البعيد عن البحر بعيد عن الفن
العقيد بن دحو
لا اتخيل اي فن من الفنون ، سواء كان زمانيا او مكانيا بعيدا عن البحر.
لطالما الاغريق القدامى ، و من خلالهم الاغارقة ، جلت و قدست البحر ،
واعتبرته مملكة الاعاجيب و السحر و الاسر و الاخذ . موطن الالوهيات ، الابطال. و
انصاف الالهة.
البحر مورد "بوزيدون" اله البحر ، و كذا المصلى اللاهوتي المفضل
(ابولو) اله الشعر و ملكة الابداع و الخلق و الالهام.
لذا كانت جل التراجيديات و الماسي الاغريقية ، و حتى الملاهي الكوميدية
تستهل دراماتوجياتها ؛ الجوقة او الكورس باناشيد
موجهة لعظمة و قدسية البحر ، الى الهة البحر. تقدم لها القرابين ، لعل
البحر لا يجود عليهم برغد و رخاء العيش ، انما بالنصر و الاخذ بالحرب و السلم.
لا احد اليوم ينكر تاثير الجغرافيا في السياسة ، و لا احد ينكر هيبة و سلطة
الولايات المتحدة الامريكية العسكرية ، و كذا حجم ثقل صناعاتها الثقيلة و الخفيفة
الجيواستراتيجية مستمدة ، اساسها و اسها البحر .
ولان الازدهار الحضاري كان له وقعه على فكر و ثقافة العم سام ، هي اليوم
امريكا كما هي في ذاتها اعظم قوة بالعالم اقتصاديا سياسيا ثقافيا و علميا.
صحيح لم تعد ثمة معجزة يونانية. و لا الهة بحر و لا ربات شعر و فن و فكر.
يتقرب منها الفنان المبدع ليلتمس ابداعا ، او لعله ينال مباركة هذا الاله او ذاك.
ذاك مع تطور العصر ، و تقدم الانسان على جميع المحاور البيئية الانسانية
التاريخية ، جعلت من الانسان سيد تقرير مصيره. فهو الصانع لمصير حياته ، مصدر
الهامه و ابداعه و بيئته.
يقول العلامة بن خلدون : الحضارة شيدت على شواطئ البخار. و بالتالي لا اتخيل اي فن من الفنون ينمو و
يزدهر بعيدا عن الساحل او البحر ، خاصة فن المسرح.
الا ان يمكن صناعة ما يعادل بالبحر ، و هي صناعة السكك الحديدية و القطار ،
و كذا الموانئ على اليابسة.
اذن الجغرافية الصحراوية لا يمكن لها ان تصنع فنا واعيا وازنا ، اللهم من
بعض المشاهد و المناظر الفلكلورية ، التي لا تتطلب اتزانا خاصا بين الانسان و
المحيط.
اذن لنكن عقلانيين و لا نطلب من المستحيل ممكنا.
فالبيئة عامل مساعد على الابداع و الخلق ، و الا لما كانت الاوديسة، و
الاليادة ، الانيادة ، الشاهنامة ، و المهابهارته و امهات الاثار الانسانية
الخالدة وليدة البحر و المتاطق الرطبة ، او اكانت وليدة الصحاري و القفار ، و كذا
مظاهر التصحر بكل نعانبها و دلالاتها و اسقاطاتها القريبة و البعيدة.
ان مظاهر الكتبان الرملية مرض ايكولوجي ، قائم على (التصحر) و على الثلوث
البيئي .
فكيف نطلب من النرض صحة ، ومن الصحراء فنا ، بعيدا عن الاله بوزيدون ،
بعيدا عن الاله ابولو ، بعيدا عن
البحر....!؟
نقول عنها مظاهر فنية فكرية ثقافية ، تشبه الموسيقى ، تشبه الرسم ، تشبه
النحث ، تشبه المسرح ، تشبه السينما. اما الفن الناضج ، و الفكر الراشد هناك عند
الساحل ، عند شواطئ البحار ، حيث يجدد البحر امواجه ، و ينظف نقسه بنفسه بعيدا عن
اي تصحر او تلوث.
انا البحر في احشائه الدر كامن *** هل سالت للغواصين عن صدفاتي.
و العلم بحر و لم يقل صحراء....و هكذا كلما زادت المسافة عن الساحل بعدا قل
الفعل و التاثير الفتي الفكري الثقافي ، يتناسب تناسبا عكسيا....، اذن لا تحملوا
الصحراء اكثر مما لا تطيق ، يكفي عدد الساكنة 15% من عدد السكان الجزائر من يسكنون
الصحراء ، و حتى هذه النسبة الضئيلة تشهد بدورها هجرة سنوية باتجاه الشمال اين
البحر و الخضرة و الابداع و الرعاية و مركز السلطة .