صلاح عثمان
الحُبُّ الحَقِيقِيّ
عَلِمتُ بإحرازي المركز الأول إثرعودتي من شهر العسل.
ومِنْ ثَمَّ باشرت العمل في الكلية
وانتظمت في الدراسات العليا وحال دون إتمامها ولادة طفلي الأول.
فتركت العمل وتفرغت لتربية الأبناء.
بمرور عشرة أعوام لاحظت تغيرات في نمط سلوك زوجي.
صار يَشْرُدُ بِذِهْنِهِ مِنْ حِينٍ لآخَرَ فِي أَثْنَاءِ تواجده بالمنزل
ويكثر من الخروج .
ذات مرة لاحظت أن سيارته تقف أمام مبنى نادي الطلبة أثناء عودتي مع أصغر
بناتي لحفل رياض الأطفال.
بعد أيام عزم على السفر لأداء العمرة وكنت في استقباله.
وضع حاجياته وأشار إلى حقيبة كبيرة أنها مرسلة معه.
ولم ينس أن يغمرني بهدايا وكذلك الأبناء.
فجاء الخبر منقولاً عبر بعض الصديقات لأكون عَلَى أُهْبَةِ الحَرْبِ.
فجعلت غرفة الاستقبال على ضَوء الشُمُوع وصنعت من الحلوى ما يحبذها صغاري
وأكملت زينتي.
ووضعت ما أهداني إياه في غلاف وكتبت عليه " هدية تليق بأم
العروس".
وجلسنا ننتظره.
مَا نَبَسَ بِكَلِمَةٍ رغم توجيه الأسئلة المباشرة.
وأخيراً قلت له هذا بيتك وهؤلاء أطفالك ولك حرية التجوال في البيت ما عدا
غرفتي .
وقد كان.
صباح اليوم التالي توجهت إلى مقرعملي السابق وأكملت دراستي وتدرجت في سلك
التدريس.
مرت الأعوام وتخرج الأبناء واغترب البعض منهم.
في لحظة ما جاءني انتدابٌ لإحدى الدول.
وبعد حين تلقيت برقية.
فحجزت على أول رحلة طيران لموافاة زوجي في العناية المكثفة بسبب جائحة
كورونا.
كانت المفاجأة تلقي نبأ رحيله أثناء الرحلة.
انتشر الخبر ووجدت كابتن الطائرة يعزيني.
بإنتهاء فترة الحداد إذا بي أجد رسالة من الكابتن.
وافيته في الميعاد.
فأخبرني أن رحلته تلك كانت بمثابة تقاعده عن العمل.
انتقلتُ للعيش معه وطفنا أَرْجَاءَ العالم.
كنت أحس بسعادته بوجودي في حياته.
وعليه لا مناص من بذل المستحيل لإتاحة الوَجْدُ أن يكتمل وَيَجْعَل
السَّفِينَةَ تَكَمّل رِحْلَتهَا.
صلاح عثمان
الاسكندرية 19 مايو 2024م
