جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءالعقيد بن دحو

الهروب نحو الرواية التاربخية

 

الهروب نحو الرواية التاربخية

العقيد بن دحو

و كان خسارة واحدة لا تكفي ، حين حول المبدعون احلامهم الى صور فكتبوا شعرا ، ولما ازدادت الخسارة. توشك ان تصير خسارة وطن كتبوا رواية.

فالشعر رواية مغناة و الرواية شعر مقروء ، او هناك انصاب تتكلم و انصاب تغني .

و بين الخسارتين - كون الكتابة عموما تدل على الخسارة اكثر منها على الكسب - و في عز نهاية التاربخ (فوكوياما) ، و في عز مرض الرواية ، التي هي في نفس مرض الانسان : حرب ، قتل ، تعذيب ، دم ، خوف ، قسوة ، تهجير ، نفي ، سجن ، و كل هذه الاشياء التي تندرج تحت مسمى واحد " جنون التاربخ".

تاريخ البشر حيال حريته باتجاه قوة الخير و الشر ،  وسوف تكون نهاية هذه الحرية مقرونة بنهاية التاريخ ؛ اذ "لاحرية لاعداء الحرية" كما ورد في بيان (بربتون) الشاعر السيريالي.

الملاحظ و المتتبع مؤخرا للحركة الادبية في الجزائر ، نزعة و ميل كل الميل ، الكاتب الروائي على وجه الخصوص الى كتابة الرواية التاريخية او مستمدة من الحدائق الخلفية للتاربخ ، كالثرات مثلا بكل انواعه و اشكاله المادية و اللامادية.

ايضا الثرات شبيها بالتاربخ. ان لم يكن قد صار تاريخا.

"لبناء حضارة يلزمنا تاريخا و الشبيه للتاربخ" (مالرو).

و منذ ان حولوا الشعراء صورهم الى افكار ، صارت الفلسفة بدورها فنا من الفنون ، فالفيلسوف شاعر سابق لاوانه ، اتخذ من الفكر احدى جماليات (اشعاره) ، حين صار يكتب من ذاكرة المستقبل كما يقول افلاطون.

ووفق هذا القول كما يمكن (مؤارخة) الاسطورة (الادب) يمكن احالة الاسطورة الى تاريخ و الى فلسفة ايضا.

غير ان هذا النزوع الى التاربخ جعل الملاحظ و المتتبع في موضع شك وريبة لما يكتب و يحصل في فن جنس الرواية.

عالميا ادت فكرة الهروب من المجتمع الى كتابة الرواية التاريخية ، الفصل بين المجتمع و الادب ، و بين الادب و الفن. فكرة الهروب من المجتمع ، و الدفاع عن المجتمع ، و على الا يكون الادب مراة يعكس طموحات و امال، و انشغالات و مشاكل الناس ادى الى هذا الارتداد عندنا ، مما ادى بدوره الى ما يسمى ( بادب الهروب) !.

قد نتفهم الحالة السيكولوجية الاجتماعية الاقتصادية السياسية التي ال اليها الاديب ، و لا سيما في العشرية السوداء التي جعلت منه رجلا مخدرا على طاولة العمليات الادبية ، او ممددا على "سرير بروكست" ، ليخضع لعملية الطول ان كان قصيرا  ، و لعملية القصر يشد بحبال ليصير بطول حجم السرير !

لكن لا نتفهم ان يكون الروائي جبانا الى هذا الحد ، مرعوبا. خائفا ، مصابا بداء الفوبيا الرهاب ، يوم ان راى ابناء عائلته الادبية.  قبيلته ، عشيرته ، جهته يقتلون ، يهجرون ، يتشردون و اشياء اخرى....!

هرب الى التاربخ مقلدا في هذا الامر السياسي حين مكنه التاريخ من تلك الشرعية التاريخية.

لم يدر بعد الاديب الروائي عندنا بان الادب عموما صار سلطة منذ سنة 1857 ، و لم يعد يحتاج الى سلطة ، يقضي عمره كله وراء طيف سلطة لا تثق فيه حتى ان اصبح عضوا من اعضائها ، و ملكا اكثر من الملك !

نعلم ان الاديب الروائي الجزائري خصوصيته الاجتماعية و مخياله اللاوعي حتى ان كان غير متدينا و غير اجتماعيا ، غير انه لا يمكن فصل الظاهرة الادبية عن الظاهرة الاجتماعية. و حتى ان كانت الرواية العالمية تمتاز باطراح الحياء كما امتازت به الرياضة في تاريخ ما ، غير ان الاديب لا يستطيع ان يكتب رواية عاطفية ، و لا يستطيع ان يعبر و يبوح علنا عن حبه الخالص الحقيقي لامراة ما ، بل لا يستطيع ان يكتب رواية اجتماعية ، و لا رواية شاملة يعبر فيها عن معانات الساكنة بكل تجلياتها ، فهو ادرك مبكرا هذه البيئة الخطرة على ارض مجهولة كما يقول فقهاء الادب ، ان حاول ان يلعب فيها دورا ما قبل ان يدق عنقه !.

كاتب اصبح يكتب من خيمة (همنجواي) ، ذاك الشخص الذي هرب من الظلام  ونصب خيمته في الليل ؛ كون بالداخل اقل قتامة !.

كاتب الرواية التاريخية او تلك الشبيهة بالتاريخ (تراث مادي و لا مادي ، اعادة النبش في القبور ، الامور السطحية ، تصوير الاحداث من جانب واحد  ، عادات و تقاليد ، فلكلور ، لهجات شعبية ، اهازيج ، طقوس ، خرافات....)

يريد كما يراد بذاك المثل القائل : " ابعد عن الشر و غني له" ، يريد ان يبعد عن الرقيب الداخلي و الخارجي ، بقدر ما يريد ان يرضي حاجات دفينة في عمق اعماق نفسه ، يريد ان يقوم مقام المؤرخ ، و بالتالي خسر الحسنيين معا ، خسر الاديب ، و خسر المؤرخ ، بل اكثر من هذا وذاك خسر الانسان ، و خسر البيئة التي كانت تعبر عنه وكان معبرا عنها ، بل الامر خسر جمهوره ؛ هذا ان كان له فعلاجمهورا.

من هروب الى هروب ، و كانه مطارد . من الهروب من المجتمع ، الى الهروب الادبي ، الى الهروب اللغوي.

ان عالما لا يفهمه الا العلماء يشعر فيه الناس بالغربة و التفكك و اللاانسانية.

محظوظون هم الاموات عندنا ، تمهد لهم الكتابة الروائية السجاد الاحمر ، كيما يعبرون بسلام و امن من العالم الاخر الى هذا العالم بين دفتي كتاب ، و من الرميم الى الحاضر الرخيم !.

ان الذي يتجاهل بصلف حاجات الجماهير ، و يتباهي بانه لا يمكن ان تفهمه الا النخبة المحدودة المحددة الموحدة المصابة بداء التوحد الادبي الفني و الفكري ، هم اولئك الذين فتحوا الابواب على مصراعيها امام السخافات التاريخية و الشبه التاريخية ، لعودة تكرار المكرر و تجريب المجرب ، يقبلون الجدار و من سكن شغف الديار !

فبقدر ما ينعزل الفنانون و الكتاب عن المجتمع ، بقدر ما ينصب على المجتمع من السخافات0 و التفاهات و سقط متاع.

نريدها رواية حديثة شاملة غنية ، ثرية ، حية ، تكتب و تستشرف من ذاكرة المستقبل ، من التاريخ الات.

ان تجيب عن قضايا الساعة ، عما عجزت عنه السياسة ، عن الاسئلة المؤجلة ، كمشكلة العنف ، الطلاق ، الزواج ، الهجرة ، الارهاب ، البلوكاج و الاحتباس الايكولوجي ، البولوتيكي ، التعليم ، المراة ، حقوق للانسان ، جرائم الحرب......،

نريده روائيا شجاعا ، يقول قولة حق و لو كانت على نفسه ، انساني ، حيادي ، يواجه الصعاب ، غير متاح في  كل ناد و في كل مرقص ، بقبعة واحدة تتسع لراس واحد ، قبعة الاديب الذي لطالما الفنا ان يقول قولة (لا) و يمضي فارسا لا يشق له غبار.

كم نتاسف على حالة الاديب الروائي و هو يمارس ادب الهروب ، الهروب الى الرواية التاربخية لخوف اصيل بالذات الادبية ، داء متلازمة من خاف سلم(....) !.

فنون أخرى للكاتب 
العقيد بن دحو


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *