أرض و لا أرض أخرى
العقيد بن دحو

لست ادري في حديث الوافد الجديد القديم للبيت الأبيض الامريكي الرئيس
(ثرامب) ، حديثه عن اعطاء وطنا للفلسطينيين و لاسيما ساكنة قطاع غزة على الاراضي
الأردنية و على أرض سيناء جمهورية مصر العربية ؛ و كذا ايجاد منفذا آمنا لما تبقى
من قادة حركة حماس بشقيها المدني السياسي و العسكري. هذه النكثة أو الوسوسة
السياسية تعيدني الى أثر أدبي درامي تراجيدي من الأدب التمثيلي اليوناني ، كنت قد
قرأته منذ أمد بعيد. يعود للشاعر الدرامي التراجيدي المعتدل (صوفوكليس) أو/(صوفوكل)
. اين جاء على لسان (كريون) الملك والد (هيمون) خطيب ابنة عمه (أونتجون)
أو/(أونتجونا) ؛ في حين ينبؤه الرسول .....أتقتل خِطب ابنك !؟
يرد بكل جفوة و بكل دم بارد قائلا
: هناك أرض اخرى يمكن أن تُحرث.
و لو أن هنا (الأرض الأخرى) / كريون
يقصد بها امرأة اخرى لإبنه يتزوجها عوضا و بديلا عن اونتجون !
كل ما يمكن أن نقوله هذا هو منطق الإستبداد و الإستعمار و الإستدمار في كل
زمان و في كل مكان. لمن يقرأ فعلا عودة التاريخ عندما تدور عجلة الزمن مرتين ، مرة
في شكل مأساة و مرة في شكل مسخرة. حين يعلمنا معلم التاريخ انتصار الرجل الأبيض ،
ذاك الذي سماه المفكر المستشرق الفرنسي (روجي غارودي) أو/(رجاء غارودي) : "
الشر الأبيض" وهو يغزو افريقية ، و يُهًجر اهاليها الزنوج من ادغالهم و
غاباتهم ، يقتلعهم عن أصولهم و جذورهم الى أراض اخرى ؛ الاوروبية و الأمريكية سلعا
و بضائعا شبه بشرية و نصف لاشيء تجارة رق
بأسواق النخاسة. تماما كما فعل الإستعمار الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر
1830 عمل على تفريغ الجغرافية و عمد انتهاج سياسة الأرض المحروقة ، هجّر اهاليها
الى كاليدونيا الجديدة و اطلق عليهم "الموريسكيون" ، كما نفى السلطات
الإستعمارية معظم قادة جبهة التحرير الوطني الى بلدان اخرى !.
اذن عندما يشير ثرامب و قادة اسرائيل الى هذه الفكرة فكرة التهجير و
التفريغ فهي ليست وليدة اليوم ، سواء كانت فكرة درامية ارض اخرى يمكن ان تُحرث !
أو فكرة ارض بلاشعب و شعب بلا ارض ، او فكرة أرض أخرى موعودة للغزاويين ، لا تقل مسخرة و مأساة عن الفكرة
"السايسكوبية" القاضية مجددا بتقسيم المقسم و تجريب المجرب على الدول
المهضومة المهددة اصلا بالتقسيم و التجريب الجغرافي و الجيوبوليتيكي ، و التي لا
تزال ترى الدول للمستعمرة قديما بأن لها حقا تاريخيا و مجالا حيويا تعمل جاهدة على
استرداده عاجلا ام آجلا !.
صحيح كان عزاء الغزاويين على ارضهم في انتصار ثورتهم ، كما جاء الفيلم
الوثائقي مؤخرا على قلوب الفلسطيني بلسما. الفيلم الذي حاز على جائزة الأوسكار في
بلد العم سام ، و في عقر دار ماما امريكا اغضب اسرائيل و احبط مخطط ثرامب و اربك و
اخلط أوراق نتنياهو.
الأوسكار الفلسطيني هذا "لا
أرض اخرى" / No other
land
كان تتمة وتثييت انتصار اهالي غزة على الأرض ، و الإنتصار الأخلاقي و الإنساني العالمي.
مما دفع الصقور في الكواليس الى محاولة ايجاد مدخلات حوار مع حماس مباشرة.
هذه امريكا البراغماتية التي لا تعترف بضعيف و تؤمن شعار مصالحها أولا.
No other land
هو بمثابة الإنتصار الثقافي الفني ، الإنتصار الروحي - الفنانون مهندسي
الروح (ستالين)- الإنتصار الذي يخشاه الإستعمار القديم و الجديد منذ ان اطلق زعيم
الرايخ الالماني النازي ووزير دعاية النازية ( جوزيف جوبلر) نيران مسدسه عن
المثقف.
هنيئا لاخوتنا الفلسطينيين بهذا التتويج السينمائي و بالحسنيين معا . برهنتم للعالم اجمع و لمن به صمم أن ثورتكم و
نضالكم لا غبار عليها ، و نقلتم كرسي القاضي للعالم باسره ، كما نقلتم العالم الى
صلب محور مركز ثقل القضية الأم الجوهر .