مؤتمر الدفاع عن الثقافة
العقيد بن دحو
منذ المؤتمر
الاول للكتاب القاضي الدفاع عن الثقافة سنة 1933
Premier congrés des écrivains pour la defense de la
culture
المؤتمر
العالمي الذي لم يسمح فيه للسيرياليين و لأنصار المذهب أو المدرسة للسيريالية
بالكلام.
من عام 1933
الى هذه السنة 2024 أي أزيد 90 سنة ، ما يقارب قرن من الزمن لم نعد نسمع بهذا
المؤتمر المشؤوم الذي انتحر فيه خيرة رجالات الفن و الأدب و الفكر السيريالي.
اذ
السيريالية هو تاريخ شهدائها الثلاث الخاص ؛ فقد أنتحر "جاك فاشيه" عام
1918، و في عام 1929 اطلق "جاك ريغو" النار على نفسه ، وفي عام 1935
انتحر "رنيه كريفيل" هذه الحالات
الثلاث المأسوية التراجيدية لا يمكن التعبير عنها الا عبر تلك الحالات
الميؤوس منها ، على عدم قدرة الثقافة عموما على التغيير و التفكير من جديد في مصير
البشر.
بل أدت ظاهرة
فصل الأدب و الفن عن الظاهرة الاجتماعية و عن الظاهرة الجغرافية الى ما يسمى فكرة
الهروب من المجتمع. حين يجد المثقف عموما نفسه يدور في حلقة مفرغة ، يقوم بعمل
(سيزيفي) عبثي لا طائل من ورائه. حتى أن سيزيف يقوم بهذا العمل صعدا نحو الأسفل
يوميا للمحافظة على لعبة الحياة و التمسك بالحياة على جورها وظلمها و قساوة طبيعتها
و بشرها.
جاء هذا
المؤتمر الشاهد الوحيد على هشاشة الثقافة و عن هشاشة الديمقراطية كآلية لحكم الشعب
نفسه بنفسه ، أكبر أكذوبة عرفها بعد الحرب العالمية الثانية ، عندما استفاقت
الشعوب من دوخان ودوار الحرب ، و أكتشفت نفسها أنها الحلقة الأضعف في عالم البقاء فيه
للأقوى ، عالم الإرتقاء بالإنسان نحو الأسفل. عندما الشعوب لا تستطيع أن تحافظ على
مكتسباتها ، و لا تلك المتطلبات البافلوفية التي يضعها له كبار الساسة و القادة ،
لا يكادون ينتهون من مطلب حتى تباغتهم مطالب أخرى أكثر اغراءا و أكثر تشتتا ، و
بهذه الدوامة تفقد الشعوب المطلبين معا ، المطلب القديم و المطلب الجديد الذي
يطالب به!
زهاء قرن من
الزمن لم نعد نسمع عن أي مؤتمر للدفاع عن الثقافة ، لا من لدن تنظيم جهات حكومية
رسمية و لا من جهات أممية أو أية هيئة أخرى حرة ليبرالية مستقلة. و كأن الجميع
حكومات و دول و أمم اتفقوا سرا و علنية على اغلاق الملف - (الباب اللي يجيك منه
الريح سدو و استريح)- الجميع ينأى بنفسه ،
و كأنها قامت القيامة نفسي...نفسي...!
وزارات ثقافة
غير سيادية ، خدماتية ، توفر اللهو و الترف ، تشجع على (فلكرت) ما تبقى من أمل ،
ثقافة الزردة و الهردة ، و ثقافة هز الأكتاف و الأرداف كما قال المفكر الموسوعي
العلامة الجزائري مولود قاسم نايث بلقاسم.
الثقافة
اليوم و رغم التضحيات الجسام التي قدمت
العديد من القرابين على محراب الحرية و المساواة و العدل و الفكر الا انها
لا تزال في آخر انشغالات و اهتمامات حكومات و كبار قادة ملوك ورؤساء دول العالم.
أقل تقدير أنها تعامل كفئة استشارية عامة مخدرة على طاولة مدونة بيروقراطية ،
أوراق ادارية لا أقل و لا أكثر.
كان لهذا
البعد عن الثقافة و السياسة العدائية الادباء و الفنانين و المفكرين تأثيره
التراجعي العكسي الإرتدادي على مستوى النماء التنموي الحضاري و كذا على الصعيد
الازدهار الاقتصادي السياسي الاجتماعي.
اذ العالم
بأجمعه يقر بمعادلة : لا تنمية دون حراك ثقافي. و مع ذلك القليل من يتحرك !
بل
الغالب يجعلون على رؤوس هذه المؤسسات
الثقافية رجال و نساء لا هم بالحفيظ و لا هم بالأمين. يتعلمون الحفافة في رؤوس
اليتامى !..أو أقل تقدير يلزمون الصمت طيلة عهدتهم ، و هذا ما يريده كبار العالم
الصفوة العليّة !
و بالتالي
أبعدوا الثقافة منذ الحربين العالميتين الكونيتين بل أعتبروها العدو الاول ، أو
الشر الذي لابد منه !
من اين يطلب
مثقفي العالم كتابا و أدباء و فنانين مؤتمرا يدافعون فيه على الثقافة ، و أكبر
عملية خرسانة (التفريغ) تصب بمخيلة الناس بأدمغة . أنّ الرهان على الثقافة في
تحريك السواكن و كنس التكلس في رُكب الناشئة و مجايلة الأجيال لا تزال ممكنة.
كما تكونوا
يولى عليكم و لأن بيت المثقف اليوم أوهن من بيت العنكبوت ، يولون عليه (الادبار)
من لا احد يعرفهم ، من عالم آخر ، من كوكب آخر ، المهم يحسن البريق المعدني.
أخطر ما يهدد
الثقافة عندما يصل (الأشباه) و (الأشباح) و (الأنصاف) الى سدة الحكم الثقافي ،
يغترب الأديب الحقيقي ، يغترب المثقف الحقيقي ، يغترب الفنان الحقيقي الى برجه
العاجي ، من أعلى متكإ له في صمت السمت ، يراقب الخيانة و هي في بداية تشكلها كرة
ثلج ، يوما عن يوم حتى تفقد توازناتها و جاذبياتها الارضية ، تتدحرج مخلفة ندوبا و
جراحا في كل من يعترض سبيلها. يصعب بعدها جبر الخواطر أو تداعيات و تراسلات الخواطر....!
مؤتمر الدفاع
عن الثقافة في ظل هذا العالم الذي يوما عن يوم ينجر نحو حرب عالمية كونية ثالثة
تعيدنا المربع الأول الأكثر تفككا و ايلاما و أقل املا.
مؤتمر شبيه
بذاك المؤتمر الذي يعقد سنويا(سات) حماية الييئة و الانبعاث الحراري. و من غريب
الصدف الثقافة انتاج بيئي لكن لا احد يرافع و يدافع عن الثقافي.
و الى أن يعي
الجميع الدور الطلائعي الثقافي من جديد ، الثقافة : توعية ...تعبئة...سلاح يجب
انقاذها أولا من أولئك الميكيافليين الذين غنموا و اغتنموا الثقافة وجعلوها ملكية
خاصة ، ملكية عوائل ، ملكية قبائل ، ملكية عروش ، الى أن صارت جهونة تميل نحو
العنصرية..الاستعمار و أذرع الأستعمار لا يريد من ان المجتمعات حرة مستقلة الفكر و
التفكير و مبعثا عن التغيير ، انما تريدها موغله في وحل الفلكلور ، عبيدا توفر
الرفاه و اللهو و المتعة للسيد (....) !
الفرق أن
تكون حرا دوما و مجددا ذو رأي ، قائدا ، و بين أن تكون مستهلكا منقادا لا تطالب
بأي حرية و لا بأي قيمة انسانية تبيلة.
مؤتمر للدفاع
عن الثقافة.