مشروع الدولة الثقافية
العقيد بن دحو
مع التقدم الثقافي و الحضاري للأم و الشعوب ، و مع الإنبعاث الجديد للحضارة
الديمقراطية ، و منذ أواخر القرن الثامن عشر 1881 ، و منذ الثورتين الفرنسية و
الأمريكية صار ما يميز الدولة يميز القيم
: امتازت بالميزات و الصفات المعنوية ، ما يمس الانسان و البيئة و التاربخ يمس
بثقافة الدولة و الدولة من حيث هي ثقافة.
لا زلنا حتى هذا العصر الذي أثقله منطقه ، و أثقلته العولمة أو الكوكبة أو
فكرة العالم قرية صغيرة ، نسمغ و نقرأ عبر وسائل ووسائط الإعلامالخفيفة الثقيلة
الرقمية عن تلك التقسيمات التي قسنت النقشم ة جربت المجرب ؛ عن تلك التخصصات التي
خصخصت البعض عن الكل ، مست الدول ، لاسيما في عصر الذكاء الإصطناعي ، و منصات
شبكات التواصل الإجتماعي ، والعالم الرقمي بكل ما يعني الرقم من كلمة تجريد و
تجريب.
أعطيت الدول ألقابا و أسماءا قدحا
أو مدحا كأن يقال الدولة الثيوقراطية ، الدولة الديمقراطية ، الدولة الشمولية ،
الدولة المارقة ، الدولة الريعية ، دولة الموز ، دولة(أوريل) ، دولة الجمهورية
الفاضلة ، الدولة النووية ، و الدولة البحرية حيث تتأثر السياسة بالجغرافيا و العكس ، و حيث يؤثر الأقتصاد في
السياسة ، و تتأثر الثقافة بنهج و سلوك الدول..
تسيير الدول لغة بالمعنى العميق للكلمة ، فمن حيث الأسلوب هو المجتمع
فالأسلوب هو الثقافة و هو الدولة(هوبز).
صحيح لا شيء يأتي مجانا دون تضحيات جسام في مجرى التاريخ و عير أجيال
مختلفة متراكمة. الأ أن اليونان الفديمة
حاضرة الإغريق شَهِدَت - بكيفية أو بأخرى- بواكير ما للدولة الثفافية ، فالملموس
لدينا ورغم تلك الحروب البوبليزية الطاحنة التي كانت قائمة بالمقاطعات الاغريقية و
أوشكت ان تصل بالاغارقة بالفشل أو ما يسمى اليوم بالدولة الفاشلة ، الا أن استطاع
القانوني (سولون) أن يسن المجتمع الاغريقي المتفرق الشتات حول مبادئ و قيم و سنن
انسانية اكثر عدلا و أكثر مساواة و أكثر حرية ، اقتطع من خلالها استحقاقات في غاية
الأهمية ، ان يعيد للشعب الأثيني بعض حريته المسلوبة و بعض انسانيته الأسيرة أمام
الجبابرة و الأغنياء الأورستقراطيين الأقطاعيين.
دام الحال على هذا الوضع الى عام (-411 ق.م) ، يوم عاد الحاكم. بيزيستراتوس
من منفاه ، و رغم انه كان مسنبدا طاغية دكتاتوريا ، الا أنه أستطاع أن ينتهج
أسلوبا ويسوس الناس سياسة جديدة في تسييره
الرشيد لأمر الدولة أثيا و يوحد الشعب حول قيم و مبادئ معينة أكثر نبلا و دفئا و
مشاعرا ، يجلب الموالين له و يقوي اواصرهم و يشجع المترددين على الاقبال السياسي ،
و يحمس المحايدين المستقلين ، حين أحاط حكمه مجموعة من المستشارين الفنانين. بل
بلغت به الجرأة و الشجاعة أن جعل سولون الحكيم مواصلة نضالاته القانونية و سن مساطره ، تشربعاته وقوانينه ، بل أكثر من
هذا كله ، حين تودد للشعب و تقرب منه عندما سن قانون عبادة الإله (ديونسيوس) اله
الفن و الجمال و العربدة و جعله الديانة الاولى لكافة ساكنة أثينا. بل أكثر حين
أمر بتدوين الملحمتين الشهيرتين للشاعر هوميروس الاليادة و الاوديسا. بل انزل فن
المسرح مشاعا لكافة شعراء الدراما للسباق و التباري.
كما جعل من المدينة الأغربقية "أحسن معلم" اذ اطلق عليها لقب
(بوليس) Polis.
بل امتدت ثقافة الدولة أو مصطلح الدولة الثقافية عنده كما يقول المفكرون و
النقاد الألمان الى نهج تسيير (الحكم) و جعل منه حكما راشدا و سماه " الحكم
كنز" Le pouvoir c'est un trésor
أو كما يقول الفرنسيون النبلاء الجدد.
أذن لا يمكن الحديث عن انبعاث حديث للديمقراطية دون ثقافة دولة جادة واعية
وازنة ، من خلال حكم راشد تدافع عليه و تحميه و تحرسه الدولة كحمايتها لأية ثروة
ذات بنيات فوقية أو تحتية.
الدولة الثقافية قد يلمسها ذاك الزائر من خلال مدنها الثقافية التي تشيد و
التي تنقذ العديد من الساكنة ، بل تجعله مقاربا و ملتصقا ببيئته و تاريخه و عرقه.
الثقافة انقاد خلاص ، ناهيك أن كانت ثقافة الدولة.
من خلال أطرها و كفاءاتها و كوادرها الثقافية التي تتقدم المراسيم و
اللقاءات. لا أن يظل المثقف على الهامش و ثقافة الدولة غير سيادية.
لا يزال الرهان على الثقافة قائما حريصا في عدم انهيار المدن و الدول ، كون
الثقافة قي مجرى التاريخ ما يبقى بعد أن تخسر الدول كل شيء.
الرهان او ما يجب أن تتعلمه الدول و تدرجه في مناهجها التربوية البيداغوجية
العلمية التعلمية التعليمية ، في مكون مقدراتها التنموية الإستشرافية الإستراتيجية
الاقتصادية الاجتماعية السياسية.
الثقافة مشروع دولة ، صحيح البراغماتية علمتنا ان جل الدول حتى اولئك
الأكثر حضارة و تقدما و ليبرالية الثقافة ليست من أولوياتها ، وانما شغلها الشاغل جمع
الأسلاب و نهب غنائم دول العالم الثالث ، مشروع الدولة الفلكلورية ؟ كما أرادها
لها المستعمر القديم الجديد أن تكونه ، في الماضي و الحاضر و المستقبل.
القابلية للإستعمار و العودة اليه في اي وقت يشاء ، فكرة ثقافية بالمقام
الاول ، و عندما تكون الدولة بعيدة عن الثقافة أو معادية لها تكون قريبة الى الغزو
مجددا.
ما يخيف حقا ان يصبح كل شيء فلكلور بإسم الثقافة. بينما (الغالب) تاريخيا
يبدع و ببتكر و يفكر و يحكم و يقدر الأشياء كيما يظل (المغلوب) مولعا ، مستهلكا ،
ببغاويا ، يردد أصداء الصوت الأقوى ما وراء البحار و خارج شواهد الحدود الجغرافية
المتعاهد عليها.
مدن و قرى ، احياء و شوارع ثقافية و دولة ثقافية كفيلة بنهضة أمة من جديد ،
كفيل من انبعاث جديد لمفهزم الحكم من حيث الحكم هو ايضا ثقافة و ليس كنز فقط ،
يتجدد وفق تلك الفكرة التي تغير وجه المحيط ؛ بل وجه العالم.