الحُب و النجاح في الأدب البوليسي
العقيد بن دحو
- سألته :
ألم تعد تحبني !؟
- أجاب : لا
أعرف لهذه العبارة معنى ، و هل عرفها غيري في يوم ما ؟ ماذا لو اطلقت سراحك و ألقي
علي القبض و سجنت و قمت بدور الساذج ؟
اما اذا
ارسلتك أنت الى السجن حبيبتي سأمضي أيام قلقة و سأبكي لكنها سوف تمر !.
كان هذا حوار
تراجيدي ، مأساة البوليس السري وهو يسلم عشيقته للعدالة و للكرسي الكهربائي
(الإعدام) ، من رواية " الصقر المالطي" أو "صقر مالطا" للكاتب
الأديب الروائي الأمريكي (داشيل هاميت) Samuel Dasheill Hammett.
تروي هذه
الرواية قصة البوليس السري وهو يسلم عشيقته للكرسي الكهربائي ؛ و في طريقهما الى
المحاكمة ؛ غرفة تنفيذ الإعدام ، و في هذه الدقائق المعدودات ، بل الثوان... وبذل
الوقت الضائع استرجعا ذكرياتهما ، حياتهما كاملة ، مالها و ما عليها ، سعادتهما
شقاؤهما ، حبهما...لحظات صمت يعرفان فيه ما يجري ما لا يصدقانه...كلام يشبه
الكلام...وصمت يشبه الصمت...!
لحظات قاسية
حتى أشجع الشجعان من الرجال تهتز فرائصهم ! لحظات فارقة بين الحياة و الموت...حتى
الموت فيها يخشى من الموت كما يقول (كافكا).
وفق منطق
بارد يحاول البوليس السري الخاص يشرح لحبيبته لماذا يفعل ذلك !؟
لأن المال و
النجاح و حياته نفسها أهم من أي شعور أو احساس.
هذه اللا
انسانية التي همها الوحيد النجاح حتى ان احرق (نيرون) روما باكملها ثانية !.
صراع بين
الحب و الوجود ، صراع بين الواجب و ما يجب أن يكون ، صراع بين القلب و العقل ،
صراع بين العاطفة ووشائج العلاقات الإنسانية و الفكر....صراع بين القانون و
العدالة ، هل بإمكان القانون أن يكون مناهضا للعدالة ؟
و هل الجريمة
تفيد ؟
هذه و تلك جل
الأسئلة التي تطرحها الاداب و الفنون الإنسانية في مجرى التاريخ قبل التدوين و بعد
التدوين.
الوجودي من
"الوجودية" و "الصقر المالطي" لا يعرف علاقات انسانية.
صحيح هو يملك
قلبا و ضميرا كسائر البشر ، يحب و يكره ، يفرح و يتألم ، يربح و يخسر ، يَقتُل و
يُقتَل. تثنية الفعل الدرامي و نقيضه. غير أنه تلقى تكوينا خاصا أين يمكنه في لحظة
من اللحظات أن يتخلى فيها عن طرف نقيض بدم بارد ودون أن يرف له جفن.
بإمكانه في
أي لحظة من اللحظات أن يتخلى على قلبه ، من دون وجع و لا حسرة ألم ندم !.
سبب تفوقي
على الآخرين لأني من دون قلب (رامبو).
الصقر
المالطي هو يسلم عشيقته الكرسي الأعدام ، كان في الحقيقة يسلم قلبه ، حبه في سبيل
النجاح..الحب ليس كل شيء و النجاح هو كل شيء ، النجاح المادي طبعا ، إله العصر
الحديث كما يسمونه نقاد الميثولوجية و ما بعد الحداثة؛ النجاح من حيث النجاح يجر
النجاح.
صحيح الحب
(وطن الحلول) كما تقول السيريالية بمعنى أينما حل الحب حلت الحياة و حل الأمل ، و
لكن هاهو الحب يتضاءل أمام النجاح. أين يضحي الحبيب بحبيبته في سبيل ترقية مادية
زائلة و نجاح مادي لا روح فيه.
صحيح لم تعد
ثمة معجزة يونانية ، لا "جوبترات" و لا " سنتورات" ، و لا جبابرة "تيتانوس" يحكمون
الأرض من جديد. غير ان أرباب العمل و اصحاب رؤوس اموال الشركات العالمية العملاقة
احتكرت الثروة في كارتل واحد و في مونوبول
واحد ، هم اليوم عراب العولمة بإمتياز ، هم أنفسهم آلهة الأغريق القدماء ،
القضاء و القدر من كانوا يقررون مصائر البشر مما قبل التاريخ.
شركات عملاقة
ليست لها مشكلة أن تدوس على البشر و الحجر و الشجر ، وتلويث البيئة و تحطيم الأصول
البشرية في سبيل (النجاح) إله العصر الحديث.
كم يبدوا محب
اليوم ، و عاشق اليوم - هذا إن وُجِد - ساذجا مغفلا ، بعد أن تخلى كل عاشق عن
عشيقه في سبيل النجاح.
لقد انتصر
أخيرا النجاح ، و اختفت القيم و المُثل ، و صارت المظاهر الكذابة و التنافس على
الرفاهية الصفة السائدة في المجتمع ، و أصبح (الحب) أكبر نكتة مسلية ، عندما مس (النينيو)
كل شيء و توقفت الكعكة الإقتصادية عن النمو و صار الإنسان يأكل من رأس ماله.
عندما مس
الإفلاس و الفساد السياسي الإجتماعي الإقتصادي الثقافي الحكم ، و صار حكم العائلة
، العشيرة ، القبيلة ، الجهوية و العنصرية المقيتة من جديد. ساعتئذ
ليس وحده
الصقر المالطي ، البوليس السري من سلم عشيقته للكرسي الكهربائي بطيب خاطر من أجل
النجاح المادي ، و انما العديد إلا من رحم ربي و ظل قابضا على قلبه ، على أن هناك
على هذه البسيطة من يستحق الحباة ، من يستخق الحب و من يستحق التضحية.
مادامت
العبر لا تزال تذكرنا بفرسان الحب "
قيس" ، "هيمون" ،
"أوريست" ، "أورفيوس" ، "روميو"......
و العديد
العديد من فضلوا العيشون بقلوبهم
الفيزيولوجية عوضا عن قلوب ميكانيكية. نجاحات متفوقة بلا نبض و لاضخ دماء.
سيظل الحب
قائما وطن الحلول ، مادامت البشرية تجتهد من اجل أن تحافظ على انسانيتها و الى
أنسنة الإنسان.
اكتب تعليقاً