جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
زينب حسينيسمية الإسماعيلفنونقصةمحمود روبينقد

الهو .. الأنا .. الأنا الأعلى بأجنحة فرويدية، تحلق أديبتان في سماء نص: " انسلاخ "

 

محمود روبي

 الهو .. الأنا .. الأنا الأعلى
بأجنحة فرويدية، تحلق أديبتان في سماء نص: " انسلاخ "

الأديبة والناقدة السورية/ سمية الإسماعيل

الأديبة والناقدة اللبنانية/ زينب حسيني

******


**********

النص/

                             انسلاخ (ق.ق.ج)

كان المشهدُ مُروعًا وصادمًا منذ لحظات.. فبعد أن رافقني ذاك الماكر طويلاً؛ قررتُ التخلص منه للأبد.. نجحتُ أخيرًا أن أتصرف مثل جرَّاح ماهر، توغَّل مِبضعهُ خِلسة بين جسدين التصقا. وبينما كان الجسد اللعينُ غارقًا في حسرته مما جَرى؛ قمت بتمزيقه وسحق عظامه..

القاص/ محمود روبي

*******

(1)

يستدعي المشهد الذي تصوّره القصة، حضور مسألة صراع الأنفس التي خلقها الله سبحانه و أقسم بها.. إنه الصراع الأزلي في الإنسان:

١- النفس الأمارة بالسوء  ٢- النفس اللوامة  ٣- النفس المطمئنة..

وهذا بدوره يأخذنا إلى تقسيمات فرويد للنفس البشرية: الهو/ الأنا/ الأنا الأعلى

ماذا إن حدث صراع دائمًا بين تلك المكونات؟

الاحتمالات تقول:

-إذا استطاعت الأنا الموازنة بين الأنا الأعلى والهو فإن الشخص يصبح سويًا.

-بينما إذا فشلت الأنا في السيطرة على الصراع و كانت الغلبة لأحد الجانبين فإن الشخصية تصبح شخصية مضطربة نفسيًا psychopathic .. فإذا ما أسقطنا هذا التحليل على بطل قصتنا لوجدنا أن القصة تمثّل مشهدًا سينيمائيًا لشخصيتين تتصارعان على حلبة الحياة.

تتكلم احدى الشخصيتان بلسان السارد أو البطل، فبدا أن الصراع بينهما قد بلغ أوجه منذ بداية القصة، و هي النقطة التي سيبدأ عندها الاتجاه إلى النهاية بانتصار أحدهما.

"كان المشهدُ مُروعًا وصادمًا منذ لحظات…"

تأتي النقاط لتترك مساحة للتخيل و رسم آلية الصراع و مجرياته. ثم يقوم الكاتب، رغم قصر و تكثيف القصة، بعملية استرجاع للأحداث ليبدأ لنا القصة، flashback.

قبل الاسترسال في القراءة أحببت التنويه الى "غياب" ال " أنا " في شخصية البطل و هذا ما أسقط عنصر الموازنة وأجج الصراع بين الشخصيتين، داخل البطل،.

بالاسترجاع للأحداث و التي اختصرت فترة زمنية ممتدة من عمر البطل بعبارة:

"رافقني ذاك الماكر طويلًا"

هنا تعرفنا على الشخصية التي تتحدث، إنها " الأنا الأعلى" 'super-ego الواعية جزئيًا التي في لحظة الوعي بالمحاكمة الأخلاقية الداخلية لل "الهو"، أما المكوّن الآخر أو الشخصية الأخرى فهي " الهو" التي تمثل اللاوعي حيث مخزن الرغبات والغرائز اللاواعية والدوافع المكبوتة، و هي ما وصفها البطل ب" الماكر"

في كل صراع لابد أن يسطر طرف على الطرف الآخر، و قد بدأت ملامح الصراع تؤكّد أن كفتها رجحت لل " الأنا الأعلى" أو للفضيلة، أن استطعنا اضفاء تسمية أخرى لها، على " الهو" أو لنقل الرذيلة، بكل أشكالها و مستوياتها كشرٍ مطلق.

"قررتُ التخلص منه للأبد.. "

هذه الجملة أعطتنا الاحساس بأن النهاية محسومة مسبقًا، و الأمر قد أبرم للتخلص من الشخصية المشاكسة، ولا رجعة فيه.

" المبضع" و هي الآلية التي اختارها البطل لتحقيق هذا الانفصال أو كما سماه " الانسلاخ" فللمبضع سيميائية البتر و القطع و الفصل، الذي لا عودة فيه للعضو المقطوع، الجراحة دائمًا تكون آخر الحلول و هنا بدت أنها آخر الحلول و أنجعها. فكان الفصل بين الشخصيتين يشبه فصل جسدين ملتصقين، أو توأم ملتصق، كما الجسد و الروح و كما الفضيلة و الرذيلة، وكما الخير و الشر إذا انفصلا؛ انتفت علاقة الأول بالثاني.

تنتقل الكاميرا الآن لتصور لحظة الخلاص الأخيرة، حين وصفها البطل بقوله:

"وبينما كان الجسد اللعينُ غارقًا في حسرته مما جَرى؛ قمت بتمزيقه وسحق عظامه.."

لتثبت وجهة نطري، بأن الأمر قد حُسِم لصالح الخير على الشر، و الذي قلّما نجده واقعًا إلا في عدالة السماء.. لم يكتف البطل بانفصاله عنه و تركه غارقًا في حسرته، و هذا إن دلّ فهو يدل على أن السوء لا يحيط إلا بأهله، لقوله تعالى " ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" الآية 43 من سورة فاطر. بل عمد إلى " قمت بتمزيقه وسحق عظامه.."

و كأن بالبطل يرمي بكل أردية السوء و الشر و الرذيلة، و يخرج و قد تطّهّر منها ، و هذا ما نسميه " الخلاص" أو " التطهّر" وفقًا للحديث الشريف:

" التائب عن الذنب كمن لا ذنب له" .

تقنيات القصة:

اتبع الكاتب تقنيات التكثيف و الإيجاز و التلغيز غير المفرط ، لتحقق قصته شروط الققج كاملة.. ترك الكاتب فراغات في أول جملة و آخر جملة ليفتح لنا مداءات التخيل أولًا في تصوّر الأحداث التي كانت تتم بين شخصية البطل و قرينه أو " الهو " أو مركب الشر.. و في الجملة الأخيرة لتخيّل الحياة ما بعد الخلاص.

لا مكان في القصة، لأن المساحات الجغرافية كلها مفتوحة لحدوث هذا الأمر.

الزمن في القصة تراوح بين زمن الحدث القصير و الزمن عند الاسترجاع، و الذي لم ينصّب عليه التركيز.

النهاية كانت قوية، و خالفت التوقعات حسب المتعارف عليه و المتكرر في عالم غلبت فيها صفات و أفعال الشر على الخير. مع إيماننا المطلق أن هناك عدالة تمنح للخير و للفضيلة فرصة النجاة من براثن الشيطان أو " الشهوات و الغرائز و الهوى" ، لكن ليس بما يجعلها هي القاعدة ، في زمننا هذا.

الأستاذة/ سمية الإسماعيل Sumaya Al Essmael

**************************************

(2)

يقول فرويد إن الشخصية تتكون من ثلاثة انظمة هي : الهو وال"أنا" وال"أنا الأعلى " وإن الشخصية هي حصيلة التفاعل بين هذه الأنظمة الثلاث..

فالهو، يعمل حسب مبدأ اللذة وتجنب الألم، دون مراعاة للمنطق والأخلاق والواقع، والانا الأعلى هي شخصية المرء الأكثر تحفظا وعقلانية ومراعاة للقيم الاخلاقية بعيدا عن الأفعال الشهوانية أو الغرائزية وصولا إلى الكمال لا إلى اللذة وهو يتعارض مع ال"هو"ومع ال"انا" والأنا هي الشخصية الأكثر اعتدالا بين الهو والأنا الأعلى،فهو يشبع بعض الغرائز التي يتطلبها الهو، بصورة متحضرة يقبلها المجتمع..

الموضوع:

نبدأ من عتبة النص"انسلاخ"

انسلاخ هو مصدر لفعل"انسلخ" أي "انفصل" أو ابتعد.. والعنوان هو النافذة التي يتلصص منها المتلقي ليستكشف ما يمكن أن يحمله متن النص أو قفلته.

في الاستهلال "كان المشهد مروعا وصادما..." توصيف مختصر لمشهد مروع صادم ذي علاقة بالبطل السارد يبدو أن هناك مرافقا"ماكرا" للبطل ، وهنا تنفتح بوابة التساؤلات والتكهنات عن ماهية هذا "المرافق اللعين"الذي طالت رفقته..

ويحق للمتلقي أن يتخيل ما يحدس به، فالقصة القصيرة جدا هي كاللوحة التشكيلية مفتوحة على تعدد الرؤى مما يثري اللوحة أو النص، ويحق للمتلقي أن يشارك الكاتب في كتابة النص لكن دون أن يعلن أبوته للكاتب ويخرج عن جوهر النص. لذا سأسمح لنفسي بالتكهن أن هذا المرافق الماكر، قد يكون سلوكا سيئا ك "الإدمان" على عادة قبيحة مرذولة من المجتمع، وهذا الإدمان نابع من الهو وشهواته ورغباته المكبوتة التي يرذلها "الأنا الأعلى" ويحصل في هذه الحالة صراع حاد داخل الشخصية ذاتها بين الهو والأنا الأعلى..

يقول السارد بلسان البطل:

"قررت التخلص منه للابد... " أي انه قرر التخلص من ذلك الإدمان المشؤوم، ونجح "أخيرا" أن يفصل بين "جسدين التصقا"

كلمة "أخيرا" تعني انه استمر وقتا طويلا ليتخلص نهائيا لينجح بالفصل بينهما....

التعبير قد يكون مجازيا، لأن "الهو" و"الأنا" هما فعلا شخصيتين لشخص واحد، وقد نجح البطل بعد لأي وتعب، في التخلص من شهواته وغرائزه وعاداته القبيحة التي لازمته زمنا.... وكل ذلك بفضل سلطنة "الأنا الأعلى" وهو بمثابة محكمة عليا تحاكم المرء وتزجره لينحو إلى الكمال و"الانسلاخ" أوالانفصال عما يجعله ناقصا في ذاته وكيانه، فيحلق بسمو ويقوى..

 وهكذا ينتهي النص بقفلة ملفتة "قمت بتمزيقه وسحق عظامه" تعلن تفوق البطل على "مرافقه الماكر" ليتركه"غارقا في حسرته" معلنا عنه "الإنسلاخ" إلى الأبد...

وهنا تتداعى إلى ذهني حالة "النيرفانا" أي الخلو من المعاناة، التي يصل إليها المتصوفون البوذيون عن طريق اليوغا والتأمل العميق، من أجل تحقيق النشوة والسعادة القصوى وذلك بالتخلي عن الشهوات والرغبات الغريزية المدمرة...

-الحبكة الدرامية واللغة السردية:

صيغ النص بجمل مكثفة بلاغية، محبوكة بتراص فلا نستطيع أن نحذف كلمة زائدة دون أن يتغير المعنى.

القصة هي دراما فيها تشويق تجعل المتلقي شغفا ليعرف الخاتمة الملفتة التي انتهت ببطولة .

وظف الكاتب الأفعال الحركية التي تعزز السرعة والدينامية في جمل فعلية:

- رافقني ذاك الماكر.

-اتصرف مثل جراح ماهر.

- (توغل مبضعه)

-(قمت بتمزيقه وسحق عظامه)

الحبكة درامية، نجح الكاتب في نسجها بإحكام وتوصيف معركة حامية بين البطل وخصمه، انتهت بتفوق صاعق للبطل ...

الأستاذة/ زينب حسيني Zeinab Housseiny


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *