قراءة تحليلية للقصيدة الفاخرة "الأرض المقدسة" للأديب المقتدر سيد علي رأس العين
قراءة تحليلية للقصيدة الفاخرة "الأرض المقدسة" للأديب المقتدر سيد علي رأس العين
عبد الغفور مغوار - المغرب
قراءة تحليلية للقصيدة الفاخرة "الأرض المقدسة" للأديب المقتدر
سيد علي رأس العين
عبد الغفور مغوار - المغرب
مقدمة:
قصيدة "الأرض المقدسة" للشاعر سيد علي رأس العين تعتبر من شعر
المقاومة بحيث تتناول القضية الفلسطينية. من خلالها يعبّر الشاعر في قصيدته عن
مشاعره تجاه هذه القضية، من حزن وألم على ما حلّ بالشعب الفلسطيني، وإيمان بالنصر
والخلاص من الظلم. يُوظّف الشاعر في قصيدته العديد من الأدوات البلاغية، مثل
التشبيهات والاستعارات والكنايات، للتعبير عن أفكاره ومشاعره. من خلال هذا المقال
سنحلّل تلك الأدوات البلاغية، ونوضّح تأثيرها على المعنى. كما سنحلّل الرمزية في
القصيدة، ونوضحّ أبعادها المختلفة. وأخيرًا، سنقارن قصيدة "الأرض
المقدسة" بأعمال أخرى تتناول نفس الموضوع.
يهدف المقالُ إلى تذوق جمال القصيدة وإثرائها وفهم أحاسيس الشاعر وأفكاره
تجاه القضية الفلسطينية مع إثراء الوعي بها.
الجزء الأول: تحليل الأسلوب البلاغي
تُجسّد القصيدةُ إبداعًا درويشيًّا من الناحية اللغويّة واستعمال الصور
البلاغية، تلك التي مثلت قدرة الشاعر الفلسطيني درويش على تحويلِ المعاناةِ إلى
شعرٍ جميلٍ مؤثّرٍ. تُمثّل قصيدة "الأرض المقدسة" نموذجًا فريدًا للشعرِ
الملتزمِ، الذي يُساهمُ في تغييرِ الواقعِ وتحسينِهِ.
إيقاع القصيدة سريع يناسب موضوعها، مما أضفى عليها موسيقى جميلة.
من جهة، الصور الشعرية تبدو صورا قوية وواضحة تجسد مأساة الشعب الفلسطيني
وتعكس مشاعر الشاعر وأفكاره وإيمانه بالنصر. اللغة فصيحة وجميلة ومؤثرة تضيف إلى
القصيدة عمقًا وجاذبية.
يُعدّ الأسلوب البلاغي من أهمّ العناصر التي تُضفي على القصيدة جمالا، فقد
استخدم الشاعر في قصيدته العديد من الأساليب البلاغية، مثل:
1- التشبيه:
شبه الشاعر:
- الدماء ب "شلال دافق" للتعبير عن كثرتها وسرعة جريانها.
- الترصيع من الدموع للتعبير عن عمق الحزن والألم.
- أكفان الشهداء بأكاليل الغار للتعبير عن انتصارهم وخلودهم.
- ثغور الشهداء بثغور الملائكة للتعبير عن سعادتهم ورضاهم.
- أعداء فلسطين بالخنازير للتعبير عن حقارتهم وخوفهم.
- العالم بشيطان خانس للتعبير عن موقفه السلبي من القضية الفلسطينية.
2- الاستعارات:
تُعدّ الاستعارة من أكثرِ الأساليبِ البلاغيةِ استخدامًا في القصيدةِ. وكان
ذلك بغرض خلقِ صورٍ حيةٍ وجميلةٍ، للتعبيرِ عن أحاسيسِ الشاعرِ العميقةِ. أمثلة
على ذلك:
"- هنالك انجلى النقع وتجلى الرماد" : استعارة كنائية عن انتصار
الحق على الباطل.
"-فأوجست الشياطين خيفة من نورها" : استعارة كنائية عن خوف
الظالمين من نور الحق.
"-والخراب منتحب" : استعارة مكنية عن عمق الحزن والألم.
"-والحياة ثمة تنازع المنية اللعينة" : استعارة مكنية عن صراع
الحياة مع الموت.
"-والبقاء متجلدا مثل سيف بارق" : استعارة مكنية عن قوة الإرادة
وصمود الشعب الفلسطيني.
"-والألم هنالك يحتضر" : استعارة مكنية عن اقتراب النصر وانتهاء
المعاناة.
3- الكنايات:
استخدمت الكنايةُ أيضًا في القصيدةِ للتعبيرِ عن أفكارٍ معقدةٍ بطريقةٍ
بسيطةٍ وسهلةِ الفهمِ. أمثلة على ذلك:
"-دماء قانية" : كناية عن كثرة الدماء وشدتها.
"-دموع هامية" : كناية عن عمق الحزن والألم.
"-أكاليل الغار" : كناية عن النصر والخلود.
"-ثغور باسمة" : كناية عن السعادة والرضا.
"-خنازير" : كناية عن حقارة وخوف أعداء فلسطين.
"-عالم حائر" : كناية عن موقف العالم السلبي من القضية
الفلسطينية.
4- التضاد:
وظّف الشاعر التضاد في قصيدة "الأرض المقدسة" بشكلٍ بارزٍ، حيث
أضفى التضاد على القصيدة جمالًا وبيانًا، ويُساعد على إيصالِ المعنى بشكلٍ أوضحَ
وأقوى. وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
- التضاد بين الحياة والموت : "والحياةُ ثمة تنازعُ المنيةِ
اللعينةِ"
- التضاد بين الظلم والعدل : "فأوجستْ الشياطينُ خيفةً من
نورِها"
- التضاد بين النور والظلام : "والخرابُ منتحبٌ، والظلامُ
يُخيمُ"
- التضاد بين اليأس والأمل : "والألمُ هنالكَ يحتضرُ، والأملُ
المنتصرُ"
- التضاد بين القوة والضعف : "والبقاءُ متجلّدٌ مثلَ سيفٍ بارقٍ"
- التضاد بين الخوف والشجاعة : "والخنازيرُ هنالكَ جفلتْ"
- التضاد بين الكثرة والقلة : "ودماءٌ قانيةٌ انهمرتْ مثلَ شلالٍ
دافقٍ"
- التضاد بين السعادة والحزن : "وثغورُهم باسمةٌ مثلَ ملائكةٍ تعرجُ
في السماءِ
الجزء الثاني: تحليل الرمزية
تُعدّ الرمزية من أهمّ الأدوات التي استخدمها الشاعر في قصيدته "الأرض
المقدسة" فقد وظّف العديد من الرموز للتعبير عن أفكاره ومشاعره تجاه القضية
الفلسطينية. فيما يلي بعض الأمثلة على الرمزية في القصيدة:
1- رمز الأرض المقدسة:
تُمثّل الأرض المقدسة رمزًا للوطن الحبيب، ورمزًا للقضية الفلسطينية.
يُعبّر الشاعر عن حبه للأرض المقدسة وارتباطه بها من خلال استخدام ألفاظٍ دالةٍ
على المشاعر الإيجابية مثل "الطيبة" و"الجميلة. "
2- رمز الدموع:
تُمثّل الدموع رمزًا للحزن والألم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. يُعبّر
الشاعر عن عمق الحزن والألم من خلال استخدام ألفاظٍ دالةٍ على المشاعر السلبية مثل
"الهامية" و"المنتحب."
3- رمز الشهداء:
تُمثّل كلمة "الشهداء" رمزًا للبطولة والتضحية في سبيل الوطن.
والشاعر يُعبّر عن إعجابه وتقديره للشهداء.
4- رمز الشياطين:
تُمثّل الشياطين رمزًا للظلم والعدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
ويُعبّر الشاعر عن رفضه للظلم والعدوان من خلال استخدام ألفاظٍ دالةٍ على المشاعر
السلبية مثل "الخوف" و"الجبن. "
5- رمز الأمل:
الشاعر يُعبّر عن إيمانه بالنصر من خلال استخدام ألفاظٍ دالةٍ على المشاعر
الإيجابية مثل "البقاء" و"السيف البارق. "
6- رمز الألم المحتضر:
يُعبّر الشاعر عن إيمانه بانتهاء المعاناة من خلال استخدام ألفاظٍ دالةٍ
على المشاعر الإيجابية مثل "المحتضر" و"الأمل المنتصر. "
بالإضافة إلى هذه الأمثلة، هناك العديد من الرموز الأخرى التي استخدمها
الشاعر في قصيدته. وتُساعد هذه الرمزية على إثراء المعنى وتعميق التأثير.
الجزء الثالث: مقارنة قصيدة "الأرض المقدسة" بأعمال أخرى:
يوجد تشابه جلي بين قصيدة "الأرض المقدسة" وبعض الأعمال الشعرية
الأخرى التي تتناول قضية فلسطين. على سبيل المثال، يمكننا مقارنة القصيدة مع قصيدة
"عاشق من فلسطين" لمحمود درويش. في كلتا القصيدتين، يتم التعبير عن الحب
العميق والانتماء لفلسطين، مع التركيز على الصمود والتحدي.
مقارنة مع قصيدة "عاشق من فلسطين" لمحمود درويش:
يشدد الشاعر في "عاشق من فلسطين" على حضوره وتواجده في الأرض
المحتلة، مقابل تركيز "الأرض المقدسة" على الأثر الباقي للشهداء وروحهم
الجاهدة.
يستخدم محمود درويش لغة قوية تتناغم مع شخصيته كعاشق، بينما يتجلى في
"الأرض المقدسة" الروحانية والأمل بالنصر عبر استخدام الرمزية.
كما يمكن أيضاً مقارنة القصيدة مع قصائد للشاعرة فدوى طوقان ونزار قباني
وأحمد مطر وفاروق جويدة. في هذه القصائد، يتم التعبير عن الحزن والألم والاشتياق
للأرض، ولكن "الأرض المقدسة" تتميز بتركيزها الفريد على الجوانب الروحية
والدينية للصراع.
مقارنة مع قصيدة "كفاني أموت عليها" لفدوى طوقان:
تتشابه القصيدتان في التعبير عن الاشتياق والولاء للأرض، ولكن "الأرض
المقدسة" تبرز التفاؤل والأمل بشكل أكبر.
تعتمد "كفاني أموت عليها" على اللغة البسيطة والمباشرة، في حين
تستخدم "الأرض المقدسة" الرمزية والتشبيهات بشكل أكبر.
مقارنة مع قصيدة "طريق واحد" لنزار قباني:
يشدد نزار قباني في قصيدته على ضرورة المقاومة من خلال استخدام السلاح، في
حين يبرز "الأرض المقدسة" الصمود الروحي والديني بشكل أكبر.
تسعى "الأرض المقدسة" لتوجيه رسالة تأملية وروحانية بينما يركز
"طريق واحد" على التحريض للمقاومة.
بهذه المقارنات، نجد أن "الأرض المقدسة" تبرز بفرادتها في
التعبير عن القضية الفلسطينية، حيث تجمع بين التعبير الشاعري والعنصر الديني بشكل
متناغم، مما يجعلها إضافة فنية مميزة للأدب الفلسطيني والعربي.
الخاتمة:
تُعدّ قصيدة "الأرض المقدسة" للشاعر سيد علي رأس العين قصيدة
قوية وجميلة فهي قيمةً مضافةً للأعمال الأدبية التي تتناول هذه القضية وتُساهم في
إثراء الوعي بها. كما تُساعد على فهم مشاعر الشعب الفلسطيني وأفكاره، وتُعزّز من
إيمانه بالنصر والخلاص من الظلم.
وختامًا، فإنّ قصيدة "الأرض المقدسة" تُعدّ صرخةً مدويةً ضد
الظلم والعدوان، ودعوةً للعمل على تحقيق السلام العادل في فلسطين. وإلى أن يتحقق
ذلك، ستبقى هذه القصيدة رمزًا للأمل والصمود. نترك للقارئ حرية تكوين رأيه الخاص
حول القصيدة، كما نهيب بشاعرنا وأديبنا الألمعي بما جاد به ويجود من ابداعات نتمنى
له مسيرة موفقة يطبعها التألق.
القصيدة:
"الأرض المقدسة
-
هنالك انجلى النقع وتجلى الرماد
دماء قانية انهمرت مثل شلال دافق
وبدموع هامية رصعوا الأرض الطيبة
والشهداء دبجت أكفانهم بأكاليل الغار
ونثروا عليهم أريجا من زهر الفردوس
وثغورهم باسمة مثل ملائكة تعرج في السماء
فأوجست الشياطين خيفة من نورها
ففرت وارعوت مثل الجبان
هنالك ارتفع الدخان وصار الركام مثل الجبال
والخراب منتحب
والحياة ثمة تنازع المنية اللعينة
والبقاء متجلد مثل سيف بارق
والخنازير هنالك جفلت
والعالم حارن مثل شیطان خانس
والألم هنالك يحتضر
والأمل لا يموت على الأرض الطيبة.
الشاعر سيد علي رأس العين.