الأديب والناقد المغربي القدير الأستاذ/ لحسن قراب يحلق بقراءة خامسة في سماء نص " انسلاخ "
الأديب والناقد المغربي القدير الأستاذ/ لحسن قراب
يحلق بقراءة خامسة في سماء نص " انسلاخ "
***********
" انسلاخ "
كان المشهدُ مروعًا وصادمًا منذ لحظات.. فبعد أن رافقني ذاك الماكر طويلاً؛
قررتُ التخلص منه للأبد.. نجحتُ أخيرًا أن أتصرف مثل جراح ماهر، توغل مِبضعهُ خلسة
بين جسدين التصقا. وبينما كان الجسد اللعين غارقا في حسرته مما جرى؛ قمت بتمزيقه
وسحق عظامه..
محمود روبي
****************
جاءت دراسته الماتعة كالتالي:
دراسة الاستاذ لحسن قراب لأقصوصة
الكاتب الكبير " محمود روبي" (انسلاخ)
********
بداية استمتعت بمقاربة الأستاذة
" سمية الإسماعيل" Sumaya Al
Essmael ، ولكن
النصوص تظل منفتحة على أكثر من زاوية نظر. وهذه إضافة نوعية لما تقدم.
العنوان (انسلاخ) جاء مصدرا، ممزقا إلى مقاطع (إ/نسلا/خ) للدلالة على نوع
من عدم الالتحام في نفسية السارد، الذي يستهل النص بشكل اندفاعي، فلا يترك هامشا
عند بداية الحكي، وهذا يفيد التلهف على الإفضاء بما توصل إليه..
وحسب فرويد، فإن النص شفاء ،والحكي إخراج لما اضطرم في النفس الإنسانية،
فلا تملك خيارا غير لفظه بعد مجه.إن هذا الاندفاع في النصوص، هو ما اطلق عليه
الأوائل (المعانقة) ويكون في قصائد الرثاء التي يُكره استهلالها بمقدمة طللية او
غزلية ،وقد تسمى هذه التقنية بالوثب (راجع ابن رشيق القيرواني) فالراثي يكون
مستعجلا من أجل التعبير عما يجيش بصدره حيال الهالك.
وقد وظف الكاتب هذه التقنية وابتدأ الحكي بفعل ماضي (كان) لإحالة الحكي على
مشهد انقضى مثله مثل جميع المشاهد البصرية، فهي آنية، لحظية، ومن هنا كانت معجزة
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم معجزة كلامية وليس مشهدية اي تعتمد على القراءة
ولو من الصدر والتدبر ولو من السطر.
وينزاح ستار الحكي عن لقطة من اللقطات التي تؤثث بفعل الكينونة (كان)
وبالصفات المتلاحقة(مروعا وصادما ).وإذا كان الفعل الماضي يرتبط بزمن مضى، إلا إذا
كانت قرينة تجعله يتجاوز الماضي مثل (كان الله غفورا رحيما) فالسياق يجعل دلالة
الفعل لا ترتبط بزمن محدد، وكذلك الصفات فإنها تفيد الاستمرارية، أي أن آثار
المشهد ستظل قابعة في المشاهد وإن انقضي زمن حدوثها.( منذ لحظات)..
في الجملة الثانية نجد الحكي يغوص في الزمن الماضي، ويعاكس الحاضر
/العنوان. فالانسلاخ يجد مبرره في زمن التلاقي والتناسب ولو مظهريا (رافقني ذلك
الماكر طويلا). إذن هناك ثنائيات ضدية تؤثث فضاء النص وتجعله يتقدم بخطى متعثرة
،فالمشهد الأول كان في لحظات، والمرافقة التي كانت قبله كانت طويلة، بسبب مكر
المرافق.
إن النص يحيل في عالمه الإبداعي على سياق ما نعيشه اليوم من مرافقة استمرت
طويلا بين العرب وغيرهم من الأمم، وقد طفا مكرهم الي وسائل الإعلام عن طريق
اللقاءات الدولية اللجوء إلى محاكم تبدى انها تكيل بمكيالين..
إذن هذا المكر المتأصل دفع الحكي الي استعمال مبضع، يمزق أوصال العدو،
(توغل مبضعه خلسة بين جسدين التصقا) فهذا حل الدولتين، الذي استطاع مبضع المقاومة
أن ينخر جسد العدو من داخله، فخرج من تحت الارض (الجسد) ليمزق الأوصال..
(وبينما كان الجسد اللعين غارقا في حيرته) وهي حيرة الغرب امام أصحاب حق،
اقسموا ان يصلوا إليه، ومن أجل ذلك قاموا بتمزيق العدو إلى أشلاء وهدوا أركانه وهي
البنية المادية من مطارات ومعامل واقتصاد وووو. وهذا ما تدل عليه جملة (سحق عظامه)
على المصدرية، لتكون للصفة استمرارية الفعل الذي تحيل عليه.
إن النص على قصر قامته (ق. ق. ج) هو مارد، ما إن يخرج من قمقمه حتى يمتد
الي الأعالي، ويعد بقوة لا تقهر، وهو ما عبر عنه الشاعر عنترة العبسي:
وإذا ظلمت فإن ظلمي باسل
مر مذاقته كطعم العلقم.
والملاحظ أن صوت الحق وهو صوت
السارد، قد أفحم صوت الباطل، فلم يدع له الفرصة للكلام، وغيابه عن المشهد القولي،
هو غياب لأصالته ولسبب وجوده، فهو أُقحم في بلاد عربية وحان الوقت لينحسر ويزول.
الأستاذ/ لحسن قراب