير !؟
أهو كبد أم ندم !؟
اكتب تعليقاً