كعوّر و أعطي الأعوّر
العقيد بن دحو
"كعوّر و أعطي الأعوّر " هذا مثل شعبي جزائري يضرب لحال البضاعة
الرديئة لزبون ردئ ؛ زبون دُجن و عود و تطبع ؛ يقتني اي شيء حتى ان لم يكن في حاجة
اليه.
حتى راجت مقولة شائعة ابان
ثمانينيات القرن الماضي زمن (سوق الفلاح) Les galeries : "اذا
وجدتهم في الطابور يوزعون (الصفع) كن أول من تفوز بالصفعة الاولى " !.
بطبيعة الحال كانت هذه رداءة ما بعدها رداءة ، و أحيانا سيكون التعبير عنها
باللسان الدارج اصدق انباء من الكتب. مادامت تنتمي الى عصر الضعف ، كان يتطلب مثل
هكذا لغة و مثل هكذا اسلوب ، مادامت اللغة و عاء الفكر و أي فكر ، و مادام الاسلوب
هو الرجل و هو المجتمع و أي اسلوب...!؟.
فعل (كعوّر) باللسان الدارج اي شيء (...) يقوم انجازه عشوائيا ، لا يخضع
لمقاييس ستانسلافسكي القائم على النسبة و التناسب ، و لا على ابجديات تقنيات و
فنيات الإدارة العالمية الكلاسيكية او ذات الإتجاهات الحديثة و ما بعد الحداثة :
التخطيط...التنظيم...المراقبة....المتابعة...المعالجة...التقييم....التقويم...
اتخاذ القرار.
بينما ( الأعوّر) من فقد احد عيناه او بعضها ، و يطلق على الردئ من
الأشياء.
و مادامت البضاعة كتلة و مساحة و حجما و لونا و شكلا (مكعوّرة) ؛ فهي حتما
لمستهلك أعوّر ، بل لمستهلك أعمى ، تعمى القلوب و لا تعمى الأبصار !
و مادامت الاسباب بهذا الشكل من
الرداءة فحتما النتائج تكون رديئة لمستهلك ردئ ، تعوّد على الرداءة من المهد الى
اللحد ، ورثها أبا عن جد ، بافلوفيا و منعكسا شرطيا كلما وجد طابورا حتى ان كان من
اجل شراء (الصفع) !
و لأن المدخلات رديئة بدورها (مكعورة)
، فالمتخلل / المتفاعل ردئ ، حتما ستكون المخرجات اشد رداءة من حيث لا ينفع الأثر
الرجعي او التغذية الراجعة ، لا يصلح العطار ما افسده الدهر.
هذا حال جل المشاريع الإستعجالية لا سيما الثقافية الفنية منها ، الإستعجال
سيد الموقف و كأن القيامة غدا..
كعور و اعطي الاعور و سميها مسرحية...كعور و اعطي الاعور و سميها
اغنية....كعور و اعطي الاعور و سميها موسيقى....كعور و اعطي الأعور و سميها
ملحمة....كعور و اعطي الأعور و سميها رواية....كعور و اعطي الاعور ما دامنا في زمن
التكعوير و في عصر العوروات او العوّر !
لهذا كان المرحوم المسرحي كاتب ياسين
خير من عبر عن المرحلة ؛ اذ أبدع لغة ثالثة - جمع بين الفصحى و الدارجة
- لهذا الخلل الأوديوفيزيوني ، حين تعمد
البشر الى فقع عيناها حتى لا تتجلى الحقيقة أمام ناظريه..فإذا كان أوديب ملكا قد
عمد الى هذا الفعل في الدراما التراجيديا اليونانية عند الكاتب صوفوكل ، نتساءل ما
الذي دعى المستهلك عندنا ليفقع عيناه على بضاعة رديئة طايوانية مغشوشة أصلا..و
عندما تغيب المراقبة فلا حاجة الى المتابعة و لا الى تقييم و تقوبم و لا اتخاذ
قرار. مادمنا في زمن الرداءة و للرداءة اهلها !
الإشكال لم تعد تبعية أسواق الفلاح التي حُلّت و ذهبت طوابيرها و انما
حينما تنزاح الى القيّم ، و تصير كلمة (طلّع) مسرحية في ظرف وجيز شهر او حتى خمسة
اشهر معادل لكلمة كعوّر !
الجمهور يريد هكذا....!
المؤسف ان المؤلف لا يعرف جمهوره و لا المغني و لا الموسيقي و لا المخرج
المسرحي.
أنا اعرف جمهوري لذا انا اكتب (شارل بيبتو) 1952 في كتابه (تاملات حول هذا
العصر).
كل ما هو امامنا جمهور نوستالجي طوابير أسواق الفلاح !
لا يوجد واحد من هؤلاء يعرف جمهوره فهم يبدعون لاسواق فلاح انقضت طوابيرها
مع الإصلاح الإقتصادي و السياسي الذي انتهجته الجزائر بعد عاصفة الغضب.
لم يعد احد يقف الصف مطولا من اجل ان يشتري صفعة يحفظ بها ماء وجهه امام
عائلته و أسرته أو عشيرته أو قبيلته أو جهته ، مادامت الكلمات صارت كلمات عائلة ،
قبيلة ، عشيرة، و جهة. لم يعد بخف حنبن
بعد أن قضى النهار كله منتظرا تفريغ مخازن اكياس و صناديق الصفع !
يؤسفنا و يحزننا مشهد أديب او فنان يجلس أمام كتبه ينتظر جمهورا لا يقبل
أبدا ، شبيها بأولئك الباعة المتجولين (الترابادور) الذين كانوا في القرن الثامن
عشر يبيعون الكلام : كلام كلام كلام ؛ مقابل صكوك الغفران او بعض عقاقير أدوية
الأعشاب !
ما الذي يبيعه هؤلاء هل بدورهم يبيعون صفع اسواق الفلاح البافلوفية أو
يبيعون (الصفع الى أعلى) حين يتلقى الواحد منهم منصبا منزوع المهام أو منزوعة
الصلاحية ، شبيهة بتلك الأيجازات التي كانت تتلقاها تلاميذة المتوسطات و الثانويات
سبعينيات القرن الماضي : " لوحة شرف معلقة" !
يؤسفني لما نحن فيه ، عندما لا تنجز المشاريع في اجالها المحددة ، و عندما نجد بعض الضعف يتسلل مؤسساتنا و
الجميع يترقب و لا يحرك ساكنا..يؤسفنا عندما تمر امام مؤسسة دورها تنشبط المحيط و
كأنها مريضة في حاجة الى حقن تنشيطية..و عندما يغيب الحافز و الناقد و ناقد النقد
الأدبي الإجتماعي الثقافي الفني بالأسواق بالمنابر بالمؤسسات فماذا تنتظر غير لفظة
المثل الشعبي : " كعوّر و أعطي لعوّر" مادامت البضاعة الرديئة تجد دائما
الأعوّر المناسب في المكان المناسب بالوقت
المناسب!.