لا تكلفوا المدرسة اكثر مما لا تطيق
العقيد بن دحو
يكفي المدرسة الجزائرية فخرا ، وهي لاتزال صامدة ، واقفة على قدم وساق.
تجابه وحيدة مختلف التحديات و الهزات السياسية الاجتماعية الاقتصادية الثقافية.
جابهت بالامس و امس امس المستعمر الفرنسي المستدمر بكل الياته و اساليبه ،
مناهجه ، برامجه التدميرية الديماغوجية. و ابت الا ان تظل الحصن الحصين. و الدرع
المتين. الاصيل المعاصر الذي تكسرت عنده كل نصال سهام ورماح (الشر الابيض) ، بل و
بكل انواعه والوانه و اشكاله الداخلية و الخارجية.
جابهت المدرسة الجزائرية مختلف حقول التجارب المستنسخة. لتجعل منها نسخة
طبق الاصل. لانسان هجين اوتوماتيكي. لا يفكر و لا يجعل نفسه في حالة تفكير في
تقرير مصيره باتجاه محيطه المحلي و محيطه العالمي ، و باتجاه الاخر.
كاتت تريد منه انسان له القابلية للاستعمار الداخلي و الخارج ، مطيعا راضيا
، لايناقش و لا يبدي رايه في المواضيع المصيرية التي تهم المواطن و الوطن معا.
مدرسة رغم كل شيئ ، الا انها استطاعت ان تحافظ على اصالتها و معاصرتها.
تيارها القومي الوطني ، ان تحافظ على ثوابت الامة ، اللغتبن العربية و الامازيغية
و كذا الانفتاح على لغات العالم ، و النظام الجمهوري الديمقراطي ، و كذا الدين الاسلامي ، دين الدولة ، على
اعتبار الدين و اللغة طرفان متلازمان في قضية واحدة.
كما ورغم خصخصة القطاع في بعض
المظاهر كعينة Pilote ، الا ان بقي الطابع الاجتماعي الغالب
الاعم.
و يكفي المدرسة الجزائرية فخرا انها صدرت للعالم خيرة ابنائها من مختلف
الاطر و الكوادر في مختلف دروب العلم و المعرفة و مختلف المهن.
عندما نلامس بهكذا مخرجات نقول ان المدرسة الجزائرية بخير رغم التباطؤ
الحذر.
الا ان لا يمنع الاقرار بايدي خفية تطارد المدرسة ، و في كل مرة تحاول ان
توجه لها ضربة قاسمة ، الا انها كانت
تتفاداها بحكمة و تبصر وروية.
كم حاولت هدمي معاولهم *** فابى الاله فزادني رفعا.
او كما قال الشاعر
كانت هذه الايدي في كل مرة تتدخل ، و تبث السم في الدسم ، مرة باسم الدين ،
اخرى باسم اللغة ، و اخرى تتدخل بالبرامج و المناهج ، و اخرى بالهدر المدرسي او
التسرب المدرسي.... المهم ان يجدوا مشجب الصغار لتعليق حماقات الكبار. و اخفاقاتهم السياسية و الاجتماعية و الثقافية
و الاقتصادية على مدى عقود من الزمن.
حتى ذهب الراي باحد هؤلاء الحمقى ، ان العشرية السوداء ، و الماساة الوطنية
، كانت اولى نواة منطلقها المدرسة. يوم
ولت وزارة التربية الوطنية اهمية للتربية الاسلامية للتعليم الاساسي ، هو نفسه ؛
نفس السبب الذي كان قائما ابان السبعينيات حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي ، يوم كانت القومية و الوطنية تيارين في اوج
تجلياتهما ،مما انعكس بشكل مباشر على سائر مظاهر الحياة بالمجتمع.
بل ذهبت بعض الفئات الاشارة الى التربية الوطنية.
و لما ضرب الفساد و كذا الازمة الاقتصادية ، مس الجميع ، كان يشار الى المدرسة ، بتهمة افراز هذه (النخبة)
الفاسدة المفسدة ، و هذا الريع و المال الفاسد البعيد عن اجهزة الراقابة المالية ،
و كذا البعد عن التقييم و التقويم ، و الاحصاء ، و التخطيط السليم و الاستشراف ، و
لان نفس الاسباب تؤدي الى نفس النتائج ، وجدوا في المدرسة ، مرافقها ،ساحاتها ،
جماعاتها التربوية ، مناهجها العلمية التعلمية التعليمية. ووظائفها التربوية البيداغوجية المالية المادية
اكبر خزانا لامتصاص اخطاء الاخرين ، اولئك المتثبتين بالسلطة الى ابد الابدين ، و
لا ذنب بعدهم ان احترقت روما او هلكتهم المقادر!
رغم كل شيئ لا تزال المدرسة الجزائرية تقوم ، تحاول ، ان لا تتاخر عن الركب
العالمي ، فتحولت من العصر الورقي الى العصر الرقمي بسلاسة و هدوء في ظل الحكامة
الالكترونية ، و في ظل الاتجاهين العالمي و العولمي و الحضارة الديمقراطية الاكثر
انسانية.
دعوا المدرسة بخير ، فانها خلقت لجيل غير جيلكم ، مدرسة ولد تعلمه اليوم
رجل تتقذه غدا ، يحمل العالم بين يديه على جهاز هاتفي خلوي محمول ذكي ، مكنه
الاتصال ما يجري بالعالم.
بالاول و الاخير المدرسة نتاج هذا المجتمع ، بخيره وشره ، بغناه و فقره ،
لا ينبغي عزلها ، و جعلها تعيش في برج
عاجي ، يستفرد بها التاجر الانتهازي ، و
السياسي البرغماتي ، و رجل الدين
الاديولوجي ، و لا اللغوي الفيلولوجي الفونيتيكي ، مدرسة انقاذ و خلاص ، ليس
لاولئك الذين اجاز لهم المشرع باستغلال المدرسة ابان النكبات و الكوارث و المخاطر
امدة ثماني ايام ، انما مدرسة انقاذ الانسان و الانسانية من انانية وجور
وميكيافلية و نرجسية و سادية اخيه الانسان مدى الحياة.
ومادام الجور قائما ، و ما دامت المدرسة.كانت دائما (السبب) لاولئك العجزة
العاجزين عن ايجاد الحلول ، كونهم طرفا تاريخيا في المشكل ، يظل الدفاع عن المدرسة
واجبا قوميا ، بل عالميا.
"وان جاءتكم التربية مكلفة جربوا الجهل " كما يقول (براهام
نكولن).